ديان بيان فو.. يوم مرغ الفيتناميون أنف فرنسا الاستعمارية

في هذه الحلقة التي تبثها الجزيرة الوثائقية ضمن السلسلة الوثائقية “سيناريوهات تاريخية”، نتعرف على “معركة ديان بيان فو” التي استمرت شهرين، وانتهت بهزيمة الجيش الفرنسي المحاصَر في سهل ديان بيان فو شمال غربي فيتنام، والتي كانت سببا في إنهاء الاستعمار الفرنسي لدولة فيتنام.

في 19 ديسمبر/كانون الأول عام 1946 قصفت القوات الفرنسية العاصمة الفيتنامية هانوي، ردا على انتفاضة قام بها الشعب هناك ضد القوات الاستعمارية. وبعد ذلك بنحو 8 سنوات، وتحديدا في السابع من مايو/أيار عام 1954 وبعد حصار مروع استمر 56 يوما سقط معسكر ديان بيان فو بأيدي القوات الفيتنامية. وفي 21 من يوليو/تموز عام 1945 أنهت اتفاقات جنيف حرب الهند الصينية الأولى والوجود الاستعماري في آسيا.

هذه الأحداث الثلاثة المرتبطة بشكل وثيق، هي لحظات فارقة في الحرب الهندية الصينية الأولى، التي أدت إلى استقلال وتوحيد فيتنام.

“لوكلير”.. بطل الحرب العالمية يستعيد السيادة في آسيا

هنا في ميناء سايغون في الهند الصينية الفرنسية وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1945، قطع الجنرال “لوكلير” آلاف الكيلومترات من مدينة باريس التي شارك في تحريرها من النازيين قبل بضعة أشهر، إلى هذه المستعمرة البعيدة في جنوب شرق آسيا.  فقد كُلف بطل الحرب العالمية الثانية هذا والذراع اليمنى للجنرال “ديغول” باستعادة السيادة الاستعمارية الفرنسية.

الهند الصينية الفرنسية كانت “مستعمرة استغلال” تتيح لفرنسا الوصول إلى السوق الصينية

فبالنسبة لفرنسا فإن خسارة الهند الصينية غير واردة، فقد أنشئت هذه المستعمرة في نهاية القرن التاسع عشر، وتضم تحت الإدارة الفرنسية كوشن شانيا وكمبوديا وفيتنام وتونكن ولاوس. وكانت هذه المناطق تسمى “مستعمرة استغلال” تتيح لفرنسا الوصول إلى السوق الصينية، ولخدمة أهدافهم الاستعمارية، فقد وظف الفرنسيون قوة عاملة ضخمة ورخيصة، حيث يرسل معظم إنتاج الأرز والأفيون والشاي والمطاط إلى فرنسا.

وللسيطرة على هذه المساحات الشاسعة، فقد غطتها فرنسا بالجسور وسكك الحديد، كما أنشأت مدارس ومستشفيات، وكانت الإدارة الاستعمارية تعتمد على عدد من المسؤولين التنفيذيين الفيتناميين الذين يجيدون الفرنسية بطلاقة، حتى أن بعضهم درس في باريس قبل العودة لتولي وظائف الخدمة المدنية.

“هوتشي مين”.. زعيم محلي يقود حرب الاستقلال

من خلال التواصل مع المثقفين الغربيين يعود الطلاب الفيتناميون إلى بلادهم متحمسين للماركسية والقيم الديمقراطية وأحلام الاستقلال، وكان من هؤلاء العائدين رجل تبنى اسم “المنوّر” (“هوتشي مين” باللفظة الفيتنامية)، وقد كان يجسد النضال المناهض للاستعمار، وبالفعل فقد أسس في عام 1941 اتحاد استقلال فيتنام أو “فيتمين”، وأصبح زعيمه.

“المنور” أو “هوتشي مين”.. الزعيم الذي قاد حرب الاستقلال

في تلك الأثناء اندلعت الحرب العالمية الثانية، وشن اليابانيون حملة غزو كبيرة، وكانت القوات الفرنسية القليلة على الأرض قادرة فقط على تقديم مقاومة رمزية، فسقطت الهند الصينية، وأصبحت تحت إشراف الإمبراطورية اليابانية.

لكن القنبلة الذرية غيرت مسار الأحداث، فقد استسلمت اليابان المدمرة في الثاني من سبتمبر/أيلول عام 1945، ليستغل “هوتشي مين” فرصته على الفور، ويستولي على السلطة ويعلن استقلال فيتنام.

بداية الحرب.. مفاجأة القوات القادمة من الشمال

بعد الحرب العالمية الثانية تعطل ميزان القوى، فقد سادت الفوضى قارة أوروبا، وبدا واضحا أن قوتين كبيرتين ستقودان العالم، هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وهنا أدرك جزء من الجيش الفرنسي خطر الحرب الكبيرة في آسيا، وأنه بحاجة للتفاوض. هذه فحوى التقرير الذي قدمه الجنرال “لوكلير” إلى “ديغول” الذي بدا أيضا معارضا لقيام الحرب.

لكن استقالة رئيس الحكومة الفرنسية المؤقتة، وضعت “لوكلير” وحيدا في مواجهة المفوض السامي للهند الصينية، فقد كان مقتنعا تماما بالبقاء في آسيا ولو بالقوة.

كانت هذه نقطة التحول الكبرى في سير الأحداث في فيتنام، فلو أن فرنسا أخذت توصيات “لوكلير” بعين الاعتبار لما دخلت حربا، ولكانت بدأت عملية السلام، ولما تطورت أحداث التاريخ في هذه المنطقة بالصورة التي نعرفها، ولم تكن الولايات المتحدة لتدخل حربا في فيتنام.

لكن الأحداث سارت بشل مغاير بعد ذلك، واستغل مقاتلو فيتمن ضعف الوجود الفرنسي في الهند الصينية، واستطاعوا عبر طريق كولونيل في أقصى الشمال نقلَ المقاتلين سرا إلى معسكرات التدريب في الصين، ولم تكتفِ الصين بذلك، بل إنها قدمت لهم السلاح والعتاد، وإذا لزم الأمر اللجوء، وبذلك أصبحت الصين قاعدة دعم قوية لمقاتلي “هوتشي مين”.

ومن المعارك الأولى سرعان ما أدركت قوات الفيتمن عدم قدرتها على مواجهة القوات الفرنسية، لولا دعم السكان في الشمال ومعرفتهم الممتازة بالجبال والظروف المثالية لبدء حرب عصابات ضد الوجود الفرنسي.

دخلت فرنسا الحرب في فيتنام خوفا من أن تصبح المنطقة كلها شيوعية تابعة للصين

بدأت قوات الفيتمن بالسيطرة على الريف، ثم بقيادة جنرالات لامعين مثل الجنرال “جياب” بدأت هذه القوات بتحقيق الانتصارات، وأدرك الفرنسيون أن هذه القوات مجهزة ومدربة، وقادرة على التكيف مع الحرب الحديثة.

بوادر الحرب الباردة.. صراع بين الشيوعية والرأسمالية

في عام 1950 دخل الصراع في الهند الصينية سياقا جديدا أوسع، إذ بدأ ما يعرف بالحرب الباردة، لم تعد حربا استعمارية، بل حرب نفوذ شرسة بين الشيوعية والرأسمالية.

كان تقدير الغرب أنه إذا أصبحت فيتنام شيوعية، فستكون لاوس المجاورة شيوعية أيضا، وكذلك كمبوديا، حتى يسقط جنوب آسيا بالكامل مثل أحجار الدومينو، لذلك بدأت الولايات المتحدة منذ العام 1952 بالمساهمة في المجهود الحربي الفرنسي في المنطقة.

ولكن رغم الانتصارات الفرنسية والخسائر الفادحة لقوات الفيتمن، فإن الصراع وصل إلى طريق مسدود، ففي كل مرة كان يعاد تجهيز قوات الفيتمن من الصين باستمرار، وتزويدها بأسلحة حديثة.

أما في فرنسا فقد كانت السلطات تتجاهل هذا الصراع البعيد، وكان ينظر إليه في أسوأ الأحوال على أنه حرب قذرة، ولم يعد بمقدور الحكومة الفرنسية كسب هذا الصراع، وكان من الضروري التفاوض

قتال الفيل والنمر.. قوة نارية تعبث بها رياح العصابات

من أجل الانطلاق من مصدر قوة، كان كل فريق من المعسكرين يسعى إلى تحقيق انتصار واضح وحاسم، وهنا خططت القوات الفرنسية لاستفزاز أعدائها إلى حرب مباشرة، وسعت إلى إنشاء قاعدة عسكرية محصنة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الفيتمن قرب قرية ديان بيان فو.

لكن في المقابل، استخدم الجنرال “جياب” تكتيكات حرب العصابات التي كانت تعتمد الغارات الصاعقة والكمائن، والهجمات الليلية على الأماكن المعزولة، ومباغتة نقاط الضعف، ثم الانتشار في الغابات والاختباء بين المدنيين، وتجنب المواجهة المباشرة، لكن هدفه كان واضحا تماما، وهو إخراج العدو.

عندما يستحيل تحديد موقع العدو والتعرف عليه، تصبح القوة النارية عديمة الفائدة.. تسمى هذه نظرية قتال النمر والفيل

كانت القوات الفرنسية تقدر بنحو 200 ألف جندي، مقسمين إلى وحدات متفرقة، وهو عدد كافٍ للسيطرة على المدن والطرق، ولكنه غير كاف لإغلاق البلاد، وقد حصنوا أنفسهم جيدا، وكانوا يعتمدون على قوتهم النارية في المواجهة.

لكنهم كانوا لا يميزون بين المدنيين والمقاتلين، ولا يعرفون على من يطلقون النار، ولا من أين يأتي الخطر، وهذا ما وصفه “هوتشي مين” بنظرية قتال النمر والفيل، فعندما يستحيل تحديد موقع العدو والتعرف عليه، تصبح القوة النارية عديمة الفائدة.

كتائب المظلات الفرنسية.. انتصارات المعارك الأولى على السهول

نحن الآن في يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1953، الساعة 7:20 صباحا في قاعدة هانوي الجوية، وعلى المدرج أخذ قائد الكتيبة الفرنسي “بيجار” الضوء الأخضر لبدء العملية، وفي غضون ساعات قليلة سيبدأ إنزال قواته في سهول ديان بيان فو، في المعارك الأولى سرعان ما سيطرت كتائب المظلات الفرنسية على السهول.

وفي وقت مبكر من يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني أعيد تشغيل المدرج الياباني السابق الذي يعود للحرب العالمية الثانية، وأقيم جسر جوي يحمل تعزيزات عسكرية شاملة إلى قاعدة ديان بيان فو، في الوادي الذي يبلغ عرضه نحو 6 كم وطوله نحو 15 كم، وكان محاطا بجبال مرتفعة ترتفع 1200 متر، وفي وسطه توفر التلال حاجزا دفاعيا مميزا وإطلالة على المناطق المحيطة.

وقد اتخذته هيئة الأركان الفرنسية مركزا لدفاعها، ويقع في قلبه المطار الحيوي، وعلى أطرافه نقاط القوة المحصنة التي صممت لتساند بعضها عند التعرض لهجوم، وأعطيت أسماء أنثوية مثل “إيزابيل” و”كلودين” و”إليان”.

كان الفرنسيون يعتمدون في نجاح خطتهم العسكرية على عجز العدو عن حمل المدفعية الثقيلة إلى المناطق الجبلية الخالية، وحتى لو استطاع الخصم لمعجزة ما نصب بعض المدافع، فإن قائد المدفعية الفرنسية المضادة سيكون قادرا على إيقافها على الفور، وكانت وحدات المشاة الفرنسية واثقة من قدرتها على صد أي هجوم للعدو، شريطة الحفاظ على الجسر الجوي.

تقع قاعدة ديان بيان فو، في واد محاط بجبال شاهقة، وهي محاطة بنقاط قوة أعطيت أسماء أنثوية

تشير معلومات المخابرات الفرنسية إلى نشاط كبير في صفوف العدو، ويبدو أن كل أفواجه تقترب من ديان بيان فو، وكان الجنرال “جياب” على رأس قوات فيتمن، ويوشك على شن هجوم مكثف، والجنرال الفرنسي “دوكاستري” قائد القاعدة ينتظر بحزم.

ديان بيان فو.. موقع المعركة القابع بين الغابات الجبلية

تقع ديان بيان فو على بعد 300 كلم من العاصمة هانوي، وتقع بين غابات جبلية يستحيل على الجيش الفرنسي الوصول إليها سيرا على الأقدام، ولكن ليس بالنسبة لقوات الفيتمن، فبمساعدة عشرات الآلاف من المدنيين شيد الجنرال “جياب” مئات الكيلومترات من الطرق بواسطة الدراجات والشاحنات التي قدمها الاتحاد السوفياتي.

وكان ينقل كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة مباشرة، إضافة إلى المدافع الصينية الثقيلة المفككة التي كانت تحمل يدويا على الجبال المحيطة لديان بيان فو، ثم يعاد تركيبها على سفوح الجبال المحيطة، ووضعها في ملاجئ مموهة بعناية، ويصل مداها إلى المطار في القاعدة الفرنسية. وعلى المرتفعات المحيطة بالقاعدة نشر فرقا كاملة من المدافع المضادة للطائرات المستعدة لإطلاق طوفان من النيران على القوات الفرنسية.

عشية المعركة كان لدى الجنرال الفيتنامي الشمالي أكثر من 30 ألف جندي مجهزين جيدا، ومدفعية كبيرة هدفها قطع إمدادات العدو بقصف المطار، وكانت الأركان العامة الفرنسية على علم بهذه المناورات لكنها لم تبلغ المعسكر، لذا لم يكن لدى “دوكاستري” قائد المعسكر أي معرفة بالقوة الحقيقية للعدو، ولم يستطع التكيف مع التهديد المتطور.

سقوط العلم.. طوفان بشري يجتاح المعسكرات الفرنسية

في ليلة 13 مارس/آذار عام 1954 بدأ الهجوم المكثف من قبل قوات الفيتمن بقيادة الجنرال “جياب”، فشن هجوما عنيفا على القوات الفرنسية في ديان بيان فو، وسقطت آلاف القذائف على المعسكرات مستهدفة نخب الجنود، ومدمرة تحصيناتهم ومدفعيتهم.

وفي موجات عسكرية متتالية هاجمت قواتُ المشاة الفيتمن نقاطَ التحصين الفرنسية واحدة تلو الأخرى، متجاهلين خسائرهم الهائلة، وخلال ساعات لم يعد العلم الفرنسي يرفرف فوق الحصن، وسحقت النقاط العسكرية الفرنسية بوابل من النيران، قبل أن يجتاحها طوفان بشري من المشاة، وانهارت إستراتيجية الدفاع الفرنسية.

استطاع الفيتناميون تدمير مطار ديان بيان فو، فلجأ الفرنسيون إلى الإنزال المظلي

وما لم تحدث معجزة فإن الفرنسيين خسروا المعركة، فلم يعد بإمكان أي طائرة الهبوط، كان الخيار الوحيد لها هو إنزال مساعدات عسكرية من الجو، وسيتحمل الطيارون الأخطار لمساعدة رفاقهم بالسلاح على الأرض، وهم يرون مقاومتهم تضعف شيئا فشيئا.

واصلت هيئة الدفاع الفرنسية إرسال التعزيزات المتوفرة في الطائرات التي لا تزال صالحة للطيران، وهم يعلمون أنه من المحتمل التضحية بهؤلاء الرجال، وفي هانوي تصدر دعوة للمتطوعين، وغالبيتهم لم يسبق لهم القتال أو القفز بالمظلة، لكن هؤلاء الرجال يعرفون أنهم خسروا المعركة بالفعل، وأنهم سيهبطون في جحيم الموت، لكنهم لم يذهبوا هناك للدفاع عن فرنسا ولا من أجل الهند الصينية، بل من أجل الشرف وإخوانهم في السلاح وأصدقائهم.

سقوط القاعدة.. حرب تفوق الطاقة الفرنسية

طلب الفرنسيون دعما جويا من الولايات المتحدة، لكن رغم وجود حاملات طائرات في المنطقة، فإن القاذفات الأمريكية لم تغادر حظائرها.

تواصلت المعارك مدة 56 يوما بنفس الوتيرة، إلى أن دمر انفجار هائل تحت الأرض مركز القيادة، وفي يوم 7 مايو/أيار عند الساعة 4:00 عصرا، أعلن الجنرال “دكاسترو” عبر جهاز الراديو أن العدو على وشك اختراق الحصن المركزي، وعند الخامسة والنصف مساء توقف المعقل عن القتال، وسقطت قاعدة ديان بيان فو.

في يوم 7 مايو/أيار 1954 سقطت قاعدة ديان بيان فو الفرنسية آخر حصون المستعمر

وفي النهاية يطرح تساؤل، هل كان بإمكان القوات الفرنسية تحقيق نصر في تلك المعركة، تبدو الإجابة صعبة جدا، لكن من أجل النصر كان لا بد من تعليق كافة العمليات في الأراضي الفيتنامية، وتحويل الجهود كاملة إلى قاعدة ديان بيان فو. ومع ذلك فلم تكن المعركة خطأ إستراتيجيا فرنسيا بحد ذاتها، لكن يبدو أنها كانت فوق الوسائل التشغيلية الفرنسية المتاحة لها.

في المقابل، حارب الجنرال “جياب” من أجل تحرير بلاده، وعلق كل آماله على هذه المعركة، فقبل هذه المعركة كانت قوته على وشك الانهيار، وكان بعض قادته يفكرون بالانسحاب إلى الصين، لكن “جياب” دعا جميع الوحدات القتالية للمواصلة.

معارك الفرنسيين والأمريكيين الخاسرة.. حين يهزم النمر الفيل

وفي ذروة المعارك ضاعف الفرنسيون قوتهم، واستعادوا نشاطهم في بعض المناطق المحصنة، لكن اضطروا للتراجع وخسارة الأرض، الأمر الذي استغلته قوات الفيتمن فورا.

لم تكن هذه الحرب ذات شعبية كبيرة في فرنسا التي استسلمت فيها للهزيمة، وفي عام 1954 وتحديدا في 11 يوليو/تموز وقعت اتفاقية جنيف التي أنهت الحرب الهندية الصينية الأولى وأنهت الوجود الاستعماري الفرنسي هناك.

ونصت الاتفاقية على تقسيم فيتنام إلى جمهورية فيتنام الديمقراطية في الشمال تحت التأثير الشيوعي، وجمهورية فيتنام في الجنوب التي كانت تنتظر الانتخابات، لكن الاتفاقيات لم تطبق أبدا، واستأنفت الحرب بين جزئي فيتنام بدون فرنسا هذه المرة، لكن في مواجهة التهديد الشيوعي تخرج الولايات المتحدة عن تحفظها، وتنخرط بنشاط يتطور شيئا فشيئا، من دعم اقتصادي إلى عسكري، ثم انتشار عسكري وانخراط مباشر في الحرب، لكن تلك قضية أخرى.

نصت اتفاقية جنيف على تقسيم فيتنام إلى دولتين جارتين، لكن الاتفاقية فشلت واستؤنفت الحرب

وفي فرنسا قوبل سقوط ديان بيان فو بارتياح، وهو ما يدل على أن الأغلبية كانت ترى هذه الحرب غير شرعية ولا أخلاقية، وكان الجنود في هذه الحملة العسكرية محترفين، واعتبرهم البعض مرتزقة يستحقون مصيرهم، بل إن بعضهم عند عودتهم إلى بلادهم بعد جحيم الحرب رُموا بالحجارة من قبل نشطاء شيوعيين عارضوا الحرب بشدة، لكن هؤلاء الجنود ليسوا هم من تسبب في دخول بلادهم في الحرب، فالقرار اتخذه سياسيون على رأس الدولة في باريس.

أما بالنسبة للفيتناميين فقد واجهوا جيشا مدججا بالأسلحة، لكنهم عثروا على نقطة ضعفه وهزم النمر الفيل، وعلى مدار ما يقارب 30 عاما هزمت هذه الدولة الآسيوية المتواضعة فرنسا، ثم الولايات المتحدة، لتصبح حرة في النهاية.