المخرج الهوليودي هشام حجي للوثائقية: “أردت أن أظهر مغربا جميلا وقويا”

حاوره: أيوب واوجا

على مدى سنين طويلة نجحت مدينة ورزازات المغربية في استقطاب أعمال سينمائية كبيرة بسبب تنوعها الجغرافي الذي يوفر للمخرجين الباحثين عن سحر الصحراء إستوديوهات تصوير عالمية، وقد صورت أفلام عالمية كثيرة في ورزازات، مثل فيلم “لورنس العرب” (Lawrence of Arabia) و”المومياء” (The Mummy) و”الإسكندر الأكبر” (Alexander the Great)، إضافة إلى عدة أعمال أخرى جعلت من ورزازات قبلة للإنتاج السينمائي العالمي، لتستحق بذلك لقب هوليود الأفريقية.

هذا الاهتمام العالمي بورزازات جعلها تستقطب العاملين بالسينما من مختلف مدن المغرب، ومن بين هؤلاء جاء الشاب المغربي هشام حجي من مدينة الرباط، لكي يشتغل خلف الكاميرا بأدوار هامشية، ويتسلق الرتب ليصبح منتجا منفذا للأعمال السينمائية الأجنبية التي تُصور بالمنطقة، مثل فيلم “ملكة الصحراء” (Queen of The Desert) للمخرج “فرنر هرتزوغ”، وبطولة الممثلة “نيكول كيدمان”.

استمر هشام حجي على هذا المنوال ردحا من الزمان، قبل أن يقرر ذات يوم أن يعكس المعادلة وينتقل إلى هوليود لإخراج أول فيلم طويل له بعنوان “يوم الفداء” (Redemption Day)، متمردا على الأعراف السينمائية التي تجعل أبناء الدول العربية والعاملين في قطاع السينما بها مجرد لاعب ثانوي في نسيج الفيلم الأمريكي.

لم يكتفِ هشام حجي بكسر هذه القاعدة فقط، بل جلب لفيلمه نجوما كبار كالممثل “غاري دوردان” الذي يلعب دور جندي مارينز متقاعد تُختطف زوجته (الممثلة “سيريندا سوان”) في صحراء المغرب من قبل جماعة إرهابية، بالإضافة للممثل “أندي غارسيا” بطل الجزء الثالث من ثلاثية فيلم “العرّاب” (The Godfather).

يحكي الفيلم الذي صُوّر بين المغرب والولايات المتحدة قصة “كايت باكستون”، وهي عالمة آثار أمريكية تزور المغرب بعد اكتشاف أقدم عظام بشرية على الحدود المغربية الجزائرية، لكنها تتعرض للاختطاف من قبل جماعة موالية لتنظيم داعش، فتتوغل بها داخل الأراضي الجزائرية، ليقرر زوجها القدوم إلى المغرب من أجل إنقاذها.

تعرّض الفيلم بعد نشر إعلانه الترويجي لموجة انتقاد من طرف الصحافة الجزائرية، وذلك بدعوى تشويه صورة الجزائر لحساب المغرب.

وعن هذا الموضوع وقصة كفاح هشام حجي في عالم هوليود تُحاوره الجزيرة الوثائقية.

 

  • دخلت عالم السينما كمنتج منفذ بالمغرب، ثم قررت أن تخرج فيلمك الأول “يوم الفداء” بهوليود، لماذا اخترت أن تغامر باسمك وتبدأ مسيرتك الإخراجية بفيلم بهذا الحجم، عوض البدء بفيلم مغربي من المكان الذي انطلقت منه؛ ورزازات؟

دخلت عالم السينما في البداية كمساعد منتج، ثم مساعد مخرج لكي أتسلق سُلّم العمل حتى أستطيع إنشاء شركتي الخاصة بالإنتاج، وأصبح منتجا منفذا. لقد كان مساري صعبا ومليئا بالمعيقات، وقد أنتجت بضعة أفلام مغربية، وأخرجت أيضا أفلاما قصيرة.

بالنسبة لي كان الهدف بسيطا وواضحا: إذا اضطررت أن أُكرّس عدة سنين من حياتي لإنتاج فيلم واحد، فعلي أيضا أن أعمل على تحقيق أهداف أكبر يكون لها وقع كبير على العالم.

لم تغرني فكرة صنع فيلم مغربي محلي لعرضه في قاعات السينما المغربية لأسبوعين فقط ثم يُنسى العمل، لذلك فضلت تكريس طاقتي في عملي الأصلي، وهو الإنتاج التنفيذي، وانتهى بي الأمر في إنتاج وإخراج فيلمي الأول الذي كتبته منذ سنوات وصورته سنة 2019، لقد كرست فيه كل طاقاتي التي اكتسبتها في ورزازات ولوس أنجلوس حتى أوصل رسالتي لأكبر قدر من الجمهور.

الممثلة “سيريندا سوان” التي كانت مُختطفة من قبل جماعة إرهابية في صحراء المغرب

 

  • أنت مخرج الفيلم و كاتب السيناريو ومنتجه المنفذ، ما السبب الذي جعلك تنفرد بهذه المهام كلها، ألا ترى بأن الجمع بينها قد يؤثر على رؤيتك الإخراجية للعمل؟

كنت أرغب من البداية في سرد قصة سكنت قلبي، لذلك لم أر أن أي شخص آخر قادر على إخراج الفيلم بالطريقة التي أريدها أنا. بالمقابل أنا أيضا منتج الفيلم، لذلك لما سأتنازل عن هذه المهمة لشخص آخر ما دامت هي مهنتي الأصلية؟

في البداية كان من المفروض أن الإخراج سيوكل لمخرج أمريكي، وبسبب تخفيض الميزانية العامة للفيلم، قرّر هذا المخرج الانسحاب وتركنا في ورطة، فقررت أن أخرج الفيلم بنفسي.

لقد كان هذا أفضل شيء أنجزته في حياتي بعد أطفالي؛ أن أُخرج الفيلم وأعطيه لمسة مغربية. وقد حان الوقت لتقديم السينما المغربية للعالم ووضعها في المقدمة بأفلام ناطقة بالإنجليزية من أجل توزيع وسرد أفضل لقصصنا المغربية.

مشهد لجماعة داعش الذين قاموا باختطاف عالمة الآثار الأمريكية خلال زيارتها إلى المغرب

 

  • صوّرت الفيلم السنة الماضية، وتأجل عرضه بسبب الجائحة، لكنك قررت عرضه على المنصات الرقمية، هل وصلنا -في نظرك- للمرحلة التي ستقضي فيها المنصات الرقمية على قاعات السينما؟

كما ذكرت في سؤالك فإن الفيلم كان جاهزا للعرض منذ أكثر من سنة، وبسبب الوباء تأجل العرض، لكننا لم ننتظر لغاية افتتاح جُل دور العرض في ظل توفر منصات العرض الرقمية وقلة الأفلام المعروضة.

تدارسنا الأمر من الجانب الربحي، ووجدنا بأن الفرصة مواتية لعرضه على دور العرض المفتوحة، وعلى منصات البث الرقمي، وقد نجح الأمر لأننا حققنا مبيعات جعلتنا نكون ضمن قائمة أفضل عشر مبيعات في الولايات المتحدة.

الفيلم الذي يجلس في الدرج لأكثر من عام يفقد قيمته بسرعة، وكانت الأولوية بالنسبة لنا أن نقدم محتوى جديدا لعدد كبير من المشاهدين على المنصات الرقمية. الفيلم أيضا مستمر في العرض بعدة بلدان فُتحت فيها دور العرض، وانطلق توزيعه في أوروبا أواخر شهر فبراير/شباط وبداية مارس/آذار الجاري.

  • يحكي الفيلم قصة جندي بحرية متقاعد يحاول إنقاد زوجته التي اختطفتها جماعة إرهابية على الحدود المغربية الجزائرية، ألا ترى بأن هذا النوع من القصص مستهلك في هوليود، ما الإضافة التي تعتقد أن فيلمك إذن قدمها للسينما المغربية؟

بالعكس، فهوليود معتادة على إخراج أفلام بوجهة نظر المخرجين الأمريكيين، أما في حالتي فأنا أروي القصة من وجهة نظر مغربية، بالفعل سئمنا من الأفلام التي تصورنا كأشرار، بينما الأمريكيون هم الأخيار، لذلك كان من اللازم أن أتدخل لأحاول تغيير هذه الصور النمطية، في فيلمي الأمر مختلف تماما عمّا اعتدناه.

 

  • بعد عرض الفيديو الترويجي للفيلم، تعرضت لحملة إسقاط تصنيف الفيلم من بعض روّاد وسائل التواصل الجزائريين بتهمة تلطيخ صورة الجزائر، وتصويرها على أنها راعية للإرهاب، فما تعليقك على الاتهامات؟

ليس لدي أي تعليق على هذا حقا، فالحكومة الجزائرية تحمل ضغينة ضد المغرب منذ زمن طويل، ومن السخافة ربط فيلمي بتصورات غير واقعية بتاتا اعتمادا على المقطع الدعائي وحده، لو شاهدوا الفيلم لعرفوا أنني لم أهاجمهم قط، وفيلمي يحتوي على شخصيات جزائرية لطيفة، بينما الإرهابيون في الفيلم فرنسيون من أصول عربية قدموا لصحراء الجزائر واستقروا فيها بعيدا عن أعين الأمن.

 

  • شارك في فيلمك نجوم كبار كالممثل “غاري دوردان” و”أندي غارسيا”. كيف نجحت في إدارة ممثلين من هذا العيار، وكيف أقنعتهم بالمشاركة في عمل هو الأول لك كمخرج؟

لقد لجأت للأسلوب الكلاسيكي في هوليود عبر ربط الاتصال بهم عن طريق وكلائهم، وأرسلت السيناريو لهم، واقتنعوا برؤيتي الإخراجية بعد الاطلاع عليه.

لقد أثبت لهم أيضا بأن الفيلم ممول بشكل جيد (4 مليون دولار)، وسيستفيد من توزيع دولي. أكثر شيء أعجبهم حول الفيلم هو مشاهدة فيلم هوليودي بأسلوب ورؤية عمل مخرج قادم من الجانب الآخر للكوكب.

 

  • يعاني العرب والمسلمون بشكل عام من تنميط صورتهم في هوليود عبر ربطهم بالإرهاب والتطرف، فيلمك أيضا يكرّس هذه الصورة النمطية عوض تغييرها، ما تبريرك للأمر؟

لا بالعكس، الفيلم يُظهر بأن العرب والمسلمين ليسوا إرهابيين، الإرهابيون في فيلمي عرب ترعرعوا في أوروبا -هذا ما يفتح النقاش حول خطابات الكراهية الدينية التي تولد المتطرفين بأروربا- لقد قدموا للمنطقة لموالاة داعش، لكن مع مرور الوقت ينكشف زيف إيمانهم ومدى تعلقهم بالمال، خصوصا في مشهد التصويت على مطالبهم من أجل إطلاق سراح الرهائن، إطلاق سراح أصدقائهم أو المال؟ لقد اختاروا المال.

تتمثل الرسالة الرئيسية لفيلمي في إظهار من يقف وراء الإرهابين، وكذلك في إظهار العمل الهائل الذي يقوم به المكتب القضائي لمكافحة الإرهاب بالمغرب، وهذه حقائق مثبتة ميدانيا، وليست مجرد سطور في السيناريو.

  • هل تُصنِّف فيلمك “يوم الفداء” كفيلم أمريكي أم مغربي؟

إنه فيلم مغربي 100%، أنا المنتج والمخرج وكاتب السيناريو الوحيد، أما الولايات المتحدة الأمريكية في الفيلم فهي مجرد منصة للعرض الدولي.

المخرج الهوليودي المغربي هشام حجي مخرج فيلم “يوم الفداء”

 

  • بالرغم من أن الفيلم يُصنّف كفيلم إثارة وأكشن، فإنك حاولت تسويق المغرب بشكل إيجابي عبر رصد الاكتشافات الجيولوجية بالمغرب وجمالية وأمان البلد، فهل تعتقد أن على السينمائي التسويق لبلده عبر أفلامه؟

يُروّج كل صانع أفلام للموضوع الذي يريد عرضه، في حالتي أنا، أردت أن أظهر مغربا جميلا وقويا، وهذا واقع لا تُظهره الأفلام الأجنبية التي تُصوّر بالبلاد. قمت بما يقوم به صانعو الأفلام الأمريكيون مع بلادهم التي يُظهرونها بأفضل حالة.

في النهاية، أنا أحكي قصة حُب مغلفة برسالة سياسية، والأكشن إنما هو من أجل توزيع دولي أفضل، لأن هذا ما تتطلبه سوق المشاهدة الدولية.

  • بعد خطوتك الكبيرة في عالم هوليود، ما هي الخطوة المقبلة؟

الهدف المقبل هو إنتاج المزيد من الأفلام، والانفتاح على صانعي الأفلام المغاربة، ورواية المزيد من القصص المغربية، فالمغرب وورزازات أكبر من مجرد إستوديو تصوير لهوليود.