الدراما التونسية.. من كوميديا القص الشعبي إلى العنف الهوليودي

بلال المازني

حين يحل شهر رمضان في تونس، يحمل معه ثلاثة أطباق مقدّسة لا تكاد تفارق البيوت التونسية طيلة شهر كامل: الشوربة والبريك والمسلسلات الرمضانية. فعندما ينطفئ الظمأ وتمتلئ البطون، تتجمع العائلة لتلتهم ما أنتجه مخرجون تونسيون من مسلسلات، وهي أطباق متفاوتة الدسامة، ولكن -منذ اندلاع الثورة التونسية، أو ربما قبلها بعامين- تغيّر مذاق تلك الأعمال الدرامية، وغابت بعض ملامحها المحلية، حتى كادت تضمحل.

فشل صانعو الدراما التونسيون في تجميع العائلات حول شاشة التلفزيون في رمضان، بعد أن هجرها كثيرون بسبب عدم رضاهم عن محتواها، في الوقت الذي انجذب آخرون إلى المسلسلات التونسية القديمة التي تعيدها القناة التونسية الثانية العمومية، وتحقق نسب مشاهدة كبيرة. فما سر نجاح المسلسلات التونسية التي أنتجت طيلة ما يقارب العقدين من الزمن قبل اندلاع الثورة التونسية؟ وما الذي يطبع الدراما التونسية الجديدة؟ وكيف تأثرت دراما ما بعد الثورة بالمضامين الهوليودية؟

المخرج سامي الفهري صاحب الموضة الجديدة في الدراما التونسية

“الدوار”.. أيقونة العصر الذهبي للدراما التونسية

في آخر عقد من القرن الماضي لم يكن للجمهور التونسي سوى بضع قنوات يطل بها على العالم وعلى ما يدور حوله، وهي قناة “إ.ت.ت” التي تحولت إلى قناة تونس 7 زمن حكم بن علي، ثم الوطنية الأولى بعد الثورة، والقناة الفرنسية الثانية، وقناة “راي1” الإيطالية، إضافة إلى ما يمكن أن تلتقطه هوائيات بعض سكان المناطق المتاخمة للحد الغربي مع الجزائر من قنوات جزائرية، وفي تلك الفترة بث التلفزيون العمومي التونسي مسلسلات أنتجت خلال شهر رمضان، ومثلت العصر الذهبي للدراما التونسية، وبقيت تلك المسلسلات خالدة في الأذهان، حتى أنها أصبحت محل مقارنة مع ما يقدم الآن.

لا يمكن لجيل أصغره جيل الثمانينيات أن لا يتذكر مسلسل “الدوار” (القرية) الذي بثه التلفزيون التونسي في العام 1992، من إخراج عبد القادر الجربي. ويروي هذا المسلسل الممتد على خمسة عشر حلقة قصص علاقات اجتماعية معقدة داخل قرية صغيرة في الجنوب التونسي وصراعات عائلية بسبب الإرث.

تابع التونسيون المسلسل بشغف، ولا يزال على بساطة القصة والسيناريو مطبوعا في ذاكرتهم، ليس بسبب أحداثه أو شخوصه فحسب، بل بسبب موسيقى البداية التي ألفها منذر الديماسي، فقد كادت أن تضاهي موسيقى رأفت الهجان لعمار الشريعي. وحتى الأجيال التي ولدت في منتصف التسعينيات وبداية الألفينيات، فقد ساورها الفضول لاكتشاف مسلسل “الدوار” وقصته وموسيقاه وما يسميه البعض ملاءمته للتجمع العائلي.

 

 

“غادة”.. غيرة تؤدي إلى المنفى بقرار من المستعمر

في فترة تسعينيات القرن الماضي بث التلفزيون الرسمي التونسي خمسة وعشرين عملا دراميا تلفزيا في شهر رمضان، وتنوعت مضامين تلك الأعمال، ولكن جميعها اشتركت في شيئين؛ موسيقى تصويرية متميزة، ومضمون من قلب المجتمع التونسي.

في رمضان الموافق عام 1993، بث التلفزيون التونسي مسلسل “وردة” الذي أخرجه المخرج حمادي عرافة، وقد امتدت فترة أحداث المسلسل على حقبتين، بداية الأربعينيات زمن الاستعمار الفرنسي، والزمن المعاصر، ويروي قصة نضال التونسيين في عهد الاستعمار من أجل تحقيق كرامتهم ومن أجل تحرير وطنهم.

لم يكن مسلسل “وردة” الوحيد الذي تحدث عن فترة الاستعمار الفرنسي لتونس ونضال التونسيين لتحرير وطنهم، ففي رمضان الموافق عام 1994 عرض مسلسل “غادة” الذي أخرجه محمد الحاج سليمان. كانت قصة هذا العمل الدرامي مميزة، إذ تدور أحداث هذا المسلسل في العاصمة التونسية في فترة الاستعمار، حيث يقع ضابط شرطة يتعاون مع المستعمر الفرنسي -ويدعى إسماعيل (الممثل الراحل منصف الأزعر)- في حب فتاة تدعى أمينة (الممثلة درصاف مملوك).

تعمل أمينة في مطبخ مطعم فاخر، ويلاحقها إسماعيل مستخدما نفوذه، لكن يتدخل الملاكم عفيف (الممثل فتحي الهداوي) الذي كان موجودا في المطعم لينقذها من عنف إسماعيل، لتخلق علاقتان متضادتان في المكان والزمن ذاته، علاقة حب بينه وبين أمينة، وعلاقة عداوة بينه وبين إسماعيل، وفي الحالتين سوف تقوده هاتان العلاقتان إلى المنفى بقرار من سلطات المستعمر، بعد أن نصب له إسماعيل فخا إثر زواجه من حبيبته أمينة. جذبت قصة مسلسل “غادة” الجمهور التونسي، وتعلق أيضا بموسيقى البداية التي أداها المطرب التونسي الكبير لطفي بوشناق.

 

“عنبر الليل”.. حب قاتل في حقبة الاحتلال الفرنسي

في سنوات 1999 و2001 و2002، بثت مسلسلات كان موضوعها نضال التونسيين زمن الاستعمار، وهي على التوالي مسلسل “عنبر الليل” الذي أخرجه الحبيب المسلماني و”ضفائر” للمخرج ذاته و”قمرة سيدي محروس” للمخرج صلاح الدين الصيد.

تروي المسلسلات الثلاثة قصصا مختلفة، لكنها تدور جميعها في حقبة الاحتلال الفرنسي لتونس، وتدور أحداث “عنبر الليل” في الحاضرة، وبطلته راقصة جميلة تدعى حبيبة (الممثلة أمال علوان)، وقد افتكت المسرح بجمالها وموهبتها من راقصة أخرى كانت تشغلها في منزلها.

أثارت حبيبة الجدل وتعقدت العلاقات بسببها، وأدى حضورها القوي على المسرح إلى وفاتها على يد شاب عشقها وأفقده حبها صوابه.

لقطة من مسلسل غادة إخراج محمد الحاج سليمان

“قمرة سيدي محروس”.. آخر عناقيد العصر الذهبي

أما العمل الأكثر تميّزا، فكان مسلسل “قمرة سيدي محروس”، فقد كان عملا دراميا متقنا أشد الإتقان من ناحية الديكور والحوار، كما اهتم المخرج بالدقة التاريخية حتى أنه لا يكاد يحسب له أي سهو في تناسق الأحداث أو الديكور مع تاريخ تلك الفترة، فنقل القصة بأمانة كبيرة وبإبداع، ولعل أكثر ما علق في أذهان الجمهور هو مشهد إذاعة وفاة المنصف باي في العام 1948، وهو أكثر بايات تونس قربا وحبا لشعبه.

يروي مسلسل “قمرة سيدي محروس” قصة دليلة، وهي فتاة يتيمة تخوض بصحبة أمها صراعا من أجل إيجاد مكان تبيتان فيه، فيأويهما شيخ في منزله الذي تسكنه شقيقتاه، وإحداهما راعية مقام ولي صالح يؤمه كثيرون ويؤمنون بكراماته. تتعقد الأحداث وتتشابك العلاقات بين شخصيات مقاومة للاستعمار وأخرى خائنة لوطنها، ليصبح عملا دراميا يصور مثل سابقيه واحدة من أبرز الحقبات التي مرت بها تونس، ويحن إلى متابعتها التونسيون.

لم يكن “قمرة سيدي محروس” عملا توثيقيا، لكنه نقل بكل إخلاص ملامح المجتمع التونسي ما بين الحرب العالمية الثانية واستقلال تونس، وربما الذي جعل هذا المسلسل الأكثر تميزا في مجمل المسلسلات التي اتخذت من فترة الاستعمار الفرنسي موضوعا لها، هو النضج الدرامي الذي صنع سيناريو محبوكا وحوارا وفيا وديكورا مطابقا وموسيقى تصويرية متميزة.

“الخطاب على الباب”.. كوميديا الصراع بين أجيال الماضي والحاضر

اعتاد الجمهور التونسي على مواضيع معينة وإن لم تكن من واقعه اليومي المعاش، إلا أنها كانت تجذبه لحقبة قديمة تؤسس لبطولات مناضلي الاستقلال وحقبة المقاومة، إلى أن جاء مسلسل “الخطاب على الباب” الذي كان مجرد كوميديا شعبية، إلا أنها راقية إلى أبعد الحدود.

كان مسلسل “الخطاب على الباب” بمثابة همزة وصل بين الماضي والحاضر، وحصد نجاحا لا نظير له رغم أن نسق الأحداث بطيء، ولا يوجد صعود درامي حاد في الأحداث، لكن الحوار كان متميّزا وعميقا، فقد أسندت كتابته إلى الكاتب الكبير علي اللواتي الذي صنع عملا خالدا ما يزال يبهر كل الأجيال، فموضوع العمل يدور عموما حول صراع بين جيلين، أبناء المدينة العتيقة الذين يسمون بـ”البلْدية”، وجيل جديد فيها لا تناسبه القواعد الصارمة التي تفرضها العائلات العريقة في الحي.

كان الصراع بين الجيلين يمثل صراعا أشمل هو صراع بين تاريخين، الماضي بكل زخمه من منازل قديمة وديكور عتيق، وسلوك اجتماعي كلاسيكي، أما الجيل الجديد فهو جيل مقبل على الألفية الثالثة أكثر تفتحا في كل تفاصيله من الموسيقى إلى اللباس وصولا إلى اللهجة.

لقد نجح المخرج صلاح الدين الصيد في تطويع قصص الحياة اليومية وإخراجها من تكوينها العادي المألوف والممل إلى مسلسل جذاب، عن طريق بناء متقن للشخصيات وحوار يدل على بحث واسع. واستطاع كاتب السيناريو قيادة الجمهور إلى تفاصيل الشخصيات لا الأحداث، وقاد مغامرة كبيرة وهي الخروج من عباءة الدراما التاريخية إلى الدراما المعاصرة.

لقطة من مسلسل قمرة سيدي محروس، بطولة منى نور الدين، فتحي الهداوي وفريال قراجة

“مكتوب”.. دراما تونسية بمذاق أمريكي صادم

بدأ التونسيون بالتململ أمام شاشة التلفاز حين عرض لأول مرة مسلسل “مكتوب” في العام 2008، وهو عمل للمخرج سامي الفهري الذي كان مقربا من نظام بن علي، وهو صاحب قناة الحوار التونسي التي اشتراها بعد الثورة، وقد أنتجت المسلسل شركة “كاكتوس” التي كان يتقاسم سامي الفهري ملكيتها مع بلحسن الطرابلسي شقيق زوجة بن علي. أثار هذا المسلسل صدمة لدى الجمهور في حين استحسنه جزء آخر، فهو يقدم صورة لمجتمع لم يألفه التونسيون الذين اعتادوا البساطة في مضامين المسلسلات.

يروي مسلسل “مكتوب” -الذي بث في أربعة أجزاء- قصة علاقات معقدة داخل عائلات مترفة وفاحشة الثراء، وقدّم نموذجا مغايرا للحياة اليومية للتونسيين، حيث ظهر أبطال المسلسل بسيارات فاخرة، وتناقل التونسيون بمزيج من السخرية والاستهجان مشهد شراء إحدى شخصيات العمل حقيبة يدوية تفوق الألف دولار.

لم يستسغ كثيرون دخول هذا النوع من المضامين إلى منازلهم، فهم لم يجدوا فيها ملامحهم المعتادة، فقصة المسلسل وشخصياته والسيناريو والحوارات غريبة ولم يعتدها أغلب التونسيين، فقد اختار سامي الفهري شخصيات عمله بعناية، وارتكز في هذا الاختيار على الجمال والوسامة أساسا، وهو ما صنع شخصيات مصطنعة شبيهة بشخصيات المسلسلات التجارية.

“نجوم الليل”.. صراع الحدود بين الطبقات الاجتماعية

وفي رمضان الموافق عام 2009 عرض مسلسل “نجوم الليل” على قناة حنبعل الخاصة، ولم يختلف هذا العمل عن مسلسل “مكتوب”، فهو يصوّر حربا بين أشخاص ينتمون إلى طبقتين من المجتمع تختلفان في المبادئ، الأولى هي الطبقة البرجوازية التي تدير أعمالا غير قانونية، والطبقة الثانية هي الطبقة المتوسطة التي ما زالت تدافع عن مبادئها القديمة، وتدخل شخصيات المسلسل المنتمية إلى طبقتين مختلفتين في صراع من أجل حماية حدودها من الأخرى، وهنا بدأنا نرى بوادر مسلسلات الحركة والجريمة تلوح في أفق الدراما التونسية.

واصل المخرج سامي الفهري تجربة الإخراج، وفي العام 2010 عرض مسلسل “كاستينغ” في قناة تونس 7 الرسمية، فأثار انتقادات كثيرة بسبب مشاهد جريئة لم يعتدها التونسيون في شهر رمضان. يروي مسلسل “كاستينغ” قصة ممثلين ومخرج ومنتج تربطهم علاقات حب وخيانة ومصالح، وهي قصة لم يستسغها الجمهور بسبب مشاهد كسرت نمطا كان يبثه التلفزيون الرسمي التونسي.

لقطة من مسلسل “مكتوب” إخراج سامي الفهري

 

“أولاد مفيدة”.. نجاح كبير وانتقادات أكبر

رغم الاستهجان أصبحت المضامين التي خلقها سامي الفهري هي الأكثر طغيانا في المسلسلات الرمضانية التونسية، فمسلسل “أولاد مفيدة” مثلا لاقى نجاحا كبيرا بجميع أجزائه رغم الانتقادات الكبيرة له، ورغم منسوب العنف المرتفع الذي روج له هذا العمل.

يروي هذا المسلسل قصة ثلاثة أبناء منحرفين لكنهم متضامنون فيما بينهم، وفي المقابل يلاقون دعما من والدتهم رغم سلوكهم المنحرف، تعج مشاهد المسلسل بالعنف والانحراف واستهلاك المخدرات. ومن هنا اختفت المواضيع الكلاسيكية للدراما التونسية، وأصبحنا أمام دراما جديدة على الطريقة الأمريكية.

أصبح المخرج سامي الفهري نموذجا للترويج لمضامين تثير جدلا يصل حد السخرية تارة والاستهجان طورا، لكنه لم يعد متفردا بذلك، فقد ترك الفهري أثره لدى مخرجين بدرجات مختلفة، وكان أثرها واضحا في مسلسل “ليلة الشك” الذي يروي قصة الخيانة والعلاقات المعقدة بين الأزواج.

مستنقع العنف والإجرام.. سقوط الدراما التونسية

تأثر مخرجون آخرون بمضامين أعمال سامي الفهري، فكانت بصمة هذا المخرج واضحة في مسلسل “الفوندو” الذي بثته قناة الحوار التونسي في رمضان 2021. أوحى المشهد الأول للحلقة الأولى من هذا المسلسل بحزمة من مشاهد العنف التي سيمررها هذا العمل، حتى لم تكد تخلو أي حلقة من حلقاته من مشاهد العنف المباشر أو المبطن.

في أحد المشاهد الصادمة حمل يحيى بطل المسلسل قطعة حادة، وجرح نفسه وهو يعترف لحبيبته بحبه لها، فعل ذلك كي يثبت لها رجولته حسب قوله، كان هذا المشهد كفيلا بتحرك جمعية الأطباء الشبان والأطباء النفسيين المقيمين التي قالت إن الفعل الذي قام به بطل المسلسل في ذلك المشهد هو حالة مرضية ولا علاقة له بالرجولة، وهو من أخطر المشاهد لأنه ربط قيمة عالية بفعل عنيف.

وحول ذلك صرحت الدكتورة جيهان حمدون رئيسة جمعية الأطباء الشبان والأطباء النفسيين المقيمين للجزيرة الوثائقية قائلة: حين يرتبط العنف بقيمة جيدة مثل الحب ويبرر الحب القيام بالعنف يصبح الأمر خطيرا جدا، وهذا ما روج له مسلسل “الفوندو” حيث ربط الرجولة والحب والتضامن بين الأصدقاء والإخوة بالعنف.

إرث المسرح وتعرية المجتمع.. تبريرات العنف المضللة

يلجأ مخرجو هذا النوع من المسلسلات إلى تقديم تبريرات لمشاهد العنف، وذلك لمواجهة الانتقادات والإنذارات المتكررة بخطورتها، وهي في الغالب مرتكزة على ثلاث قواعد، الأولى أن العنف هو ظاهرة موجودة في المجتمعات والثقافات، والثانية أن تصوير العنف هو تعرية للمجتمع، والثالثة ضرب أمثلة من المسرح اليوناني والروماني الذي يعتمد على التراجيديا وعلى المشاهد الحزينة لتحرير كمّ كبير من مشاعر القلق والحزن.

وفي تصريحها للوثائقية، اعتبرت الأخصائية النفسية د. جيهان حمدون أن هذه التبريرات مضللة، لأن الدراسات العلمية أثبتت أن مشاهد العنف لا تولد سوى العنف، وتقول: يغذي العنف في الدراما إمكانية تقمص المشاهد العنيفة من قبل الأشخاص الأكثر هشاشة، فيوقظ لديهم غريزة العنف، وهو أمر خطير جدا، والأخطر أن يصل المضمون العنيف للأطفال والشباب دون العشرين سنة، الذين لم يكملوا بعد بناء مجموعة القواعد المجتمعية والدينية والقوانين الموروثة التي تسمى الأنا الأعلى، وهي أيضا مجموعة القيم التي تفرق بين الخير والشر.

شخصية الشيخ تحيفة من مسلسل الخطاب على الباب، الشخصة الأكثر إضحاكا وتعقيدا

فئة المراهقين الهشة.. ضحايا العنف التلفزيوني في المجتمع

غالبا ما يكون الشباب دون سن العشرين ضحايا لما يبثه التلفزيون من مشاهد عنف، ويكون تأثير ما يشاهدونه إما بتفاقم الخوف الذي يولد الرهبة من المحيط، فيصبح العالم غير آمن بالنسبة إليهم، أو بأن يصبح العنف أمرا بديهيا، أو أن يلجأ الشاب إلى العنف باعتباره سلوكا عاديا.

وقد أكدت رئيسة جمعية الأطباء الشبان والأطباء النفسيين المقيمين، أن الأطفال الذين شاهدوا لقطات عنف في التلفزيون أصبحوا يعانون من اضطراب سلوكي حين أصبحوا شبانا، وتحول ذلك الاضطراب إلى سلوك إجرامي، وهو ما يبرر تضاعف معدلات الجريمة بنسبة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حسب دراسة مقارنة بين فترة ما قبل التلفزيون وما بعده.

تضيف د. جيهان حمدون: مشاهد ضرب الرأس على الحائط أو استعمال سكين هي مشاهد تشجع الأشخاص غير مكتملي النضوج والذين يعانون من هشاشة نفسية على تعنيف الذات. وفي تونس يمكن اعتبار أن أغلب السكان يعانون من هشاشة نفسية، نظرا للظروف التي تمر بها البلاد، وبالتالي فجميع المشاهدين يمكن أن يكونوا ضحايا تلك المشاهد.

في شهر رمضان، يخضع المشاهد في تونس إلى “قصف” مركز لمشاهد العنف في المسلسلات التي تبث في أوقات الذروة حين تتجمع العائلة أمام شاشة التلفاز، والأخطر أن القنوات التلفزيونية التي تبث تلك الأعمال لا تنبه إلى حدود الفئة العمرية التي تمنع عليها مشاهدة تلك المسلسلات، لذلك تكون الضحية الأولى للعنف الدرامي هي فئة الأطفال.

فهل سيطل علينا يوما ما عمل متكامل وسوي يعيد إلى الدراما التونسية بريقها واحترامها لعقل المتفرج؟