السينما الأمازيغية.. نضال الصورة أمام التهميش وضعف الموارد

 

لقطة من فيلم”الشرف” للمخرج المغربي أحمد بايدو.

يعتبر الأمازيغ السّكان الأصليّين لمنطقة شمال أفريقيا، ويتحدّد موقعهم الجغرافي من واحة سيوة بمصر شرقا إلى جزر الكناري غربا، ويمتدّ إلى حدود جنوب الصحراء الكبرى جنوبا (مالي والنيجر)، ولطالما شهدت المسألة الأمازيغية مجموعة من الإشكالات التي تخصّ مفاهيم الهوية.

إذ يعرّفهم الباحثون في التاريخ بأنّهم السّكان الأصليين لمنطقة شمال أفريقيا، بينما يرى بعضهم أنّهم من أصول وندالية، ويذهب آخرون إلى الأصول الكنعانيّة، ويرى باحثون آخرون أنّهم من أصول عربيّة. ويتواصل هذا السّجال إلى حدود اليوم خاصّة في ظلّ عودة قويّة للمسألة الأمازيغية والاعتراف الرّسمي باللغة الأمازيغية من طرف المغرب وإقرار الجزائر رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية.

ويحيلنا مصطلح الأمازيغ إلى عدد من المسارات منها التاريخي والاجتماعي والثقافي، ولعل ما يهمنا أكثر في هذا المجال هو الفن السينمائي الذي سنعود من خلاله لمجموعة من الإشكاليّات والأسئلة، قصد قراءة البعد الثقافي الأمازيغي من زاوية الصورة الفيلميّة.

ثقافة الأمازيغ.. هوية توحد شعوب شمال أفريقيا

تشكّل الأمازيغية انتماء أصيلا للبلدان المغاربية، ومكونا ثقافيا ولغويا عريقا في هوية بلدان شمال أفريقيا، يبني انتساب المنطقة ويوضّح تمايزها إلى جانب المكوّنات الأخرى، غير أنّ سياقات تاريخية وسياسية غطّت حضوره وقلصته. إنّه الانتماء الذي عبّر عنه المغاربيّون في تواصلهم ومعيشهم ولباسهم ونمط عيشهم وأيضا في مجالاتهم الإبداعية التي منها السينما، إذ برز الاشتغال على ما هو أمازيغي، وبذلك برز ما يسمى بالسينما الأمازيغية.

مهرجان الفيلم الأمازيغي ببوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد استُحضرت مكوّنات ثقافية عدة لإغناء جماليات الصورة الفيلمية الأمازيغية وأساسها الفكري، وتوضيح انتسابها ومواصفات هويتها، على اعتبار أن التراث الأمازيغي يعتبر خطا ثقافيا مركزيا ضمن الخطوط المشكّلة للهوية الثقافية المغاربية، وهو بالتالي إحالة إلى قراءة تعبيريّة لصور الاختلاف وعلاقة السينما بالمجتمع، والعمل على رصد تجليات اشتغال هذه السينما.

وقد عكست هذه السينما صيغ استحضار المكوّن الأمازيغي عبر الصورة الفيلميّة، وأجّجت مجموعة من الأسئلة، من ذلك: كيف تبلورت بداية استنبات السينما الأمازيغية ضمن المشروع السينمائي المغاربي؟ لماذا تشكلت إرهاصات الاشتغال على المكوّن الأمازيغي بصفة متأخّرة في الصورة السينمائية؟ كيف يتجلّى الاشتغال على المكوّن الثقافي الخاص في الفيلم الأمازيغي؟ وما هي أبرز المحاور والمواضيع التي اشتغل عليها؟ كيف استُثمرت عناصر الثقافة الأمازيغية لتغيير الصورة الفولكلورية والاهتمام بالتراث للانتقال من وظيفة الفلكلرة إلى وظيفة التثمين؟ ماهي الخصوصيات الجمالية التي امتازت بها السّينما الأمازيغية؟ كيف مثلت أوجه الهويّة المغاربيّة في السّينما الأمازيغيّة؟

هي مجموعة من الأسئلة التي تحتاج الإجابة عن إشكاليّات السّينما المغاربية وسؤال الانتساب الثقافي والهويّاتي، انطلاقا من ربط ذلك بسيرورة تشكّل هذه السينما، وخصوصيّة تشكيل هويتها الفكرية والجمالية وخطابها الثقافي.

أفلام الرواد.. ملاحم وطنية بعد الخلاص من الاستعمار

بالعودة إلى مراحل التجربة السينمائية في شمال إفريقيا، نجد أنّ استنبات السينما في مصر وتونس والمغرب والجزائر انطلق منذ الفترة الاستعماريّة وبدايات الفنّ السينمائي في العالم، غير أنّ السينما انطلقت خادما أساسيا لمصالح الرعايا الأجانب بهذه البلدان، بينما خدمت الأفلام الوثائقيّة المصالح الاستعماريّة، من خلال توثيق الأساطيل الحربيّة خاصّة وتحقيق الغايات العسكريّة.

وقد اقتصرت السينما في بلداننا على محاولات قليلة، مقارنة بما شهدته السينما العالمية الأخرى، ولم تستطع أن تشرك مواطنيها في الفعل السينمائي بشكل فعّال. وقد كان علينا انتظار استقلال هذه البلدان والتخلّص من المد الاستعماري حتى تبدأ في تأسيس سينمات وطنية.

تطرّق المبدعون إلى مجموعة من القضايا الفكرية والاجتماعية في مرحلة التأسيس الأوّل لهذه السينما، فعبّروا عن هموم الواقع العامة، كما هو الحال مع المخرج التونسي عمار الخليفي مخرج أول فيلم تونسي سنة 1966 بعنوان “الفجر”، لتتلوه مجموعة من التجارب الأخرى على غرار تجارب الطلائعيين أمثال أحمد الخشين ورضا الباهي وعبد اللطيف بن عمار.

وقد امتدّت أفلام الروّاد في التعبير عن الملاحم والقضايا الوطنيّة كما هو الحال أيضا في الجزائر والمغرب، حيث انطلق الإنتاج السينمائي المحلّي بفيلم “وشمة” للمخرج المغربي حميد بناني سنة 1970 وأفرزت هذه السينما مجموعة من المبدعين أمثال أحمد البوعناني وأحمد المعنوني ومحمد الركاب وغيرهم، أمّا التجارب الجزائرية فقد اهتمّت بكلّ ما هو ثوري على غرار تجربة المخرج أحمد راشدي ومحمد لخضر حامينا.

مجاراة أنماط السوق.. فشل تأسيس مشروع سينمائي وطني

إذا كانت السينما المغاربية قد تطرّقت إلى مجموعة من القضايا والملامح والمكوّنات الثقافية والجمالية والتاريخية والاجتماعية والرمزية التي اشتغلت عليها، مثل الذاكرة والتاريخ وتسليط الضوء على نماذج من المجتمع وقضايا الريف والمدينة وصورة المرأة والهيمنة الذكورية وصور التراث؛ فإن هذه السينما لم تستطع أن تفرض صورتها ونموذجها، وأبقت على مستواها “التجريبي” الذي لم يكن بإمكانه مقارعة النماذج القويّة كما هو حال النموذج الأمريكي والأوروبي والأسيوي.

“أزول” هو أوّل فيلم أمازيغي تونسي للمخرج وسيم القربي وقد تناول الفيلم القضيّة الأمازيغية في تونس من خلال شهادات وثائقية حول تهميشهم.

وقد فشلت عدّة أفلام أخرى في تأسيس مشروع سينمائي وطني حقيقي، بسبب محاولتها مجاراة أنماط النموذج الحاضر في القاعات والسوق، وتماهيها مع صور الآخر ورؤيته دون محاولة تأسيس خطّ سينمائي خاصّ يستمدّ مرجعه من الهويّة المحلّية وثراء حضارة هذه البلدان وتراثها.

ولعلّ غياب استثمار المتعدّد الثقافي يعود أساسا إلى اعتماد سياسة ثقافيّة قمعت التعدّد، وجعلت الاستعمار الثقافي ما بعد الاستقلال يرسّخ رؤى الواحد، خاصّة في ظلّ ضعف الإدارة الثقافيّة والتبعيّة المتكلّسة. كلّ هذا جعل سينما هذه البلدان مجموعة من المحاولات التجريبيّة الفرديّة، فاقدة في أغلبها لهويتها المحلية، خاصّة في ظل اعتمادها على التمويلات الأجنبيّة دون إدراك الخفايا الفكرية.

التفكير في الهويّة المغاربيّة وحضارة شمال إفريقيا عموما لا يتوضّح إلا باستحضار الوجود المتعدّد للذات الخاصة أولا، لأن الإحالة على المنطقة المغاربيّة هي إحالة على خطوط عدة، منها الخط الثقافي العربي، والخط الثقافي الإسلامي، والخط الثقافي الإفريقي، والخط الثقافي اليهودي، والخط الثقافي المتوسطي، والخط الثقافي الأمازيغي وغيرها.

وبداخل كل خط نجد إحالات لا نهاية لها على تداخلات ثقافية، وكلما أهملت السينما المغاربية عمق الثقافة الخاصّة وخصوصيّة الانتساب والهامش والجغرافيا المنسية، سقطت في النزوع الفلكلوري الذي لم يسمح ببروز ملامح واضحة لمشاريع السينما الوطنية الحقيقية بهذه البلدان.

“المرأة الذهبية”.. فاتحة الأعمال الأمازيغية في المغرب

لقد اتّضحت الرؤى الناقصة في السينمات المغاربيّة، وغابت حريّة التعبير، وغاب الأهمّ وهو الاشتغال الكثيف على مكوّنات الهويّة الخاصّة، ومن ذلك المكوّن الأمازيغي لبناء خصوصية للإبداعية السينمائية.

وكان على هذه السينما أن تنتظر مجهودات الممارسة الثقافية الجادّة، ونضالات الحركة الحقوقية الأمازيغية، وبداية تكثيف الاشتغال على الثقافة الأمازيغية في مجالات متعدّدة، من ذلك المحاولات الأولى في أواخر الثمانينيّات، من خلال أعمال الفيديو التي جاءت في سياق هاوٍ، حين حاول بعض المولعين بالصورة التعبير عن تصوّراتهم ونقل صورة عبر تقنية فنّ الفيديو.

المخرج المغربي “أحمد بايدو” مخرج فيلم الشرف.

انطلق الاشتغال السينمائي الفعلي للسينما الأمازيغيّة بداية من أوائل التسعينيّات مع المخرج المغربي الحسين بيزيكارن بفيلمه “تمغارت ن وورغ” (المرأة الذهبية) وتحديدا سنة 1991، قبل أن تتلوها مجموعة من الأعمال السينمائية للمخرج محمد مرنيش مثل “تيليلا” (النجدة) ومجموعة من المخرجين الآخرين أمثال محمد صالوت وأحمد بايدو. كما شهدت هذه السينما بروز مجموعة من الشباب نذكر منهم حميد عزيزي وعبد اللطيف فوضيل.

ومن جهة أخرى تزايد الاهتمام بالإنتاج الدرامي الأمازيغي بالقنوات التلفزيونية المغربية، مما أفرز مجموعة مهمة من الإنتاجات على غرار أفلام تلفزيونية لهشام العسري وجمال السويسي وغيرهم.

“التل المنسي”.. الابن البكر للسينما الأمازيغية في الجزائر

أمّا في الجزائر فقد شهدت السينما الشابّة عودة إلى الاهتمام بالأفلام الأمازيغية، كما هو الحال بالنسبة لتجربة الطاهر حوشي ومجموعة أخرى من الشباب الجزائري، لتكون هذه التجارب امتدادا لما أُنتج من تجارب سينمائية أمازيغية متميّزة.

ونذكر بالخصوص فيلم “التل المنسي” الذي يعتبر البداية الحقيقية للسينما الأمازيغية، بالنظر إلى توفر مقوّمات جمالية متميّزة في هذا الفيلم الذي أُخرج سنة 1994 عن رواية للكاتب مولود معمري.

ومن بين التجارب المميّزة يمكن أن نذكر فيلم “ماشاهو” للمخرج بلقاسم حجاج سنة 1996، وفيلم “جبل باية” لعز الدين مدور سنة 1997، ويروي معاناة منطقة القبائل من الاستعمار الفرنسي وتشبثهم بعاداتهم وتقاليدهم، وقد نجح المخرج في سرد الذاكرة وتطعيمها بالأسطورة.

“أزول”.. أفلام تلامس المحرمات بعد الثورة

وفي تونس اعتبر تناول القضايا الأمازيغية من المحرّمات، فاقتصر الأمر على الاحتفاء بالأمازيغ (أو البربر كما يُطلق عليهم في الجنوب التونسي) بصيغة مناسباتيّة واستعراض صورهم بصيغة فولكلورية لا غير، فقد اقتصرت الصورة على بعض التقارير التلفزيونية التي تناولت الأمازيغ من منظور التاريخ والعادات والتقاليد.

ولم ينتج أوّل فيلم تونسي أمازيغي إلا بعد الثورة التونسيّة (2012)، وكان أوّل فيلم أمازيغي تونسي تحت عنوان “أزول” للمخرج وسيم القربي، وهي دلالة على الاندثار والزوال، وتعني بالأمازيغية “السلام عليكم”، وقد تناول الفيلم القضيّة الأمازيغية في تونس، من خلال شهادات وثائقية حول التهميش بقرى أمازيغية بالجنوب التونسي مثل الزراوة وتمزرط وتاوجوت، وتسليط الضوء على المطالب الحقوقيّة.

كما تلت هذا الفيلم محاولات أخرى منها فيلم “حديث القرى” لعبد الحق الطرشوني و”تاملاست” لشاهين بالريش. ولم تفرز ليبيا أو موريتانيا محاولات سينمائية تذكر في هذا المجال باعتبار غياب الإنتاج السينمائي وندرته، أمّا في مصر فقد أخرج الشاب خالد عاصم وثائقي “أمازيغ مصر” الذي صوّره في واحة سيوة.

 

مهرجان “إسني وورغ” بأغادير والذي يعرض الأفلام الخاصة بالأمازيغ.

وعلى مستوى البنية الإبداعية بقيت المهرجانات السينمائية التي تُخصّص لهذه الأفلام تعدّ على أصابع اليد الواحدة، إذ ينظم مهرجان الفيلم الوطني الأمازيغي بمنطقة القبائل بالجزائر، وفي المغرب نجد مهرجان “إسنيي وورغ” بأغادير الذي توقف في فترة معيّنة نظرا لغياب الدعم الرسمي، كما نجد مهرجان سينما الشعوب بإيموزار.

أما على المستوى الدولي فيمكن أن نذكر مهرجان الفيلم الأمازيغي بباريس الذي أقيمت دورته الثانية سنة 2015 برعاية الفنان الجزائري إيدير. كما يحتفى بالأفلام الأمازيغية بالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مهرجان الفيلم الأمازيغي بنيويورك.

الفيلم الأمازيغي.. جمالية السينما المنسيّة ورهانات النضال الثقافي

تحمل السينما الأمازيغية مجموعة من الجماليات المتميّزة، إذ تمثّل العناصر الثقافية الأمازيغية للمنطقة المغاربية مادّة لمتخيّل الفيلم والكثير من مكوناته. ويتحقق هذا الإثراء الأمازيغي من داخل حقل السينما ليصير جزءا من السينما المغاربية وأحد أوجهها، ومنطلقا معبّرا عن الانتساب الثقافي المغاربي الذي نجح في ترجمة مواقف بصدد قضايا الإنسان والوجود في المجتمع المغاربي، رغم التهميش والإقصاء والفلكرة.

ولعلّ أبرز ما اشتُغل عليه في الأفلام الأمازيغية مجموعة من العناصر التي تحيل على مسارات الهويّة، ومن ذلك نجد أنّ أغلب الأفلام الروائية الأمازيغية تعود بنا حتما إلى القضايا الحقوقية وعبق التاريخ والذاكرة، دلالةً على الاعتزاز بالذات من خلال أساطير الأجداد وقضايا التشبث بالأرض.

كما نجد أيضا أفلاما تركّز على إعادة صياغة الماضي، وإعادة تقريب الصورة للأجيال، عبر ملاحم ونضالات الأمازيغ في الذود عن كينونتهم ومقاومة المستعمر الفرنسي كما الحال في فيلم “جبل باية” وفيلم “أدور” للمخرج المغربي أحمد بايدو، وتعود أحداثه لرجالات قاومت المستعمر الفرنسي من أجل الشرف وتحقيق العدالة والحريّة.

من الموضوعات الأخرى التي اشتُغل عليها بكثافة نجد كلّ ما هو إحالة على المجتمع، من ذلك الهجرة وعلاقة الابن بالأب، وصورة المرأة والطفولة، ومؤسسة الزواج وتعابير العودة إلى الأصول وطقوس الاحتفال والعادات والتقاليد، ومن ذلك الملابس والزينة وتعبيرية الاحتفال والموسيقى والرقص، لنصل إلى طقوس أخرى منها تعبيرية الموت.

هكذا تتعدّد المواضيع المتناولة وتختلف معالجتها، ولعلّ ما يزيد من جمالية الصورة الأمازيغية هو اعتمادها على كثافة اللون، وإغناء الفضاء بديكور يجعله لوحة فنّية ذات رمزيّة قويّة جعلت الفضاء الفيلمي مكانا وزمانا للاسترجاع وإثراء الجغرافيا الثقافيّة.

غياب الدعم.. سينما تتأرجح بين الهواية والاحتراف

رغم اختلاف النقّاد حول صيغ تصنيف الأفلام الأمازيغية، باعتبار أن جزءا منها ناطق باللغة الأمازيغية، وآخر ناطق بالعربيّة، وآخر يُنسب لأصول المخرج؛ فإنّ السؤال الفعلي لا يتّجه إلى تضخيم الذات ونفي الآخر، بقدر ما هو محاولة للتعبير عن الذات من داخل سياق إبداعي يحمل خصوصيّات متفرّدة، ليصبح الفيلم نفساً جديدا يحرّر مخيالنا، محمّلا بهويّة إبداعية وخطابا يغني الإرث الحضاري عبر الصورة، كما يذهب إلى ذلك الناقد المغربي يوسف آيت همّو.

 

يعبر فيلم “جبل باية” عن ملاحم ونضالات الأمازيغ في الذود عن كينونتهم ومقاومة المستعمر الفرنسي .

وبغضّ النظر عن الجمالية التقنيّة للأفلام الأمازيغية التي تتأرجح بين الهواية والاحتراف، بسبب غياب الدعم الرسمي في أغلب الأحيان، فإنّ الصورة الجميلة في هذه الحالة تتجاوز البعد التقني، لتستقرّ في جمالية الموضوع والتعبير عن الانتماء الثقافي.

إنّ العودة إلى المكوّن الأمازيغي في سينمانا من البداية إلى الامتداد، ليس إقصاء بقدر ما هو محاولة تحييد للأرضية الثقافية وللانتساب الحقيقي للسينمات المغاربية، قصد الإجابة عن سؤال الانتماء الأمازيغي، عبر الصورة الفيلمية التي راكمت مدوّنة فيلمية قائمة على الهواية والكثير من العفوية في إنضاج الملمح الاحترافي.

ولعلّ مساءلة قضايا الهويّة والنضال الثقافي سيقودنا إلى رؤية نقدية لتيّار سينمائي جديد اعتمد على مبدأ العودة إلى الذات ليكون شريكا في إنتاج المعنى المغاربي، في ظلّ سجالات تبرز أزمة الهوية ومآزق النظر إليها في الفكر والإبداع، وهو محاولة لرصد الرهانات الكبرى التي حرّكت فاعلية الممارسة الإبداعية والنقدية والنظرية في حقل السينما المغاربية، وبالتالي قراءة تحتاج إعادة التمحيص والنظر من زاوية أخرى من أجل انفتاح السينما المغاربية على أوجهها المطمورة، لتتحقق ثنائيّة الواحد والمتعدّد بصيغة الإثراء لا بمفهوم الإقصاء.