الحافظ خليل إسماعيل.. بستان الأنغام العراقية

 

حبيب مايابى

اشتهر في ربوع العالم الإسلامي بصوته الشجن، ونال لقب “الحافظ” في بغداد، ورتل القرآن في المقامات العراقية ذات المسالك الصعبة.

أصيب في طفولته بعمى البصر، ولكن ذلك لم يمنعه من حفظ القرآن في قلبه “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعم القلوب التي في الصدور”.

الحافظ خليل إسماعيل من أكثر القراء العراقيين تأثيرا، فقد كان يجوّد الذكر الحكيم بصوت يصور المعاني فيتأثر به السامعون.

وضمن سلسلة “أصوات من السماء” التي تبثها في رمضان الجاري خصصت الجزيرة الوثائقية حلقة عن المقرئ العراقي تروي تفاصيل مسيرته العلمية وكيف أصبح صوته رمزا لبلاد الرافدين.

بين نجوع القرى في جانب الكرخ من مدينة بغداد، ولعائلة مسلمة عربية معروفة بالورع والصلاح ولد الحافظ خليل إسماعيل عام 1920.

بدأت طفولته مع القرآن الكريم، وبدت على مُحَيّاه أمارات الذكاء والنبوغ فأصابه شر العيون حتى عميت عيناه، كما تعتقد عائلته.

 

في صحبة المشايخ

حفظ القرآن الكريم قبل أن يتجاوز الـ12 من عمره، وأتقن علم القراءة وفنون التجويد على إمام الجامع السويدي الملاّ محمد ذويب.

لازم الشيخ نجم الدين الواعظ في مدرسته الدينية ونهل من معين علمه وتأثر بحلقاته الوعظية، وترك ذلك أثرا كبيرا في حياته التي تميزت بالزهد والتقوى.

تخرج من مدرسة شيخه الواعظ متفننا في القراءات وملما بالفقه والأصول والتفسير. وقبل أن يبلغ العشرين من العمر عُين شيخا لجامع السراي العتيق الذي شيده الخليفة أحمد الناصر لدين الله في ناحية الرصافة قبل 800 عام.

بدأ الحافظ يتنقل بين مساجد بغداد مرتلا ومعلما. ومن بين جمع كبير من القراء وقع عليه الاختيار ليكون مرتلا في دار الإذاعة العراقية، وكانت أول تلاوة له عبر البث المباشر بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 1941.

وفي 1942 وجه مدير الأوقاف العراقية نشأت السنوي دعوة لحملة القرآن للمشاركة في مسابقة لقب “الحافظ” التي تعني عند العراقيين المتفنن في القرآن وعلومه.

 

التتويج والصيت

شارك خليل إسماعيل في المنافسة وحاز قصب السبق فيها فلُقّب بالحافظ، وذاع صيته في العراق وخارجه.

كان الحافظ خليل يقول إنه عندما يريد التلاوة يستحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم “زينوا القرآن بأصواتكم”.

ذلك ما جعله يقرأ في جميع المقامات، حيث لم يترك مسلكا لتحسين الصوت إلا وطرقه، حتى إنه رتل في مقام الزنكران الذي يعتبر من المقامات العراقية الصعبة.

وقد تميز أداؤه بالشجن الذي يعتبر من أهم مميزات القراءة البغدادية لأنه مدعاة للسكينة والهدوء.

وعلى وقع هذا الشجن خرج صوت الحافظ تاليا لكتاب الله، جامعا بين أنواع مقام الرست والزنكران فشنَّف الآذان وأسر القلوب، فلقبه الناس بـ”بستان الأنغام العراقية”.

قرأ للمسلمين في الحرم النبوي والمسجد الأقصى وفي العديد من مدائن العالم الإسلامي.

وبعد عمر حافل بالْهَدْي القرآني ودع دار الفناء بتاريخ 5 يوليو/تموز 2000 فبكته المآذن والمحاريب وحلقات الذكر وخلده الذكر الحكيم بين الأجيال.