“علي بابا” يعود للحياة في “سوسة”

لقطة من فيلم "علي بابا والأربعين حرامي"
 
صالح محمد سويسي
 
هل لي أن أحظى بمشاهدة أفلام قديمة قد يعود بعضها لبدايات السينما مثلا في بلدي؟ وأين يمكن أن أجد قاعات تعرض أفلاما قديمة جدّا في نسخها الأصلية أو مرمّمة؟
ثمّ هل بالإمكان لتلك الأفلام أن تجلب جمهورا ومتابعين في حين يمكن التمتّع بها وبغيرها من آلاف الأفلام من خلال الضغط على بعض الأزرار على جهاز اللابتوب أو الآيباد؟
أسئلة ستخامرك حتما وأنت تلج باب المتحف الأثري بمدينة سوسة في الساحل التونسي لحضور فعاليات تظاهرة طريفة تحمل اسم “سينما المتحف” والتي انتظمت في نسختها الثانية بين السادس والحادي عشر من شهر سبتمبر الماضي. 
ويبدو أن الأمر لا يعني تونس فقط، بل إنّ أغلب البلدان العربية على حسب علمنا لا توفّر قاعات لعرض أفلام مرمّمة، لذلك جاءت هذه المبادرة التي أسس لها المخرج التونسي محمد شلّوف والتي تتمثّل في تظاهرة أو مهرجان يُعنى بهذه الأفلام وما جاورها، والتي حسب منظّميها ستسعى لتتجوّل في بعض المدن الأخرى خارج سوسة.
 
تظاهرة تسعى لتقديم أعمال قديمة جدّا تعرّض أغلبها للترميم ليواصل رحلة الصمود أمام تغيّرات الزمن والتطوّرات العجيبة والسريعة التي يشهدها عالم الصورة والسينما، وهو ربّما ما حدا ببعض الشركات الكبرى للدخول في هذا المجال والعمل على ترميم أفلام مهدّدة بالضياع وإعادة بنائها لتصبح أعمالا قابلة للعرض ومستجيبة للوسائط الجديدة.
ولعلّ الحنين الكبير الذي يلفّ رغبة الكثيرين في إعادة مشاهدة أفلام بعضها سمعوا عنها فقط، جعل شركات إنتاج كبرى تسعى خلف الفوز بحقوق إعادة البثّ ومن ثمّ تكييف تلك الأعمال بما يتماشى وشروط العرض الحديثة.
 
ولعلّ في ذلك أكثر من فائدة سوف تجنيها شركات الإنتاج فضلا عن عيْش أوقات ممزوجة بين الحنين والمتعة البصرية في ربط جمالي بين الماضي والحاضر وفي إطار تعبق منه روائح التاريخ البعيد مثل المتحف الأثري بسوسة الذي أصبح وعاءً لعديد الفعاليات الفنية والثقافية.
وللعام الثاني على التوالي يفتح المتحف الأثري في سوسة أو جوهرة الساحل التونسي أبوابه لعرض عدد هام من الأفلام في إطار النسخة الثانية من مهرجان “سينما المتحف” الذي أسسه ويشرف عليه المخرج التونسي محمد في تنظيم مشترك بين جمعية إفریقیا والمتوسط للثقافة والمركز الوطني للسینما والصورة. 
 
لقطة من فيلم "سوداء فلان"
 
الصور… مرآة الماضي
قدّمت الدورة الثانية لجمھور السينما وفي فضاء تاريخيّ بامتياز برنامجا متنوعا من الأفلام المرمّمة من التراث السینمائي العالمي خلال عدد من السھرات، حيث تابع عشاق السینما أفلاما تُعدّ علامات في تاريخ السينما من ذلك “علي بابا والأربعین حرامي” لجاك بیكر  ومن “من أجل حفنة دولارات ” لسیرجیو لیوني، فضلا عن  “ساكو وفانزیتي” للإیطالي جولیانو مونتالدو و”سوداء فلان…” لرائد السینما الإفریقیة عثمان سمبان، صاحب التانیت الذھبي في أیام قرطاج السینمائیة سنة 1966.
ومن الطبيعي أن يكون التاریخ التونسي في قلب البرنامج، ذلك أن “سینما المتحف 2016” خصصت جزءا كبیرا من برامجھا إلى صور تونس من 1920 إلى 1940 والتي التُقِطَت خلال جولات سینمائیین من الضفّة الشمالية للبحر الأبیض المتوسط، وتعتبر تلك الصور والأفلام شھادة ثمینة من مرحلة  الاستعمار الفرنسي لتونس.
 
 وبحسب المنظّمين فإنّ ھذه المبادرة “فرصة لیكتشف الجمھور التونسي جزءَا من ماضيه عبر صور تمّ اقتراضها لھذه المناسبة من محفوظات الأفلام الفرنسیة وھو جزء من الإرادة الحقیقیة للمھرجان لتقدیم المزید والمزید من الصور الجدیدة لتونس عبر دوراته المتتالیة، بدءَا من العام المقبل بما في ذلك الصور التي سيتمّ إقتراضها من الأرشيف الإیطالي من میلان وروما وبولونیا…”
 
خلال النسخة الأخيرة، تمّ تخصيص سھرة “تونس وإفریقیا” حسب رؤیة ألبار مھوزي وتمّ خلالها عرض صور لھذا المتحمّس للسینما الذي جال العالم مع 11 فردا من عائلته بحثا عن صور للأفلام الوثائقیة التي كان یقدمھا خلال المؤتمرات التي یحضرها في أسفاره. 
واحتفلت التظاهرة بالذكرى الـ50 لأیام قرطاج السینمائیة حيث تمّ تقديم  الأفلام “الطاھر شریعة – تحت ظل باوباب” لمحمد شلوف إنتاج سنة 2015 و”سوداء فلان” لسمبان عثمان وهو من إنتاج سنة 1966، كما تمّت برمجة سهرة لـ “السینما وحقوق الإنسان” أثثّھا العدید من المتدخلین.
 
خلال دورة هذا العام في مهرجان “سينما المتحف” بسوسة تمّ عرض عدد من الأشرطة المرممة بتقنية k4)  ( من ذلك عرض شريط  “علي بابا و الأربعين حرامي”  لجاك بيكر  (إنتاج سنة 1954) وهو الشريط الذي تعود عليه المتلقّي بجودة متوسطة حين عرضه على شاشات التليفيزيون، لكنّ النسخة المرمّمة أو المعدّلة على مستوى الصوت والألوان والتي تمّ عرضها خلال التظاهرة أعطت للشريط بعدا جديدا بعد إعادة تركيب صوره.
سيّما أنّ عملية تصحيح الألوان والصوت، والتي تؤدّي مباشرة لـ “رقمنة” النسخة الأصلية تتمّ بمعالجة كلّ صورة داخل الشريط الأصلي على حدة ليتمّ في مرحلة أخرى تجميعها في نسخة عالية الجودة.
 
دعوات لجمع شتات الذاكرة
خلال الدورة الثانية لتظاهرة “سينما المتحف” بسوسة أُطلقت دعوات كثيرة لتفعيل خطة وطنية ناجعة قصد الإسراع في لملمة شتات الذاكرة السينمائية التونسية وحِفظها من الضياع والتلف والإهمال، باعتبارها جزءًا هامّا من الذاكرة الجماعية الوطنية.
 ولعلّ الترميم وإعادة إخراج تلك الأفلام في شكل جديد وجودة عالية دون المساس بفكرة العمل أو تركيبته الفنيّة هي أساس فكرة التظاهرة، ويمكن أن يمثّل نقطة انطلاق للتفكير بشكل جدّي في العمل على جمع ورصد الذاكرة السينمائية التونسية التي تعتبر زاخرة ومتنوّعة ومتفرّدة أحيانا.