أحمد ياسين.. شيخ فلسطين ومجدد العمل المقاوم فيها

على أجنحة الشوق وفي غلالة الفجر البهيج، رحل تاركا بقايا من كرسيه المتحرك تروي قصة الشيخ القعيد الذي أحيا روح الحماس في شعب لم تخمد فيه روح الثورة منذ أن تفجرت كدمائه المخضبة بروح الزيتون وظلال الأقصى وتعاويذ الساجدين في رحاب القدس الشريف.

إنه أحمد ياسين، ابن عسقلان، ابن القدس، ابن المدائن الفلسطينية وشيخ المقاومة في أكناف بيت المقدس.

على كرسيه المتحرك، كانت تندفع أمواج عاصفة من قوة الجهاد والبذل والتضحية، ومن صوته الضعيف المبحوح انطلقت راجمات القوى التي دكت في قلوب المحتلين حصونا كثيرة أقاموها على وهج القوة التي لا تُقهر وأحلام السلام الموهوم.

الشيخ أحمد ياسين،، المقعد الذي أحيا الأمة

لم تكن القامة فارعة مثل كثير من حملة السلاح وأصحاب المغازي، ولم يكن الصوت هادرا كأصوات المجاهدين وبقية أسود فلسطين، ولم تسعف القدمان الشيخ الشهيد بحركة سريعة، لكنه رغم ذلك نقل خُطا فلسطين من التعثر والارتباك إلى السير صعدا نحو مراقي العزة والشموخ.

إنه ابن الزيتون المغموس في دماء الشهداء، والمرفرف كأوراق المصاحف في شرايين أرض الإسراء والمعراج، وهو في النهاية والبداية شيخ حركة المقاومة الإسلامية حماس التي كتبت منذ تأسيسها سطرا لا يمحى في تاريخ القضية الفلسطينية.

يعتبره الكثيرون -معتمدين على شواهد الحياة وترانيم الموت- المؤسس الثاني للمقاومة الفلسطينية بعد شيخها الأول عز الدين القسام.

في مستهل حياته وهو يخوض بحر السنين في ربيعه السادس عشر تعرض أحمد ياسين لكسر في العنق، أعاق مسار حياته، بل قُل حولها إلى سياق آخر، واختصر عليه كثيرا من مسارات الحياة، بعد أن وجهها إلى هدف أساسي وهو كسر عنق الاحتلال.

ومع التقدم في السن وفي المهمة؛ ذوت فقرات كثيرة وأطراف متعددة من الجسد الإسرائيلي، كما ذوت أسس ودعائم من الهيكل المزعوم أمام تصميم رجل يملك هيكلا ضعيفا، وقوة عزم ضاربة في أعماق القيم والتاريخ وآفاق الجد والتصميم.

يتيم عسقلان في دروب المقاومة

في عمق التاريخ الإسلامي تحتل عسقلان مكانا سَمِيًّا في الذاكرة الثقافية والجهادية للمسلمين، فمن عسقلان خرجت أفواج عديدة من العلماء ومنها حَمل ألويةَ المقاومة وراياتها عدد كبير من القادة والفرسان الذين تصدوا للحملات الصليبية.

وتحت صفصاف عسقلان وبين مروج زيتونها التقط أحمد إسماعيل ياسين أولى صور الحياة وأبصر نورها في يونيو/حزيران 1936، في قرية تاريخية عريقة تسمى جورة عسقلان، وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد حينها داخل الأراضي الفلسطينية.

كانت الحياة يومها غارقة في أعماق المأساة، زيتون عسقلان يكابد الأغلال التي بدأ طلائع المحتلين يقطعون بها أعماق فلسطين وشرايين قراها وأقضيتها وحواريها المضخمة بزيت المسيح ووهج العمائم وترانيم العبّاد.

المحاريب في عسقلان كانت فواحة بأريج الجهاد والذكر، فعسقلان ككل فلسطين كانت قطعة أثرية وزهرة من زهرات المدائن تتوضأ كل صباح بنسيم التاريخ، وتحكي شواهقها وشرفات بيوتها قصص التاريخ الذي يقفز من كل بيت ومن تحت كل حجر، وينمو مع كل غصن زيتون وفي نسغ كل شجرة صفصاف.

خرج أحمد ياسين إلى الحياة والدنيا في فلسطين ثورة ونضال وحراك شعبي، سلاحه العزيمة والإصرار بعد أن منعت الدول العربية القليلة والضعيفة يومها تسليح الفلسطينيين، وتركتهم عزلا في مواجهة عصابات الاحتلال.

من الماء إلى الماء اشتعلت ثورة الكرامة سنة 1936 ليرضع أحمد ياسين حليب الثورة، شهدا صافيا وليردد للأم الفلسطينية النجيبة:

لا تَعذِلي لولا حليبُك في دمي … ما شرّف القيدُ الملوث معصمي

ابن الثورة، شق طريق الحياة في سير حثيث في دروب متعشبة أفضت به إلى طريق واحد وهو طريق المقاومة من أجل تحرير فلسطين.

عرف ياسين اليتم صغيرا في ربيعه الخامس عندما رحل والده. وككل الأيتام، لا شك في أن ياسين تلقى آلاف التعاويذ والترانيم والتسليات عن والده تمجيدا وتكريما وتأكيدا أنه ترقى إلى علالي الجنان.

ولا شك في أن حديثا طويلا تردد في أذن الفتى عن الأرض المسلوبة، عن المقاومة والشهادة، عن الجنة الموعودة، وربما ردد مع رفاقه وهم يجولون بين رياض الزيتون:

يا حبذا الجنة واقترابها … طيبة وبارد شرابها

كانت تلك الترانيم ترسم أمام الشيخ وأجياله أفقا أوسع وأنصع من الحياة تحت ظل الاحتلال الغاشم، المقطِّع لأرحام الأرض وأحلام الطفولة.

تُرى كم من زهرة يانعة، بل كم من حبة زيتون وكم روح بريئة شهد أحمد ياسين على سحقها تحت أقدام وجرافات الاحتلال.. فكان صوت الرفض وذاكرة الأرض ويد التخطيط والسعي لكسر عنق الاحتلال؟!

صدمة النكبة وألم الخيانة

في سنته الثانية عشرة كانت أحلام وآمال الطفل قد شبت عن الطوق، وأصبحت كأحلام أشداء الرجال، وجاءت نكبة 1948 لتتوج العقد الأول من عمر ياسين بأكاليل الألم وعناقيد الغضب اللاهب.

أجبرت النكبة سكان عسقلان وابن الجورة أحمد ياسين على اللجوء إلى غزة، وقطعت دراسته التي استمرت سنوات تحت ظل المقاومة الباسلة.

وفي غزة عانى كغيره من آلاف الأطفال والأسر مرارة الحرمان وألم الجوع والفقر، كان يلجأ مثل رفاقه إلى معسكرات الجيش المصري المرابط في غزة، لينالوا بعض ما يقتاتون به مما يبقى من قوت الجنود.. ولأن الجيوش العربية قررت منح فلسطين الفتات من قوتها، ولم يكن كافيا لإنقاذها، فلم يكن أيضا الفتات الباقي من أقوات الجنود كافيا لإنقاذ الجياع في غزة.

صورة مع الشيخ أحمد ياسين لبعض أطفال غزة الذين أصبحوا من قادة حماس وشهدائها

لقد وضعت الحياة ياسين أمام مسؤوليته كمراهق في بيت من سبعة إخوة، وكرجل يريد أن يحقق لفلسطين ما تصبو إليه منائرها الشامخة وأديرتها المثقلة بآلام المسيح، فانطلق عاملا صغيرا في مطعم للفول في غزة، وكان يجني قليلا من المال ليعيل أسرة كبيرة، وعاد إلى الدراسة من جديد وظل الحلم يتقدم ويكبر، قبل أن تقع الفاجعة.

يتحدث أحمد ياسين عن الألم، وعن الخيانة العربية التي صاحبت النكبة وقيام دولة إسرائيل: “لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هُزمت هُزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث”.

لكن كيف تتغير مجريات الأحداث؟ لقد ظل ذلك السؤال الكبير الذي يؤرق ابن عسقلان، وله صَرف حياته المقسمة بين المحاريب والسجون. لقد وضع أحمد ياسين أولى نقاط مشروعه الفكري من خلال نكبة 1948 عندما تيقن أن فلسطين لن تتحرر إلا بسواعد رجالها؛ فوضع أصبعه على الزناد، وبدأ يصنع رصاص المقاومة: طفلا.. حجرا.. ركعة.. أنشودة.. وصاروخا.

شلل يحتلّ الجسد

في 1952 تعرض أحمد ياسين لحادث خطير أثناء لعبه مع بعض رفاقه، فقد سقط على عنقه وتكسرت بعض فقرات العنق. كان الطب ضعيفا يومها والألم قويا، فتسرب الضعف والشلل إلى جسم ابن السادسة عشرة من العمر الياسيني، ورغم أن الجبيرة التي أحاطت بعنق الياسين 45 يومها لم تجلب له شفاء لكسره، فقد زادت عزيمته اتقادا، وصلابته عنفوانا وشبابا.

وإلى جانب الشلل الذي احتل جسد الشهيد أحمد ياسين، أخذت أمراض عديدة جانبا قويا من جسده وصحته؛ حيث فقد البصر في العين إثر ضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الإسرائيلية فترة سجنه، مع ضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.

أحمد ياسين المُقعد الذي دبّ روح المقاومة في الأمة

ولعل المفارقة الأكبر في حالة الشيخ ياسين أنه كان خارطة مرض وضعف تبعث الصحة والقوة في الروح الفلسطينية.. ويا للعجب!!

كما أن اعتلال بدنه لم يمنعه من مواصلة دراسته الثانوية التي أنهاها في العام الدراسي 1957/1958، ونجح في الحصول على فرصة للعمل مدرّسا رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية.

غرس أحمد ياسين في الشباب والمراهقين الذين درسهم قوة العزيمة وأن الروح المتوثبة يمكن أن تسكن أي جسد قويا كان أو موغلا في الضعف كجسد أحمد ياسين.

مصر والإخوان وفلسطين المحتلة

وفي العشرين من عمره شارك أحمد ياسين في المظاهرات الشعبية ضد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، كان الصوت الضعيف والمبحوح والجسد المشلول محمولا على أعناق الرفاق يصرخ بقوة ضد العدوان وضد الاعتداء على الأرض المصرية.

ولكن كان للأمن المصري رأي آخر، فسرعان ما لاحظت المخابرات المصرية قوة الخطابة والموهبة المؤثرة للشاب الأشل أحمد ياسين في تحريك العواطف والتأثير وإثارة حماس الأجيال، فتم اعتقاله من قبل المخابرات المصرية المسيطرة على غزة سنة 1965 ضمن حملة اعتقالات طالت معظم رموز وعناصر الإخوان المسلمين البارزة وكل من سبق اعتقاله في سنة 1954، وظل حبيس زنزانة انفرادية قرابة شهر، ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.

الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين والداعي إلى الجهاد في فلسطين لدحر المحتل

غير أن ذلك لم يفتّ في عضد الياسين ليعود مرة أخرى خطيبا وداعيا لدعم مصر ومد العون للشهداء والجرحى بعد نكسة 1967 المدوية. كان أحمد ياسين خطيب مسجد العباس يلهب الجماهير للتضامن السياسي والتبرع لصالح مصر الغارقة يومها في وحل هزيمة 1967 وفي عمق الناصرية المناوئة بقوة للصهيونية والإسلام السياسي على حد سواء.

اعتنق أحمد ياسين أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد حسن البنا عام 1928، وظل متمسكا بمبادئها وخياراتها إلى حين استشهاده، لكنه أَضفى على انتمائه الإخواني خصوصية الأرض والجرح الفلسطيني الغائر، فأخذت التجربة الفكرية عنده لون الأرض وريح الزيتون وعبق الشهادة وآمال المسجد الأقصى.

آمن ياسين بقوتين لا بد من تحقيقهما؛ قوة الرابطة التنظيمية والإيمانية لمن يسعون لتحرير فلسطين، وقوة السلاح، وكان الشيخ الشهيد يتمتع بطاقة مبهرة في القوة الأولى، وسعى بقوة ليحصل رفاقه وتلاميذه على القوة الأخرى.

البذرة الكبرى.. ولادة حماس

لم تستطع إسرائيل إخفاء غضبها تجاه أحمد ياسين، فالشيخ الأشل بدأ ينشر دائرة اللهب في قلوب وواقع الفلسطينيين، فاعتُقل سنة 1982 ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، قبل أن تفرج عنه في صفقة لتبادل الأسرى سنة 1985 بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.

وعاد الياسين مع حلمه الذي نما أكثر في زنازين الاحتلال ليقرر في 1987 مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم “حركة المقاومة الإسلامية” المعروفة اختصارا باسم “حماس”، وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك واشتهرت بـ”انتفاضة المساجد”.

حماس هي الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين

ظل الشيخ ياسين وحتى استشهاده يقوم بدور الأب الروحي والموجه الفكري للحركة التي أضافت أبعادا حاسمة على مسيرة الصراع مع الاحتلال منذ قيامها وطيلة مسارها، وكان لتصميمه وعزمه دور كبير في تعزيز البنية التنظيمية للحركة الناشئة التي وضعت بصمات قوية على انتفاضة 1987.. وحينما تساءلت الفنانة جوليا بطرس “وين الملايين.. الشعب العربي وين”.. كان لسان حال الشيخ ياسين يجيب بصوته المبحوح: لقد بدأنا الزحف.

السجن مدى الحياة

ومع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت السلطات الإسرائيلية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فقامت في أغسطس/آب 1988 بدهم منزله وتفتيشه، وهددته بالنفي إلى لبنان. ولما ازدادت عمليات قتل الجنود الإسرائيليين واغتيال العملاء الفلسطينيين اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم 18 مايو/أيار 1989 مع المئات من أعضاء حركة حماس.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

كان الياسين فخورا بتلك التهم، بل أكثر من ذلك بدأ التنظير لحتمية زوال إسرائيل في حيز زمني تقربه الأيام والدم الفلسطيني كل حين.

لم تدخر حماس جهدا في الإفراج عن مؤسسها أحمد ياسين؛ حيث عرضت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- مبادلته ومعتقلين آخرين بجندي خطفته قرب القدس يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 1992، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الإسرائيلية المهاجمة ومقتل قائد مجموعة الفدائيين.

وبعد نحو خمسة أعوام من تلك المحاولة؛ جاء الإفراج عبر البوابة الأردنية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1997، وذلك عقب محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة عمّان، وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما لإسرائيل مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.

عاد ياسين بعد الإفراج عنه إلى غزة، ليجد الإقامة الجبرية في انتظاره بعد سنوات قليلة، فقد ضاق أنصار السلام وحمائم الوفاق العربي الإسرائيلي بالصوت المبحوح للشيخ الشهيد.

نهاية رحلة.. أباتشي تقصف الجسد النحيل

بعد الإفراج عنه بسنوات معدودة؛ بدا أن إسرائيل لم تعد تتحمل وجوده رغم كبر سنه وضعف بدنه؛ وأنها قررت أخيرا التخلص منه وزفه إلى ما كان يصبو إليه طيلة حياته، لكن المحاولة الأولى التي نفذتها طائرة إسرائيلية في السادس من سبتمبر/أيلول 2003 على شقة في غزة كان يوجد فيها مع إسماعيل هنية، فشلت في أن تقضي على الشيخ، وأدت فقط إلى إصابته بجروح طفيفة في ذراعه اليمنى.

أعادت إسرائيل الكرة مرة أخرى فجر 22 مارس/آذار 2004 حيث أطلقت مروحية أباتشي إسرائيلية ثلاثة صواريخ على الجسد النحيل، وهو خارج على كرسيه المتحرك من مسجد المجمّع الإسلامي في حي الصّبرة بقطاع غزة بعد صلاة الفجر، فتركته أشلاء متناثرة؛ لتنهي بذلك رحلة ابن عسقلان في طريق المحراب كما بدأت أول مرة سنة 1936.

فجّر دم ابن عسقلان وأشلاؤه المتناثرة عاصفة غضب عربي وإسلامي ودولي واسع، بَكَته الملايين التي رأت في جسده النحيل عنوان العزيمة والتضحية، وظل صوته المبحوح يلح على أصحاب الكراسي والزعامات؛ لقد كنتُ جسدا على كرسي، وكنتم كراسيَ جاثمة على الصدر العربي.

زمن الياسين أعاد جرف نهر الدم الفلسطيني إلى مسار آخر، ووضع البصمة الإسلامية على راهن الصراع العربي والفلسطيني.

تحولت صورة الشهيد إلى علامة مسجلة للعزة والشرف وكللت صدور الملايين من أبناء العالم الحر كله، وأصبح اسم ياسين لقبا لآلاف الأطفال الذين ولدوا عام رحيله، ليكون لهم دافعا ووسم عزة وتشريف.

فجر 22 مارس/آذار 2004 أطلقت مروحية أباتشي إسرائيلية ثلاثة صواريخ على الشيخ وهو خارج من صلاة الفجر

أحمد ياسين الجسد النحيل.. هو قصة أخرى من أعظم قصص فلسطين الصابرة، واسم حفرته الآلام والنكبات بعمق في شُرفات الأقصى وقبته المقدسة.

وفي الذكرى الـ20 لاستشهاده، يفتقده الفلسطينيون كشخصية محورية جامعة، ويتذكرونه في غسق ليل الانقسام الكئيب، فيترحمون عليه: سلاما عليك أيها الياسين، سلاما ترفرفه أجنحة البراق وأكاليل المعراج.