اقتباس السينما من التلفزيون.. مغامرة فنية تستثمر نجاح الشاشة الصغيرة

تَعكس ثلاثة أفلام بريطانية مُقتسبة من مسلسلات تلفزيونية أبرز الاتجاهات العامة الأساسية لطبيعة الأفلام المستوحاة من مسلسلات التلفزيون.

أول هذه الافلام هو “جيش أبي” (Dad’s Army)، الذي يمثل اتجاها خاصا يقوم على تقديم قصص مسلسلات شهيرة مضى على عرض بعضها عقود من الزمن بطاقم جديد تماما من الممثلين والمؤلفين، أما فيلم “مدهش للغاية” (Absolutely Fabulous) الذي عرض في قاعات السينما الأوروبية، فلا يفصل بينه وبين مسلسل مؤسسة “بي بي سي” الذي يستند عليه سوى بضعة أعوام، كما يحتفظ الفيلم بممثلات المسلسل أنفسهن، ويتابع في حكايته ما انتهى إليه الموسم الأخير من المسلسل.

لقطة من فيلم “مدهش للغاية”

أما فيلم “ديفيد برنت.. الحياة على الطريق” (David Brent: Life on the Road) من بطولة وتأليف الكوميدي البريطاني “ريكي جيرفيس”، فهو يقع في منتصف المسافة بين الاتجاهين السابقين، وقد انطلقت عروضه في النصف الأخير من شهر أغسطس 2017.

قاعات السينما.. محاولة تكرار النجاح وإبهار الجمهور التلفزيوني

يدور فيلم “ديفيد برنت.. الحياة على الطريق” حول الشخصية الرئيسية التي ظهرت في مسلسل “المكتب” الشهير الذي عرض بين عامي 2001-2003، متخليا عن الشخصيات الأخرى في المسلسل، لتكون الشخصية الرئيسية هي الرابط الوحيد تقريبا بين الفيلم السينمائي والمسلسل التلفزيوني، ولا يُعدّ ما يقدمه فيلم الكوميدي البريطاني “جيرفيس” غريبا، ذلك أن كوميديين آخرين فعلوا الشيء ذاته، وبحثوا في السينما عن فضاءات جديدة لتقديم الشخصيات الناجحة التي ابتكروها على شاشات التلفزيون.

هذا التقسيم يساعد كثيرا في تحليل الذهنيات الإنتاجية، والبحث عن مشتركات في قائمة الأفلام المستوحاة من مسلسلات التلفزيون، وهي قائمة تطول قليلا كل عام، خاصة مع اقتراب التلفزيون من السينما في السنوات الماضية، من حيث التكنولوجيا المستخدمة، وطبيعة الأداء، وسلاسة انتقال الممثلين والمؤلفين والفنيين بينهما.

ذلك ما يجعل انتقال المسلسل الناجح إلى السينما أمرا بديهيا أحيانا، وينتظره المعجبون بالعمل الأصلي بالحماس نفسه، وكذلك شركات الإنتاج المتلهفة لأيّ نجاحات تجارية في الصالات، وتستثنى من القائمة الأفلام التي تستند إلى كتب أدبية، والتي قدمت أيضا على شاشات التلفزيون، وإن بدا بعض هذه الأفلام متأثرا بالمعالجات التي قدمها التلفزيون لهذه الأعمال الأدبية.

شخصيات الشاشة الصغيرة.. نجاح يبسط سطوته على الاقتباس

إلى جانب التقسيم على أساس البناء والمعالجة والظروف الإنتاجية، تشترك هذه الأفلام في تعثرها في إيجاد الشكل السينمائي المُتحرر من التركيبة التلفزيونية وسطوة نجاحات شخصياتها على الشاشات الصغيرة، ولا توفق هذه الأفلام -إلا نادرا- في أن تكون أفلاما مستقلة بذاتها، ينظر إليها بمعزل عن نجاحاتها التلفزيونية.

كما أن كثيرا من هذه الأعمال لا يصل بالنهاية إلى جمهور جديد واسع، بل يقتصر على الجمهور الأصلي الذي يُقبل على مشاهدته في قاعات السينما، بدوافع الحنين إلى العمل التلفزيوني الأصلي، وينتهي غالبا خائبا أو راضيا بحدود قليلة عن ما يراه على الشاشة السينمائية، لكن مع تساؤلات عن جدوى انتقال المسلسل إلى السينما، وإذا لم يكن من الأجدى لهذه الأعمال البقاء في عوالم التلفزيون.

استثمار الألفة والحنين.. ربط عاطفي بين الأصل والمولّد

تُراهن هذه الأفلام على ألفة شخصياتها وقصصها عند الجمهور الذي تابعها على شاشات التلفزيون، ذلك أن هذا الجمهور استثمر سنوات طويلة في علاقات نفسية مع هذه الأعمال، فحتى الأفلام السينمائية التي تعود إلى حقب زمنية تسبق التي قدمتها مسلسلات التلفزيون، أو تذهب إلى المستقبل لتستشرف ما ستؤول إليه الشخصيات؛ فهي تبقي على علاقات مع الأعمال الأصلية، أحيانا بأساليب غير مباشرة، وأحيانا أخرى عن طريق حزمة من الإشارات المعروفة، والاستعانة بممثلين وممثلات يحملون ملامح قريبة من الشخصيات التي ظهرت في الأعمال الأصلية.

من فيلم “جيش أبي”

ورغم أن الألفة والحنين هما اللذان يدفعان الجمهور للتوجه إلى قاعات السينما، فإن الأفلام كثيرا ما تخيب آمال المعجبين، لأنها لا تحسن التعامل مع عنصري الألفة والحنين المهمين، فهي كثيرا ما تأخذ شخصياتها في رحلات خارج البيئات الجغرافية التي قدمتها المسلسلات التلفزيونية، وخاصة في السينما البريطانية.

هذه الرحلات -التي تكون غالبا إلى بلدان بعيدة- تخلخل سريعا الأواصر مع الأعمال الأصلية، دون أن توفر في المقابل قصصا ذات بناء مُحكم مقنع وسيناريو يكون قائما بذاته، وتأخذ بحسابها المشاهد الذي لم يشاهد بعد المسلسلات التلفزيونية الأصلية.

“آلان بارتريج”.. شخصية كوميدية لا تخرجها السينما عن حدودها

لعل شخصية “آلان بارتريج” التي يقدمها بنجاح كبير منذ أكثر من عقدين الممثل الإنكليزي الكوميدي الموهوب “ستيف كوجن”، هي مثال مهم عن الشخصية التي يمكن تحقق الانتقال الناجح إلى السينما، ذلك لثرائها الكوميدي والمفارقات التي تتضمنها الشخصية، إذ يمكن تطويعها ضمن تركيبات سينمائية متنوعة.

من فيلم “آلان بارتريج”

فهذه الشخصية التي ابتكرها هذا الكوميدي البريطاني انطلقت من الراديو، ثم انتقلت بعدها إلى شاشات “بي بي سي” التلفزيونية، وحققت هناك نجاحات كبيرة، قبل أن يقرر الفريق الذي يقف خلفها التجريب في السينما، وهو ما حصل في عام 2013 عندما قدموا فيلم ” آلان بارتريج.. ألفا بابا” (Alan Partridge.. Alpha Papa).

وعلى خلاف معظم الأفلام البريطانية التي استندت على مسلسلات، كان هذا الفيلم موفقا في الاشتغال السينمائي على الشخصية الكوميدية، دون الحاجة إلى زجها في مغامرات أكبر من حدود هذه الشخصية.

“مدهش للغاية”.. مغامرة في فرنسا تخرج عن نمط المسلسل

يكاد مسلسل “مدهش للغاية” أن يكون عمره مماثلا للبرنامج الكوميدي الناجح الذي قدمه “ستيف كوجن”، لكن المسلسل الأول تأخر كثيرا قبل أن تقرر مؤلفته وبطلته الكوميدية “جنيفر سوندرز” الانتقال إلى السينما.

عرض الفيلم ونال نجاحا جيدا في عدد من الدول الأوروبية، لكنه يقترف ذات الأخطاء التي وقع فيها معظم الأفلام المقتبسة من المسلسلات التلفزيونية، فهو يأخذ بطلتيه إلى فرنسا، ويعرضهن لمواقف كوميدية ترتكز على كوميديا الحركة، وهي تخالف ما تميز به المسلسل من سخرية لاذعة من عالم الموضة الذي تعمل فيه الشخصيتان.

كما لا يقاوم المسلسل شعبيته الكبيرة لدى النجوم، ويقع في غواية إفساح المجال لهؤلاء للظهور في أدوار صغيرة عبر زمنه، وهو أمر سيطبع الفيلم بنفَس خاص يختلف عن الأجواء الحميمية المُتقنة التي برع بها المسلسل.

اقتباسات الأعمال المحلية.. تقاليد عريقة في الدول الأوروبية

تتصدر الولايات المتحدة وبريطانيا في مجموعة الأفلام المقتبسة أو التي تكمل قصص مسلسلات التلفزيون، وتتميز بريطانيا بعدد كبير من الأفلام الكوميدية المستندة إلى مسلسلات كوميدية، بسبب تقاليد الكوميديا التلفزيونية البريطانية العريقة والنجاحات الكبيرة لبعض المسلسلات الكوميدية في بريطانيا وخارجها.

أما الأفلام الأمريكية المأخوذة من مسلسلات فهي متنوعة، مع حضور مهم لفئات الحركة والخيال العلمي، كفيلم “الملفات الغامضة” (The X Files)، و”ملائكة تشاري” (Charlie’s Angels)، “فريق النخبة” (The A-Team)، وغيرها. وتنتشر في معظم الدول الأوروبية تقاليد بتحويل مسلسلات محلية ناجحة إلى أفلام سينمائية.

من فيلم فرونيكا مارس

وبسبب شعبية مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، فقد شاعت في السنوات الماضية دعوات من الجمهور نفسه للصناعة السينمائية، من أجل تحويل مسلسلاته المفضلة إلى أفلام، وأحيانا يشارك الجمهور نفسه في إنتاج هذه الأفلام، كما حصل سنة 2015 مع الفيلم المقتبس عن مسلسل “فيرونيكا مارس” (Veronica Mars)، إذ بدأت قبيلة المعجبين المتفانين بالمسلسل حملة لجمع أموال لإنتاج فيلم عن المسلسل، وهو الأمر الذي تحقق في عام 2014.

شباك التذاكر.. خيبة أمل لأعمال تلفزيونية ناجحة

رغم شعبية المسلسلات التلفزيونية التي استندت عليها الأفلام السينمائية، فإن هذه الأفلام لم تحقق دائما نجاحات تجارية باهرة، عدا استثناءات قليلة، مثل فيلم “الجنس والمدينة” (Sex and the City)، وهو يواصل قصة المسلسل التلفزيوني الذي حمل الاسم نفسه.

حصد الفيلم الأول عن المسلسل ما يقارب 415 مليون دولار عند عرضه في السينما عام 2008، أما “21 شارع جامب” (21 Jump Street) فقد جمع 205 ملايين دولار، بينما لم تزد عائدات الفيلم البريطاني “جيش أبي” (Dad’s Army) عن 13 مليون دولار، رغم الشعبية الكبيرة للمسلسل التلفزيوني المقتبس عنه، إذ ما يزال يعرض بنجاح كبير على شاشات “بي بي سي”، رغم مرور ما يقارب أكثر من 30 عاما على إنتاجه.