“صنعاء المعزولة”.. لقطات الثورة التي غيرت اليمن وكسرت العزلة

في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، قامت ثورة ضد المملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن وبعد الثورة نشبت حرب دامت 8 سنوات انتهت عقبها المملكة وقامت الجمهورية العربية اليمنية.

يسلط فيلم “اليمن.. صنعاء المعزولة” الأضواء على هذه الثورة، وتأثيرها على كافة أوجه الحياة في صنعاء، فقد كان لها فضل كبير في إخراج اليمن من عزلته الرهيبة إلى آفاق أوسع، وغيرت أحوال المجتمع بطريقة جذرية.

هذا الفيلم هو جزء من السلسلة التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية بعنوان “ذكريات ملونة”، وتقوم على إعادة ترميم وتلوين أرشيف يروي أحداثا مهمة، من خلال أشخاص عايشوا مراحل زمنية وأحداثا مهمة في العالم العربي، بين عشرينيات وستينيات القرن الماضي، قبل أن يتوفر الأرشيف الملون.

عهد الثورة.. ذكريات المشير والدبابة ودار البشائر

يشرح المصور الفوتوغرافي اليمني عبد الرحمن الغابري اللقطات الأرشيفية التي عرضت عليه، قائلا: هذا باب اليمن، وملابس الناس وقتها كانت تسمى العكفة والبراني، وهذه اللقطات بعد الثورة في سوق النظارة داخل باب اليمن، لأن البندقية لم يكن يحملها الناس العاديون خلال الملكية، وكان هؤلاء من المتطوعين بعد الثورة، باب اليمن لا يزال كما هو، ولكن دعمت أساساته بسبب الحروب والأزمات التي عصفت بالبلاد، في مقدمتها حرب الملكيين والجمهوريين بعد الثورة.

الشعب اليمني كان شعبا بسيطا يعمل لكسب قوته

وهذه لقطة لدار البشائر بعد ضربها في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، وكان الإمام يسكنها، ثم تحولت إلى مركز أمني، وهذا المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية العربية اليمنية في القصر الجمهوري (أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية في الفترة بين 1962-1967).

يقول المصور الغابري معلقا على بعض المقاطع المصورة: كانت الطرقات خارج القصر الجمهوري ترابية، وكان السلال يستقل سيارة عادية جدا، والقبائل المتطوعة للثورة كانت تستقبله وتصفق له مرحبة به، وهذه الدبابة هي التي ضربت دار البشائر، وتحولت الدبابة إلى أيقونة، ووضعت في نصب تذكاري وسط العاصمة صنعاء.

المصور الفوتوغرافي اليمني عبد الرحمن الغابري

بعد انتهاء الحرب تغيرت أحوال المجتمع، واشتغل الناس، ودارت عجلة الحياة في المجتمع والإعلام والمسرح والإذاعة، وعرض الغابري ما يظن أنها أول صورة سلفي بالعالم عندما التقط صورة لنفسه وهو ينظر إلى المرآة، وقد صور بها كل شيء في صنعاء القديمة قديما وحديثا.

عمائم الرجال وأزياء العسكر.. ثياب تعكس ألوان صنعاء

يتحدث مهدي الحبابي الخبير في التراث اليمني عن ألوان الملابس التي كان يرتديها اليمنيون في ستينيات القرن الماضي، قائلا: هذه الصور التقطت بعد الثورة مباشرة، لأن الحمير لا تزال موجودة، وملابس الناس تؤكد هذا الأمر، وبالنسبة لألوان الملابس والعمائم في صنعاء، فهي الأبيض والأسود والأحمر، وتكون غير مزركشة، وكان الحرفيون يرتدون الألوان نفسها أيضا.

ألوان أزياء العسكر الخضراء وعمامات الناس البيضاء

وكان كل العسكر -بما فيهم السلال والضباط والقادة- يرتدون اللون الأخضر الفاتح، والفرق الوحيد أن الضباط والقادة كانوا يكوون ملابسهم، والعناصر كانوا يرتدونها دون كيّ. وكان لون المدرعات أخضر داكنا، والقصر الجمهوري كان بنيا قبل الثورة.

تفشي الأمية.. حقبة مظلمة وبئيسة في التاريخ اليمني

بعد ترميم اللقطات الأرشيفية وإخضاعها لعمليتي التلوين الآلي والدقيق عُرضت على المصور الفوتوغرافي عبد الرحمن الغابري، فقال إن اللقطات بعد تلوينها أصبحت جميلة جدا، وتعبر عن الواقع التي عاشه في صنعاء القديمة.

لم يكن المتعلم في اليمن يصل إلى المرحلة الإعدادية، وكانت الأمية متفشية في البلاد

ثم قال: قبل الثورة كانت الحياة في صنعاء مغلقة، وكنا معزولين تماما عن العالم، ولا نعلم عن أي شيء، ولم تكن هناك وسائل اتصال ولا صحيفة أو راديو، والتعليم كان دينيا فقط، ولمن استطاع إليه سبيلا.

لم يكن المتعلم يصل إلى المرحلة الإعدادية، وكانت الأمية متفشية في البلاد (97% في أوساط الرجال و100% من النساء)، وكان البؤس موجودا والحياة رتيبة جدا، وكان الناس يأكلون ويعملون، وكان الشغل يبدأ بعد صلاة الفجر وينتهي بعد صلاة المغرب، وبعد العشاء يصلي الناس وينامون مباشرة، وهكذا كان الروتين اليومي لليمني.

سقوط الملكية.. عودة إلى الازدهار والانفتاح على العالم

يتحدث المصور عبد الرحمن الغابري عن قيام الثورة قائلا: قامت ثورة 26 سبتمبر/ أيلول وأنا كنت في قريتي، وكنت أخرج في مظاهرات مؤيدة للقومية العربية، ثم سافرت إلى صنعاء، والتحقت بالمدرسة التي درس فيها الرئيس السلال، وبالفصل نفسه.

الفنون والأدب والتعليم والأغنية والمسرح ازدهرت بعد الثورة مباشرة

ورغم أن الحرب استمرت 8 سنوات بين الملكية والجمهورية، فقد ازدهرت الفنون والأدب والتعليم وحتى الأغنية والمسرح بعد الثورة مباشرة، وكانت المسرحيات تعرض في الميادين العامة، وفي كل مكان كانت تقام الاحتفالات والأناشيد والرقصات الشعبية.

وكان التعليم قد بدأ ينتشر في البلاد ويتطور، وافتُتحت مدارس ثانوية في صنعاء، ثم انتقلت إلى كافة محافظة ومدن البلاد.

“أن تعود لمكانتها العظيمة”.. آمال استعادة الحضارة القديمة

يقول المصور عبد الرحمن الغابري: بعد أن امتلكتُ كاميرا كنت أصور بشكل يومي، وكان هناك رهاب من الصورة لدى بعض الناس، وخاصة في موضوع الخصوصية وتصوير النساء، ورغم محدودية التعليم والثقافة والمعرفة، فقد كان الناس بسطاء.

رهاب الصورة كان لدى بعض الناس في صنعاء وخاصة في موضوع الخصوصية وتصوير النساء

كانت دور السينما منتشرة في كل  البلاد، ففي صنعاء وحدها كانت هناك 18 دار سينما، وكانت تعرض الأفلام وخاصة المصرية منها. وقد واكبت القصيدة والمقال والمجلة والصحيفة الثورةَ اليمنية، وازدهرت المعارف، وأصبح الطلاب يُبتعثون إلى الخارج لتحصيل التعليم الجامعي، إذ لم تكن هناك جامعات في صنعاء.

 

ويختم الغابري قائلا: هذه البلاد غنية وجميلة وذات طقوس ومناخات متفردة، وإن لدي أملا أن نجد طريقنا إلى السلام، وتنهض البلاد، وتنسى ما جرى معها من نكبات، وأن تعود لمكانتها العظيمة كما كانت في السابق، فهي من أقدم بلاد العالم حضاريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا.