أفلام الجرائم الحقيقية المباشرة أمام الكاميرا

صلاح سرميني ـ باريس

وُفق الترجمة الـ “غوغلية”، (Snuff) تعني حرفياً :
في حالة فعل الأمر : شمّ، إستنشق، تشمّم، قصّ رأس الشمع، ..
وفي حالة الإسم، سوف تظهر لنا كلمات هي نفسها بحاجةٍ إلى ترجمةٍ أخرى :  نشوق، سعوط، عاطوس، الزهلق الجزء المُحترق من الشمعة.
وإذا اقتربنا من اختصاصنا أكثر، وربطنا الكلمة بالأفلام، والسينما، فإنّ “موسوعة ويكييبديا” المُباحة للجميع، تمنحنا التعريف التالي :
“Snuff Movies، هي أفلامٌ إباحيّةٌ غالباً، سرّيةٌ، وغير قانونية، تقدم مشاهد تعذيب، أو قتل شخصاً، أو مجموعة أشخاصٍ، ومن المُفترض، بأن لا تكون الضحية ممثلاً، أو ممثلة، ولكن، شخصاً حقيقياً يتمّ تعذيبه، أو قتله مباشرةً أمام الكاميرا.
حقيقة وجود هذه الأشرطة قابلٌ للنقاش، ويمكن أن تنطلق من الأسطورة الحضرية، وقد أصبحت تيمتها عنصراً من الثقافة الشعبية، وهناك أفلامٌ تسجيلية، وروائية، تطرّقت إلى هذا الموضوع، كما نجده في الأدب، وألعاب الفيديو”..
من خلال هذا التعريف الإجماليّ، والمُبسّط، نُدرك بأنّ المعنى الحقيقي للإباحية يشمل الجنس، والعنف على السواء، وإظهارهما على الشاشة بشكلٍ واضح، فاضح، وصريحٍ بهدف إثارة الغرائز الشهوانية للمتفرج، ومنحه قدراً من المُتعة التلصصية، والحسيّة، وتتضمّن حالة العنف ـ بالتحديد ـ قدراً من الإنحراف الأخلاقيّ، السلوكيّ، وحتى الذهني .
(The Evolution of Snuff) فيلمٌ ألمانيّ من إنتاج عام 1978، يتابع مخرجيّه “أندريه كوستينكو”، و”كارل مارتين” تاريخ أفلام الجرائم الحقيقية التي يتمّ تصويرها، وتوزيعها سرّاً.
في بداية الفيلم، وعن طريق لقطاتٍ أرشيفية، يُصرّح المخرج البولوني “رومان بولانسكي” :
ـ لقد أظهرت السينما على الشاشة كلّ المُحرّمات الجنسية، وهنا، علينا بأن نسأل أنفسنا، ماهي الخطوات المُقبلة من هذا التصعيد، يمكن أن يكون القتل، تُسمّى هذه الأفلام Snuff Movies، وفيها تحدث الجريمة فعلياً بدون تمثيل….
كان الفيلم من نوع الأفلام التسجيلية الكاذبة، أو المُصطنعة، تلك التي تبدو للمتفرج العاديّ بأنها تسجيلية صرفة، ولكن، في الحقيقة، تمّ تمثيل أجزاء منها، أو كلها، ونُطلق عليها بالفرنسية (Faux Documentaire)، أو (Docuenteur) ـ وهو مصطلحٌ يجمع بين كلمتيّن : تسجيلي، وكاذب ـ، ويُفضل المُؤرخون الفرنسيون إستخدام (Documentaire Fictif) ـ تسجيليّ خيالي ـ.

يُلخص الفيلم قصة إنتحار واحدة من ممثلات الأفلام الإباحية خلال تصوير فيلم تسجيلي حول عالم تجارة الأفلام الإباحية، ورُبما يُعتبر الإشارة الأولى إلى أفلام الجرائم المُباشرة (Snuff Movies).
في قراءةٍ تعريفية حول هذا الموضوع، يتساءل الصحفي الفرنسي السابق “جان بيّير سامويلسون” :
ـ هل هذه الأفلام حقيقية، أم مزيفة ؟
ويسرد بعض الوقائع المأخوذة من مراجع أخرى :
في عام 1976، بدأت في مدينة نيويورك فضيحة بالقرب من “برودواي”، حيث أعلنت إحدى صالات “ساحة التايمز” عن عرض فيلم جديد بعنوان (Snuff)، تزاحم المُعترضون أمام الصالة، وإرتفعت أصواتهم صراخاً :
ـ لا لفيلم Snuff ، أوقفوا عرضه، لا للحطّ من قدر النساء على الشاشة،…..
قبل بعض السنوات، إنخرط “ميكائيل فايندلاي”، وزوجته “روبرتا” البالغة من العمر 17 سنة في إخراج أفلاماً شهوانية قصيرة (Softcore)، وقتذاك، كانت تلك الصناعة في بداياتها، وسرعان ما أصبح الجمهور أكثر نهماً، وهكذا ظهرت الأفلام الإباحية الفاضحة جداً، وأُطلق عليها مصطلح (Hardcore)، تابع الثنائيّ “فايندلاي” ذاك التطوّر، في تلك الفترة، كانت أرباح فيلم إباحيّ متوسط يتمّ إنجازه خلال أسبوع، أو أسبوعين، تصل إلى حوالي عشرة آلاف دولار، ومن هنا بدأ التفكير بالعثور على تجارةٍ أكثر ربحاً،….
وهكذا كتب “ميكائيل فايندلاي” مشروع سيناريو، وصوره في الأرجنتين، يتلخص بأنّ بعض الثوار يسجنون عائلةً من قدماء النازييّن، وتضمّنت مكوّناته خليطاً من الجنس، العنف، والغرائبية، وبدون الإسهاب التلصصيّ في تفاصيله، يعمد رئيس العصابة إلى تعذيب ضحاياه، ومن ثمّ يتلذذ بإعدام أفراد العائلة واحداً بعد الآخر.
كانت شخصيته مستوحاة قليلاً من حكاية “تشارلز مانسون ميلز”، الذي كان بدوره زعيم جماعة تُسمّى “العائلة”، تكوّنت في قلب حركة الهيبيز نهاية الستينيّات، وأصبح شهيراً عن طريق سلسلة من الجرائم التي إرتكبها في منطقة لوس أنجلوس عام 1969، وفي عام 1971 أُدين بقتل الممثلة الأمريكية “شاروت تيت” زوجة المخرج البولوني “رومان بولانسكي” التي كانت وقتذاك حامل، وثلاثة من أصدقائه، ومن أجل هذه الأسباب، حازت تلك الجريمة على تغطية إعلامية كبيرة، وبعد التحقيقات، تبين بأن “تشارلز مانسون ميلز”، لم يرتكبها بنفسه، ولكن إعترف بأنه المُحرّض، والشريك الأساسيّ.
عندما عاد “فايندلاي” إلى الولايات المتحدة، لم يجد موزعاً يهتم بفيلمه، خاف الموزعون، وإنتابهم القلق، وإجتمعت وجهات نظرهم، بأنّ الفيلم يتضمّن مشاهد عنيفة جداً، وإتفقوا، بأنه من المستحيل وضعه في دورة التوزيع التجارية، حيث يبدو القاتل لطيفاً جداً،….وهكذا فشل المشروع.
ومع ذلك، عمد شخصٌ ما إلى نسخ الفيلم (من؟ لن يعرف أحدٌ من هو أبداً، وتمّ الإحتفاظ بهذا السرّ جيداً، ولأسبابٍ وجيهة…).
وبالتلميح إلى أفلامٍ تسجيلية صُورت سرّاً في غابات الأمازون، يُقال بأنها مصطنعة (مجزرةٌ تُرتكب بحقّ السكان الأصلييّن، والحيوانات، بدون أيّ تمثيل، أُضيف لاحقاً إلى فيلم “ميكائيل فايندلاي” مشهداً ختامياً، وفيه تُقتل إمرأة فعلياً أمام الكاميرا، هل كان ذاك المشهد حقيقياً، أم مزيفاً ؟ لا أحد يعرف، غموضٌ تامّ.
تسرّبت الشائعات، وإنتظمت المظاهرات فوراً، وبفقدان أيّ إثباتٍ للحقيقة، وبعد عدة شهور، عُثر على “ميكائيل فايندلاي” فوق سطح عمارة متقطعاً بمروحة هيلوكبتر، وهكذا تُظهر صدف الحياة إنتكاساتٍ مدهشة.
بعد تلك الحكاية الحقيقية، يطرح الصحفي “جان بيّير سامويلسون” سؤالاً :
ـ ماهو أصل كلمة Snuff ؟
ويُجيب، بأنها، حرفياً، وأدبياً، تعني شمّ التبغ.
ويضيف أسئلةً أخرى :
ـ كم من الأفلام يتمّ تبادلها سراً ؟ وهل هي موجودة حقاً ؟
في تلك القراءة التي كتبها بتاريخ 17 نوفمبر من عام 1998 يتمنى بأن تبقى أسئلته بدون أجوبة، ومع ذلك، سوف تتابع هذه التسمية طريقها، ويلحقها أتباعٌ، ومتعاطفون.
وسوف تصبح أفلام الجرائم الحقيقية التي يتمّ تنفيذها مباشرةً أمام الكاميرا صناعةً سريةً موجهةً لدوراتٍ مغلقة جداً (نسخةٌ جديدةٌ ـ دموية ـ من قضية “الألوان القرنفلية” في عام 1959)، تحتوي على مجموعةٍ من الجرائم الجنسية، وبالتغاضي عن سرد التفاصيل، فقد تمّ خداع الممثلين ضحايا تلك الأفلام، حيث وظف “المُنتج” البعض منهم لتمثيل فيلماً إباحيّاً مبتذلاً يُنجز مثلها بغزارةٍ  في لوس أنجلوس، ومن المُؤكد، بأنه، بعد ذلك، سوف ينتهي الأمر بالنسبة لهم بشكلٍ مخيف، حيث لا يوجد نهاية سعيدة، قضية إنتحار، هوليوود لا ينقصها مُختلين عقلياً، جاهزين لفعل أيّ شيئ من أجل حفنةٍ دولارات، دعونا نتذكر الغوص البطئ، والصعب في هذا الجحيم الذي قدمه “بول شريدر” في فيلمه (Hardcore) م�� إنتاج عام 1979.
ولكن، سرعان ما وجد بعض الخبثاء أنفسهم في الصفوف الأولى.

في مهرجان كان عام 1962، قدمت إيطاليا في المسابقة الرسمية فيلماً صادماً بعنوان Mondo Cane(عامٌ لعين) من إخراج باولو كافارا، غوالتييّرو جاكوبيتي، فرانكو بروسبيري، كانت فترة تقديم مثل هذه الأفلام بحجة التوثيق الإثنوغرافي، تجول السينمائيون الثلاثة في كلّ أنحاء العالم، كاميرات على أكتافهم، يسجلون جوانبه الأكثر فظاظةً (على سبيل المثال : أسدٌ يلتهم أحد المُكتشفين)، وفي مواجهة الإنتقادات الكثيرة، دافع الثلاثة عن فيلمهم بأنه شيطانٌ جميل، بعد سنتيّن، يعود “غوالتيّيرو جاكوبيتي”  مرةً أخرى إلى نفس الذريعة مع (Mondo Cane 2)، ويُمهد لظهور مدرسة إيطالية متخصصةً بهذا النوع من الأفلام، ومنها (Cannibal holocaust) لمُخرجه “روجيرو ديوداتو”، يرتكز الفيلم بكامله حول هذا الغموض : خلط الحقيقة بالخيال، وعلينا نحن المتفرجون فرز ماهو سلسلة مشاهد تافهة(البعض من آكلي لحوم البشر في وقت الغذاء، مشاوي على السيخ، تقطيع قرود، سلخ سلحفاة حية،…).
خلال إحدى زياراته إلى باريس، دافع المخرج عن نفسه، مبرراً عمله بإقتضابٍ شديد :
ـ خلال التصوير، إحترمنا الحصص الخاصة بالصيد الممنوحة من طرف السلطات.
لم ينتهِ الحديث بعد عن أفلام الجرائم الحقيقية المباشرة أمام الكاميرا التي يصورها بعض التجار المعتوهين، ويستهلكها متفرجون أكثر جنوناً.
يتركنا الصحفي “جان بيّير سامويلسون” نحكم على هذا الأمر بأنفسنا، وإذا أثارنا الموضوع، يقترح علينا قراءة الرواية البوليسية الحاذقة جداً “نقتل، أم نُصور؟” التي كتبها “دافيد سنيل”، وتدور أحداثها في نيويورك خلال تصوير فيلم، عندما تشعر الممثلة الرئيسية بالتهديد، ومن أجل تفسير الأمر، تُوكل شريكها في التمثيل، فيجد نفسه غائصاً في تحقيقٍ مليئٍ بمنعرجاتٍ تُوصله إلى وسط أفلام الجرائم الحقيقية.
فيما يخصّني، وكي أكشف عن الأسباب التي دفعتني إلى هذا الإهتمام المُفاجئ بهذا الجانب الظلاميّ من السينما (والفيديو)، ملاحظة إنتشار، وإستهلاك آلاف الصور التلفزيونية، والفيديوية التي بدأنا نتعوّد على مشاهدتها منذ الحرب التي شنتها قوات التحالف على العراق في مارس 2003، ونهايتها الأكثر سقوطاً أخلاقياً، وبالتحديد، بثّ لقطات إعدام الرئيس السابق “صدام حسين” (فجر أول أيام عيد الأضحى 2006)، ومروراً بكلّ الصور، والأشرطة التي رافقت، وتُرافق الثورات العربية بإعتبارها وثائق عن ضحايا المسيرات، الإحتجاجات، والمظاهرات، بدون تجاهل تلك اللقطات المهولة، والتي تُظهر مجازر فردية، أو جماعية، يضفي عليها من يرتكبها شرعيةً دينية، وهي تُجسّد في أقلّ الأوصاف إنحطاطاً إنسانياً شنيعاً.