صوفي ويحفظ القرآن.. الغزواني ابن المشيخة الذي أصبح رئيسا لموريتانيا

في الأول من شهر أغسطس/آب 2019 ولج إلى القصر الرمادي في العاصمة نواكشوط سيد جديد، محمد آخر، خلفا لمحمد بن عبد العزيز، الذي انتهت مأموريته في اليوم ذاته بعد 11 سنة من الحكم المباشر، منذ أن قفز فجرا على الحكم وأطاح بأول رئيس مدني في تاريخ موريتانيا سيد محمد بن الشيخ عبد الله المعتكف منذ أكثر من 11 سنة في منزله البدوي بين كثبان قرية “لمدن” التي ولد فيها، وعاد إليها رئيسا مخلوعا محكوما عليه بالإقامة الجبرية قبل أن يتم إخلاء سبيله ليجد في ظلال مسجد القرية مستقرا آمنا بعد رحلة مع الحكم لم تكمل السنتين.

محمد الجديد هو ابن الشيخ محمد أحمد بن الشيخ الغزواني ينتمي إلى واحدة من أكبر المشيخات الصوفية في موريتانيا، وهي الطريقة الغظفية التي هي فرع من فروع الشاذلية التي عرفت بالزهد في السلطة والمناصب والبعد عن مغريات الدنيا كما وضع أسسها أبو الحسن الشاذلي أول مرة.

أزاح الرئيس المنتخب عن عاتقيه رزمة هائلة من النياشين والأوسمة العسكرية باعتباره أرفع ضابط عسكري في تاريخ الجيش الموريتاني، وتجهز لكي يحمل على منكبيه أمانة الحكم في واحد من أشد البلدان الأفريقية فقرا وأكثرها ثراء اقتصاديا ومعادن وثروات.

يحمل ولد الشيخ الغزواني كذلك على عاتقيه ركام 63 عاما، قضى ثلثيها في رحاب المؤسسة العسكرية التي استقر فيها ضابطا سنة 1980.

أصول وانتماءات

ولد الرئيس الموريتاني المنتخب محمد بن الشيخ محمد أحمد بن الغزواني سنة 1956 في مدينة بومديد بمحافظة لعصابة في الشرق الموريتاني، وكان والده أحد الشخصيات الدينية الرفيعة التي قررت مع كثير من العلماء في تلك الفترة مسايرة المستعمر الفرنسي والخضوع له، فيما قرر آخرون الهجرة بحثا عن بلد لم يصله المستعمر الفرنسي، وهو أمر بدا متعذرا لأن معظم الخريطة الإسلامية إن لم نقل كلها كانت تحت نير الاستعمار في مطلع القرن الماضي.

وإلى جانب ذلك ينتمي الرئيس إلى قبيلة إديبسات التي يقول أبناؤها إن أصولهم تعود إلى الخزرج من الأنصار بالمدينة المنورة.

ولقبيلة الرئيس انتشار واسع في مختلف مناطق موريتانيا، وتعتبر من أكثر القبائل الموريتانية إنتاجية وممارسة للتجارة، إضافة إلى الوظيفة الدينية باعتبارها إحدى قبائل الزوايا، ينضاف إلى ذلك الشخصية المرنة الصبورة التي عرف بها أغلب أبناء القبيلة، ورغم ذلك ظل حضور قبيلة الرئيس الجديد ضعيفا جدا في أجهزة السلطة ودوائرها المختلفة.

وبحسب وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية؛ فقد حفظ ولد الشيخ الغزواني القرآن الكريم وهو في السنة الخامسة من المدرسة الابتدائية، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، انخرط في القوات المسلحة.

ترقى ولد الشيخ محمد أحمد في مختلف المناصب العسكرية من ضابط بسيط إلى قائد سرية مشاة، ثم مدرب فريق إلى قائد مساعد لوحدة عسكرية في مناطق مختلفة من موريتانيا.

كما حظي بتدريبات متعددة في العلوم والخبرات العسكرية في الأردن والعراق والسعودية، قبل أن يتولى رئاسة مكتب الاستخبارات بالجيش الموريتاني.

وفي بداية الثمانينيات تلاقت ثقافة الشاب محمد بن الشيخ محمد أحمد بن الغزواني مع طموحات وأدبيات التيار القومي وخصوصا التيار البعثي الذي يُعرف بأن الرئيس الجديد انتمى إليه في بداية الثمانينيات وهي الفترة التي ركز فيها البعثيون على اختراق المؤسسة العسكرية في موريتانيا.

ثاني اثنين في الجيش والسلطة

في العام 2005، كان الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني من أبرز الضباط الذين قادوا الانقلاب العسكري على الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع الذي قاد موريتانيا بقوة وصرامة طيلة عشرين سنة.

كان القائد الفعلي للانقلاب الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز، لكنه رُفْقة صديقه محمد ولد الغزواني جلسا في الظل، كما يقولان دائما، وقدما للعالم رجلين آخرين هما: الرئيس الأسبق الراحل إعل ولد محمد فال رئيسا للدولة، والمرشح الرئاسي الخاسر في الانتخابات  سيد محمد ولد ببكر وزيرا أول ضمن فترة انتقالية أشاد بها العالم وكانت مفارقة في التاريخ السياسي للعسكر العربي.. حمل على أثرها ولد محمد فال لقب سوار الذهب الموريتاني.

الرئيس الموريتاني المنتخب محمد بن الشيخ محمد أحمد بن الغزواني ولد سنة 1956 في مدينة بومديد

وسرعان ما انقضى الفاصل المدني في حكم موريتانيا وعاد الرجلان الجالسان في الظل (محمد ولد عبد العزيز، وصديقه محمد ولد الغزواني) إلى البروز إلى أضواء السلطة وبهرجتها وهيلمانها، بالانقضاض عليها من جديد، وإزاحة ولد الشيخ عبد الله والرمي بالتجربة الديمقراطية الوليدة في سلة المهملات.

تولى ولد الغزواني قيادة الجيش بعد أن حصل على ترفيع استثنائي إلى رتبة جنرال (لواء)، وطيلة عشر سنوات مستمرة، استطاع الرجل نقل الجيش الموريتاني من وحدات عسكرية ضعيفة العدد والعدة إلى مؤسسة قوية ذات إمكانات معتبرة بالمقارنة مع نظيراتها في المنطقة وسياقاتها المحلية والإقليمية.

وكثيرا ما تباهى المقربون من الرجل بأنه وخلال قيادته للمؤسسة العسكرية تمكن الجيش والأمن الموريتاني من إبعاد شبح الإرهاب الذي ضرب العاصمة نواكشوط أكثر من مرة، وأصبح للجيش مؤسسات تعليمية توصف بالرائدة تستقطب النخبة الطلابية من التعليم العام إلى أحضان الجيش، كما طور الجيش قدراته وتحول مع الزمن إلى جيوش ثلاثة يترأسها الفريق محمد ولد الغزواني.

فيما يقول آخرون إنه مع التطور العسكري في الإمكانات والقدرات؛ ازداد تغول الجيش وتمدده ليُحكم القبضة على أهم مفاصل الحياة السياسية -وربما الاقتصادية- في البلاد.

صديق الرئيس

يصف الرئيس المنصرف خلفه بأنه استمرار للنهج، ويقول الرئيس الجديد إنه سيكون وفيا لصديقه لكنه ليس هو، ويقول مقربون منه إنه لن يكون نسخة من سلفه رغم العلاقة التي نسجتها السنون بين الرجلين.

وفاء الرئيس محمد ولد الغزواني لصديقه محمد ولد عبد العزيز تجلى خلال أزمة “الرصاصة الصديقة” (أو “رصاصة الصديقة” حسب وصف البعض) التي أصابت الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وكادت تودي بحياته في نهاية 2012، حيث تولى ولد الغزواني الحكم عمليا، رغم أن رئيس مجلس الشيوخ قد تولاه دستوريا.

وبعد رحلة علاج مضنية في العاصمة الفرنسية باريس عاد الرئيس ولد عبد العزيز واستلم أمانة الحكم من صديقه الغزواني كاملة دون رتوش.

ملفات وتحديات

هنالك ملفات كثيرة تولاها الرئيس الجديد، منها الأزمة التعليمية الحادة التي يعكسها -من بين أمور أخرى- التراجع المستمر وعلى مدى سنوات في نسب النجاح في امتحانات الثانوية العامة بموريتانيا.

يصرخ التعليم المنهار في وجه الرئيس الذي أسس تعليما جيدا لصالح المؤسسة العسكرية، بعيدا عن نظيره على المستوى الوطني.

ومن بين أبرز الملفات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشارع الموريتاني جراء غلاء الأسعار وتدني الأجور وارتفاع نسبة البطالة.

وزيادة على ذلك يتساءل الشارع عن الأظافر الاقتصادية التي غرسها الرئيس المنصرف محمد ولد عبد العزيز في كل مفاصل الحكم والاقتصاد مع استمرار الحديث عن سيطرة أسرة ولد عبد العزيز وأصدقائه على كل منافذ الاقتصاد الموريتاني وتجييره لصالحهم.

صحيح أن الرئيس سيكون وفيا لسلفه كما صرح أكثر مرة، ولكن هل سيواصل الشراكة مع الأسرة الحاكمة السابقة.

بين يدي الرئيس الجديد أزمة الشرخ السياسي مع المعارضة، وحالة التصلب الشديد التي كان الرئيس ولد عبد العزيز يعامل بها خصومه السياسيين مصرحا أكثر من مرة بأنه لا توافق ولا حوار.

أزمة الوحدة الوطنية التي أخذت جزءا كبيرا من برنامج الرئيس الجديد سوف تواجهه بشكل واضح وصارخ خصوصا مع حلول المرشح المنحدر من طبقة الأرقاء السابقين (لحراطين) بيرام ولد إعبيدي ثانيا بنحو %18. من الأصوات.

ومع وصول الرئيس  محمد بن الشيخ الغزواني إلى السلطة عززت قوى دولية متعددة علاقاتها مع الرجل، كما أن دولا وأطرافا أخرى انتظرت وصوله إلى السلطة لتسوية ملفات عالقة بينها وبين نواكشوط، أو تأمين استثمارات جديدة.

محمد بن الغزواني رئيس جديد لموريتانيا وهو التاسع في مسيرتها السياسية المعاصرة التي انطلقت مع الرئيس المؤسس المختار ولد داداه نهاية 1690، وهو أول رئيس قادم من المؤسسة العسكرية يصل الحكم في موريتانيا عبر صناديق الاقتراع للمرة الأولى، فهل هي بداية حكم ومرحلة جديدة متميزة ومتمايزة عما سبقها، أم سيكون مجرد نوتة في المعزوفة العسكرية التي يترنح جراءها الموريتانيون منذ أربعة عقود؟