محمد فوزي.. صانع البهجة في السينما الغنائية

خاص-الوثائقية

خفيف الظل وصانع البهجة، وأحد عمالقة الغناء العربي، وملحن وسينمائي من طراز فريد، تربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، إنه الفنان المصري محمد فوزي.

سطر الفنان محمد فوزي تاريخا فنيا زاخرا بالإبداع والموهبة، من خلال أسلوبه الفني الذي تميز ببساطة تشع بهجة وفرحا، ولم يكن ينقصه العمق، لكنه تفرد بما قدم ولم يكن حريصا على منافسة فناني عصره وإبراز إمكانياته، بل اتخذ اتجاها معاكسا من خلال إبحاره في عالم الفن وعكس خفة ظله في أعماله.

في هذا الفيلم الذي تبثه الجزيرة الوثائقية نتعرف على محمد فوزي كمطرب وملحن وممثل، إضافة إلى امتلاكه موهبة في إدارة المال والأعمال والإنتاج الفني.

 

كفر أبو جندي.. طفولة بين الكتاتيب والموالد

ولد محمد فوزي عبد العال الحو في 15 أغسطس/ آب عام 1918 في  قرية كفر أبو جندي في مركز قطور التابع لمحافظة الغربية، وكان الابن الأكبر لوالدته رقية محمد نسيم وهي الزوجة الثالثة للأب عبد العال.

ويحمل محمد فوزي الرقم 21 بين إخوته، وقد دخلت اثنتان من أخواته عالم الفن وهما بهيجة جملات المعروفة بهدى سلطان وزينب عواطف وهي الممثلة المعتزلة هند علام.

كانت الأسرة المحافظة بمثابة قيد أثر في انطلاقته نحو الفن، أثرت سنوات النشأة والتكوين في ذوقه الفني، فقد سجله والده في الكتّاب ليحفظ القرآن، وكان يصطحبه إلى الموالد، ولأنه كان شغوفا عاشقا للفن منذ صغره، فقد اصطحبه أحد أصدقاء العائلة ليغني في الموالد، وقد أدرك هذا الرجل نبوغ فوزي الفني.

كان فوزي يحضر حلقات الذكر والتواشيح ويشارك فيها، وقد لاحظ عليه أستاذ اللغة العربية أنه يقرأ المحفوظات بصورة مختلفة عن بقية زملائه، فقدر فيه طريقته المميزة في الإلقاء والتمرين، وبدأ يكتب له محفوظات خاصة ليلقيها في الحفلات العامة والنشاطات المدرسية، فذاع صيته في المحافظة وعرف بفوزي الصغير أو فوزي الحو، وكان يتمتع بصوت جميل وأصبح يغني في حفلات المدارس الأخرى.

ظهر محمد فوزي في 36 فيلما سينمائيا

 

غناء الأعراس.. بداية متواضعة في عصر العمالقة

أظهر فوزي تمردا عندما أراد ترك طنطا والذهاب إلى القاهرة وحيدا ليصبح بعد ذلك مطربا وملحنا، كما يقول أستاذ المسرح محمد الروبي.

شهدت القاهرة بين عامي 1930 – 1935 نشاطا سياسيا واسعا، في تلك الأثناء كان فوزي قد رحل إليها، وبدأ نشاطه الفني فيها، كانت الريادة في ذلك الوقت قد حسمت  لصالح محمد عبد الوهاب وأم كلثوم في عالم الغناء، وعلى مستوى المسرح كان المتصدر نجيب الريحاني، وعلي الكسار في الكوميديا ويوسف وهبي في التراجيديا، كما تولت بديعة مصابني المسرح الاستعراضي بعد انفصالها عن نجيب الريحاني.

في البداية سكن محمد فوزي أحد الشوارع الجانبية لشارع فؤاد الأول في وسط القاهرة ليكون قريبا من المعهد الملكي للموسيقى وقريبا من صالات عماد الدين، وقدم للمعهد الموسيقي وقُبل على الفور، وكان يغني في تلك الفترة في الأعراس، لكن عازف الإيقاع في طنطا مصطفى العقاد شجعه وألحقه بالعمل في فرقة بديعة مصابني.

كازينو بديعة.. أكاديمية صناعة المبدعين في مصر

يقول الباحث عمرو شاهين: دخل فوزي أهم أكاديمية عرفتها مصر في تاريخها وهي كازينو بديعة الذي كان يعمل فيها فريد الأطرش والقصبجي ومحمود الشريف، وكان ضيوفه من أمثال الموسيقار رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، وقد تخرج أغلب مبدعي مصر من هذا المكان.

كان سر تحول محمد فوزي -الذي جعله فيما بعد صانع البهجة- هو لقاؤه لسيدة قادمة من الشام وهي بديعة مصابني، وكانت تدير مؤسسة فنية بطريقة مذهلة.

دخل محمد فوزي سنة 1938 إلى الإذاعة وسجل أول أغنية له عنوانها “بين النخيل والبدر طالع”، وهي من تأليف قاسم مظهر وألحان سعيد فؤاد، بعد ذلك رفضت الإذاعة اعتماده كمطرب ولكن كملحن، وقد لحن للإذاعة موسيقى مسلسلات قامت بأدائها الفنانة فاطمة رشدي.

ومن بين أغانيه المتفردة، أغنيته “كلمني طمني” الملحنة على إيقاع الفالس، وقد قدمها بدون آلات موسيقية معتمدا على الكورس. يقول الناقد الموسيقي والسينمائي محمد دياب: كان التحدي أن يعمل “هارموني وكونتر بوينت” بأصوات بشرية، فتلك الأغنية متفردة ولم يسبق لأحد قبله استخدام هذه الطريقة في الأداء.

أوبريت شهرزاد.. كارثة الممثل البديل على المسرح

ثم قررت الفرقة القومية المعروفة اليوم بالمسرح القومي عمل أوبريت شهرزاد من ألحان سيد درويش، واختير الفنان إبراهيم حمودة لدور البطولة فيه، وكان من المتعارف عليه في المسرح وجود بديل للبطل (دوبلير) فاختير محمد فوزي.

وفي العرض الأول للمسرحية أصيب إبراهيم حمودة بوعكة صحية فخرج محمد فوزي للمسرح وتلعثم وارتبك ولم يستطع تذكر كلمات الأوبريت، وكانت النتيجة كارثة فقد اضطر المخرج زكي طليمات لإغلاق الستار، وعلى إثرها طرد فوزي من المسرح، مما أدى إلى دخوله بحالة إحباط شديدة ولم يعد يؤمن بنفسه وشعر بالفشل وقرر في البداية العودة إلى قريته لكنه عدل عن ذلك.

وبعد ذلك شجع بشارة وكيم الفنان يوسف وهبي لتقديم محمد فوزي للسينما، وبالفعل شارك بفيلم سيف الجلاد، لم يكن الدور يحتاج لقدرات بالتمثيل وانما لشخص يجيد الغناء.

 

“ماما زمانها جايه”.. اقتباس خالد من أغنية ألمانية

يصف الملحن تامر كروان أسلوب محمد فوزي في التلحين بأنه يستخدم الأسلوب الغربي “اللايت موتييف” فالجمل القصيرة هي التي يبني عليها اللحن بأكمله، فيكون اللحن متينا ومتكاملا وقوي الأساس.

ويقول محمد دياب: سمع فوزي أسطوانة لمغنّ ألماني يغني ويحاول إسكات طفل يبكي، فأعجب بالفكرة وطلب من الشاعر حسين السيد تأليف أغنية مشابهة، وبالفعل ألف أغنية “ماما زمانها جايه”، التي قام بتصويرها بمساعدة المخرج أحمد سالم.

وقد مر الفنان محمد فوزي بأكثر من تجربة زواج، أولها كانت من السيدة هداية بنت الجيران التي رفضه والدها في البداية، إذ لم يكن من السهل في ذلك الوقت قبول زوج من الوسط الفني، كانت هداية ابنة 16 عام، وكان يكبرها بعشر سنوات. لكن عندما ثبت لوالدها أن محمد فوزي رجل عصامي وشهم وافق على مضض، وكان فوزي في بداية حياته الفنية واستمر زواجهما عشر سنوات، إذ امتد حتى عام 1951.

يقول أشرف غريب مؤلف كتاب “فوزي الوثائق الخاصة”: قدم فوزي خلال تلك الفترة عشرين فيلما من أفلامه الستة والثلاثين، مثل فيلم “قبلة في لبنان” و”مجد ودموع” في عام 1945، وفيلم “أصحاب السعادة” عام 1946، بعد ذلك دخل مجال الإنتاج الفني في فيلم “علي في إجازة” عام 1947.

تحول فوزي من وجه جديد بعد أن عمل عملية تجميل في إحدى شفتيه ليصبح نجما ثم نجم شباك، وبعد ذلك تحول للإنتاج. يقول الباحث عمرو شاهين: لم يدخل فوزي مجال الإنتاج حبا في الاحتكار لذاته، لكنه أراد أن يضيف لعالم الفن.

محمد فوزي ومديحة يسري

 

مديحة يسري.. علاقة حب متبادل بين مأساتين

في عام 1951 قدم فوزي فيلمين ملونين الأول “نهاية قصة” مع مديحة يسري، والثاني فيلم “بابا عريس” مع نعيمة عاكف. وقد كلف الفيلمان 120 ألف جنيه، أي ما يعادل إنتاج ستة أفلام في ذلك الوقت.

وقد استخدم فوزي السينما ليعبر لمديحة يسري عن حبه. يقول أشرف غريب: عندما توفي زوج مديحة يسري المخرج أحمد سالم بشكل مفاجئ وكان موته صدمة كبيرة لها، أظهر فوزي تعاطفا معها في ظروفها تلك، ومع الوقت تحولت العلاقة لصداقة ثم لحب متبادل، وعملا معا في فيلم “فاطمة وماريكا وراشيل” الذي أنتجه فوزي وشاركته مديحة يسري البطولة.

وبعد ذلك تزوجا، وكان حصيلة هذا الزواج ستة أفلام، وقدما ثنائيا ناجحا على الشاشة. يقول المؤرخ الفني طارق الشناوي: كانت مشكلة مديحة مع فوزي الخيانة، فعندما قابلتها على متن الطائرة في رحلة إلى باريس باحت لي أنه خانها في المرة الأولى وغفرت له وسامحته، وفي المرة الثانية رفضت مسامحته وكانت نهاية زوجهما.

لكن أشرف غريب ينفي أن سبب الطلاق كان الخيانة، وقد كان مجرد كلام دأبت مديحة يسري تتحدث فيه في سنواتها الأخيرة، أما السبب الحقيقي وراء انفصالهما فكان تداخل المصالح المادية بسب شراكتهما في الإنتاج الفني واختلاف الطباع بينهما.

 

 

“اللي يعمل لها لحن أضربه بالنار”.. أخوات فوزي في الفن

يرى عمرو شاهين أن العلاقة الأجمل والأكثر استقرارا في حياة فوزي كان زواجه من فاتنة المعادي كريمة، في حين أن أعقد علاقة نسائية له كانت مع أخته هدى سلطان التي رفض دخولها مجال الفن رفضا قاطعا، لدرجة أنه استخدم نفوذه السينمائي ليمنعها من أن تغني أو تمثل، وقال بالحرف: “اللي يعمل لها لحن أضربه بالنار”، فتوقفت كل المشاريع التي كانت لهدى سلطان.

لم تزل العلاقة بين الأخوين متوقفة إلى أن مرض فوزي، وكانت هدى سلطان قد تزوجت بفريد شوقي، فطلبت أن تراه، فأخبرتها مديحة يسري بأنها تستطيع أن تأتي دون موعد، وعندما دخلت عليه أخته وقبلته بكى الاثنان، وبعد ذلك تصالحا ولحن لها الكثير من الأغاني، وكانت أول أغنية في مسارها “لوموني وارتضيت باللوم”، وهي تعبر عما حدث بينهما.

شارك فوزي في كل أفلام هدى سلطان وكان يهديها ألحانه فيها، وبعد ذلك دخلت أختهما هند علام مجال الفن. يقول الباحث الموسيقي والسينمائي أحمد السماحي: كانت مشكلة هند علام إلى جانب الخجل هي تشابه صوتها مع صوت هدى سلطان، وقد قدمت مجموعة من الأغاني التي لحنها فوزي، وظهرت في فيلم عبد الحليم، وقدمت مجموعة من الأدوار، لكن خجلها منعها من التوغل في عالم الفن عكس هدى سلطان التي تميزت بالجرأة وعشقها للفن.

“لحن الخلود”.. ثمار علاقات الوسط الفني

ارتبط فوزي بعلاقات صداقة قوية بالوسط الفني مثل علاقته بفريد الأطرش الذي شجعه فوزي في دخول الدراما في فيلم “لحن الخلود”، لأن فريد كان قبل ذلك يمثل أفلاما كوميدية وطلب منه خوض تجربة الدراما، وقال له غامر وستنجح، وقد حقق فيلم “لحن الخلود” في عرضه الأول نجاحا كاسحا.

ويذكر طارق الشناوي أنه عندما بدأ بليغ حمدي مسيرته الفنية مع أم كلثوم كان السبب في ذلك محمد فوزي، فقد كانت بداية تلحين أغنية “أنساك” لفوزي، وبالصدفة زار بليغ حمدي فوزي في مكتبه، وعندما دخل فوزي الأستديو وجد بليغ حمدي يلحن، وعندما سمع فوزي المذهب قال لبليغ “برافوا عليك المذهب مع الأغنية يجنن.. كمل” ولم يكن بليغ يعلم أن هذه الأغنية لمحمد فوزي وهذا يدل على عظمة فوزي وتواضعه.

كان قيام ثورة يوليو سنة 1952 الحدث الأهم في الواقع السياسي المصري، وبالتالي انعكس ذلك على الواقع الفني، فقد التف الفنانون المصريون حول الثورة، ومن بينهم محمد فوزي.

يقول أشرف غريب: السنة التي تراجع فيها محمد فوزي وليلى مراد كانت نفس سنة 1956، تزامنا مع صعود نجم جمال عبد الناصر، وهذا ليس صدفة، لأن ليلى مراد ومحمد فوزي أعلنا ولاءهما لمحمد نجيب، وهذا مما لا شك فيه.

تم تحويل شركة مصر فون من شركة إنتاج إلى مصنع الشرق للأسطوانات لمحمد فوزي وشركاه

 

مصنع الشرق.. ثورة الأسطوانات التي لا تكسر

في عام 1957 أعلن عبد الناصر تمصير الصناعة المصرية، وكان فوزي من الذين بلعوا ذلك الطعم، وقرر أن يجمع ثروته وقام بتسييلها لنقود، ثم رهن قصره وباع إرث أبيه ونزل مجال صناعة الأغنية، ومن هنا جاءت فكرة تحويل مصر فون من شركة إنتاج إلى مصنع الشرق للأسطوانات لمحمد فوزي وشركائه.

كانت أشهر شركات الأسطوانات في ذلك الوقت شركة “أوديون” الألمانية و”غرام فون مونراش” البريطانية و”كولومبيا” اليونانية و”بيضا فون” اللبنانية، كانت الأسطوانة تأتي من خارج مصر بسعر جنيه واحد، وكانت قابلة للكسر وتسجل فيها أغنية واحدة، لكن فوزي قام بتطويرها من خلال شركته  لتصبح غير قابلة للكسر، ويمكن تسجيل أغنيتين على نفس الاسطوانة وبسعر 35 قرشا.

كان محمد فوزي بحاجة لشريك، فشاركه السعودي حسن سرور الصبان، ووقع مع فوزي سنة 1957 عقدا برأس مال قدره عشرون ألف جنيه، وأقام مصنعا كبيرا بأحدث المعدات، لكن المسألة كانت أكبر من إمكانات فوزي، فعرضت عليه شركة “فيليبس أورينت” الشراكة بديلا عن الصبان، وبالفعل أصبحت شريكه في الشرق الأوسط.

جمعية المؤلفين والملحنين.. شعبية كاسحة تكسر كل المنافسين

قدم فوزي عروضا للفنانين في “كايرو فون”، إذ يعد أول من طبق حق الأداء العلني بين المطربين بأن يعطيهم نسبة من الأرباح بعد بيع الأسطوانة، ولا يقتصر على ثمن الأسطوانة فقط، وبالفعل انضم كثير من الفنانين للشركة وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم، ونجحت الشركة بشكل كبير.

ومنذ إنشاء جمعية المؤلفين والملحنين في الأربعينيات كان فوزي عضوا مؤسسا فيها، كما أنه تزعم المطالبة بحقوق المؤلفين والملحنين والمطربين في الأداء العلني.

وفي أكتوبر عام 1955 في مقر الغرفة التجارية في القاهرة، أقيمت انتخابات لمنصب رئاسة الجمعية ورشح فوزي لها، وفي ذلك الوقت كان محمد عبد الوهاب منافسا لفوزي، لكن عندما علم محمد عبد الوهاب بنزول محمد فوزي كمنافس له انسحب، لأنه كان يدرك شعبية فوزي العارمة، ودفع بالشاعر الكبير أحمد رامي لخوض الانتخابات مكانه، لكن شعبية محمد فوزي حسمت النتيجة وفاز بنتيجة كاسحة.

 

“يا مصطفى يا مصطفى”.. انتصار الكلمات والألحان

تميزت أغنية “يا مصطفى يا مصطفى” ذات الطابع الفرانكوآرابي، بخفتها ونالت استحسان الجمهور، وقد قدمت للرقابة الفنية عام 1959.

يقول طارق الشناوي: كان نجيب محفوظ رئيس الرقابة، وقال له الرقيب باشر عملية الرقابة على الأغنية إن فوزي أراد استرجاع مصطفى باشا النحاس وهو زعيم الوفد المحبوب في الشارع المصري، فقرر منعها لأنها ضد الثورة التي قامت في سنة 1952 والأغنية 1959، يعني سبع سنوات، وكلمات الأغنية تقول “سبع سنين في العطارين”. شكر نجيب محفوظ الرقيب وقال له ما رأيك أن نذيعها في سنة 1960؟

عندما خرجت الأغنية للعلن حققت نجاحا باهرا وترجمت لعدة لغات، لكن محمد الكحلاوي ادعى أن هذا اللحن له من أغنيته البدوية “فضلك يا سايق المطر.. تشكر يا سيد المطر”، ويرى طارق الشناوي أنه بالرغم من تشابه المذهب بين الأغنيتين، فإن المقاطع بعيدة ومختلفة، وهذا ما أكدته جمعية المؤلفين والملحنين وأرجعت حقوق الملكية لعائلة محمد فوزي.

نشيد الجزائر الوطني.. معركة إثبات القدرات الفوزية

من أناشيد محمد فوزي الخالدة النشيد القومي الجزائري، وقد عرض النشيد على مجموعة كبيرة من الملحنين الجزائريين، لكن المسؤولين في الجزائر لم تعجبهم الألحان التي قدمت.

وفي عام 1956 ذهب اثنان من مسؤولي الجزائر إلى مصر وقابلوا محمد فوزي في إذاعة صوت العرب وطلبوا منه تلحين النشيد القومي الجزائري، لكن محمد أبو الفتوح رئيس القسم المغربي في الإذاعة اعترض على فوزي، واعتبره ملحنا خفيفا ولا يصلح لتلحين النشيد القومي.

أخذ فوزي الأمر على أنه تشكيك بقدراته وموهبته وقدم نشيدا من أجمل الأناشيد الجزائرية، وما زال حتى يومنا هو النشيد القومي الجزائري.

كان لانقلاب يوليو 1952 ردة فعل عكسية على محمد فوزي الذي كان يؤيد الرئيس محمد نجيب

 

ثورة الاشتراكية.. طوفان التمصير يغرق مصنع الشرق

في يوليو من عام 1961 صدرت قرارات يوليو/تموز الاشتراكية أو ما يعرف بقرار التأميم للشركات المصرية والأجنبية في مصر، وكان من ضمن تلك الشركات “مصر فون” أو مصنع الشرق للأسطوانات التي يمتلكها فوزي، وقد كانت الشراكة مع فيليبس النقطة التي نفذت منها قرارات التأميم، وأُخذت الشركة من محمد فوزي.

يقول أحمد السماحي: إن التأميم كان السبب في انهيار فوزي فبعدما كان صاحب الشركة وعمودها الفقري وهي كل حياته، بدأ عمله فيها يتقلص، حتى جاءها في أحد الأيام وجد على بابها أحد الأشخاص يقول له سنعطيك مرتبا شهريا مئة جنيه، وسيكون لك فيها مكتب وستكون رئيس الشركة، لكنه وجد مكتبه الخاص في الحجرة التي كانت بوفيه للشاي والقهوة.

وبحسب ما ذكرت زوجته كريمة لأحمد السماحي، فإن فوزي حين عاد إلى البيت في ذلك اليوم كان غاضبا ومحبطا وحزينا، ولكن بسبب طبيعته فلم يبح بما ألم به وكتم كل ذلك بداخله.

رجال يوليو.. عاصفة الانتقام من مريدي محمد نجيب

في السادس من يناير عام 1964 شكلت أول إدارة لشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات ولم يكن فوزي عضوا فيها، رغم أنه الرئيس ويمتلك ٥٠% من أسهمها، وأدرك فوزي وقتها أن حقه في الشركة ذهب أدراج الرياح، وأن المسألة مسألة وقت فقط.

وفي الرابع من فبراير/شباط من نفس العام، أبرم عقد جديد مع أم كلثوم دون علم فوزي، ثم أجبر على الخروج من الشركة وجرى تأميمها بشهادة مديحة يسري، وأخذوا منه مكتبه في قصر النيل وقصره في المنصورة في الهرم.

يقول الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر: لم تكن هناك مشاكل بين فوزي ورجال يوليو، فقد غنى للثورة وللوطن.

ويعتبر محمد الروبي أن القول إن عبد الناصر قرر تأميم شركة محمد فوزي كعقوبة له ليس صحيحا وليس له أساس، لأن فوزي لم يعاد الثورة ولا ناصر، وعندما فقد نجيب الزعامة ظل فوزي مواليا للثورة والمشروع القومي، والدولة هي التي أخذت موقفا من فوزي.

 

لحن النهاية.. رحلة مع المرض إلى العواصم الكبرى

قرر عبد الناصر أن تدفع الدول نصف تكاليف العلاج لمحمد فوزي الذي بدوره قدم الشكر للرئيس على هذا الموقف، فقد أصيب فوزي بمرض نادر وغادر إلى لندن بصحبة زوجته كريمة وقضى هناك شهرين، وبعدها عاد إلى مصر، ثم تراجعت حالته وعاود السفر، لكن هذه المرة إلى ألمانيا وفي المستشفى أعلن الأطباء استحالة شفاءه وسمي المرض على اسم محمد فوزي.

بعدها سافر الولايات المتحدة للعلاج وعاد إلى مصر بعد أن تراجعت حالته الصحية كثيرا، وتوفي في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين أول عام 1966 عن عمر ناهز 48 عاما.

ورغم حياته الفنية القصيرة فإنها كانت تضج طربا وفنا، وقدم خلالها ما يقرب 400 أغنية، وقرر فيها أن يكون فنانا فوق العادة، فقد كان نجما ساطعا يشع فرحا ويصنع البهجة.