أبو حنيفة النعمان.. أبو المذاهب وشيخ أهل الرأي وصانع الثورة

أمين حبلّا

في العشرين الأخيرة من المئة الأولى للهجرة، وبينما كان العراق يعيد تشكيل ذاته من جديد بمدائن وقرى وشعوب؛ دخلت الإسلام وانصهرت في الثقافة العربية الإسلامية، ولد لأسرة ثابت بن النعمان الكوفي طفل سموه النعمان، ثم لقب بعد ذلك أبا حنيفة.

كان المؤرخون وما زالوا على خلاف في أصل هذه الأسرة التي استقرت في العراق، فمن قائل إنها أسرة فارسية، ومن منقب حول جذور التاريخ، ليعيدها إلى أنباط العراق العرب الأصلاء. وكما اختلفوا في أصله أعربي أم فارسي، فقد اختلفوا أيضا في أصل تسميته أبا حنيفة، فمنهم من ذهب إلى أن له بنتا اسمها حنيفة، ومنها تسرب لقبه الذي اشتهر به، ورأى آخرون أن الحنيفة هي الدواة التي لم تكن تفارقه أيام طلبه للعلم.

 

وقد كان هذا الطفل ملتقى ثقافات متعددة، ومنتدى شعوب وأواصر وعلاقات وحضارات، تجمعت في هوية الإسلام الجامعة، والوطن العراقي ذي الفسيفساء الحضارية والبشرية المتعددة الألوان والألسن والتاريخ والمنازع والآفاق.

كانت شَفَتا الزمان تفترّان عن ميلاد عالم العراق وأول شيوخ التمذهب في الإسلام، وإمام أهل الرأي والتأويل الذي لم يكتفِ بالتعمق الشديد في الفقه ومعارف الوحيين، بل زاد على ذلك بشخصية علمية قوية، ونظر فقهي سديد، ورأي تحليلي عميق.

ابن الكوفة.. طفولة الإمام الذي قاد مسيرة التمذهب

في مدينة الكوفة ذات الهوى العلوي الأصيل ولد الإمام أبو حنيفة، ولم تكن الكوفة يومها مجرد مدينة تغفو على أحلامها في منتصف عمر الدولة الأموية، بل كانت محضنا لنزعات دينية وفكرية متعددة.

مسجد أبي حنيفة النعمان بمدينة الكوفة بالعراق

 

وإذ كانت الكوفة محضنا أساسيا من محاضن الولاء الفكري لآل البيت النبوي، وذات تاريخ عميق في معارضة الدولة الأموية وحكامها، فقد كانت أيضا طرة كتاب تاريخي مفعم بالأحداث والأعلام والأسماء الباهرة، فهي مستقر كثير من الصحابة، والتابعين، ومنطلق عشرات الجيوش الإسلامية التي ضربت في تخوم الأرض نشرا للدين الحنيف، كما كانت أيضا ملتقى لثقافات وشعوب متعددة.

كان ثابت بن النعمان بن زوطي تاجرا من أصول فارسية، وقد ورث منه ابنه أبو حنيفة هذه المهنة، لكنه لم يكتفِ بها، فلم يجعلها تخصصا ولا قيد حياة، بل توجه تلقاء الحلقات، ولقي بعض الصحابة الذين أقاموا بالكوفة مثل الصحابي الجليل الكثير الرواية عن النبي ﷺ أنس بن مالك.

ومما يؤثر في كتب التاريخ أن ثابتا هذا ولد على الإسلام، وأنه لقي عليا بن أبي طالب الذي دعا له بالبركة في النفس والمال والولد، وقد كان الأمر كذلك.

“أرى فيك يقظة وحركة”.. حوار الصبا مع الإمام الشعبي

لم تخفَ مخاييل النجابة في تقاسيم أبي حنيفة وهو فتى يافع يختلف إلى متجر والده، ويروى أن  سمته وذكاءه المتوقد قد استثارا الإمام عامر بن شراحيل الشعبي، فاستوقفه وحاوره وهو حينئذ في ميعة الصبا، ويروي أبو حنيفة هذا الحوار قائلا: فقال لي: إلى من تختلف؟ فقلت: أختلف إلى السوق. فقال: لم أعن الاختلاف إلى السوق، عنيت الاختلاف إلى العلماء. فقلت له: أنا قليل الاختلاف إليهم. فقال لي: لا تغفل، وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء، فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال: فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف إلى السوق، وأخذت في العلم، فنفعني الله بقوله.

كان الإمام الشعبي يرى في أبي حنيفة نبوغا وذكاء وفطنة

 

وقد راكم أبو حنيفة فقها متنورا جمع بين مسارين تكاملا في شخصيته، أولهما مسار الأخذ والحفظ، من خلال الآثار والقرائن والنصوص والإفتاءات التي أخذها عن علماء العراق، أما المسار الثاني فهو السبر والتقسيم والتنقيح، واستعمال العقل والتأويل في التعاطي مع هذه النصوص، وكان هذا المنهج لافتا للنظر مثيرا للجدل، في عهد ما زال التقليد والتقيد بالأثر أبرز سماته.

“هم رجال ونحن رجال”.. طريق الرأي يجتذب الأجيال الجديدة

ومن بين علماء الكوفة وحلقاتها ونقاشاتها العلمية، غرس أبو حنيفة أساس نظره الفقهي، ثم ألقى دفاتر التلقي بين يدي شيخه حماد بن أبي سليمان، فلزمه لزوم الظل، ولم يكتف بأن يأخذ عنه المعرفة مجردة، بل كان منه بمنزلة المريد من شيخه والراهب أمام قديسه، وظل صوت حماد يلهج في تاريخ أبي حنيفة، يثني عليه في المجالس ويدعو له قبل والديه في الغيبة والشهود، بل إن أبا حنيفة تجاوز ذلك فسمى بكره الأول حماد، وجاء حماد بن أبي حنيفة وسمى بكره باسم إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان.

وحماد هذا قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء إنه “كان أحد العلماء الأذكياء، والكرام الأسخياء، له ثروة وحشمة وتجمل”، ووصفه بأنه “أنبل أصحابه وأفقههم وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي”.

ولما لبى حماد نداء ربه للرحيل سنة 120، ألقى تلاميذه همّ العلم بين يدي أبي حنيفة، فجلس على كرسي شيخه وبدأ التدريس والإفتاء، وتدفق أبناء العراق والكوفتين إلى الشيخ الجديد، فقد وجدوا في حديثه عقلا كبيرا وعمقا في الأثر، وقدرة على الإبانة والإقناع بأسلوب جديد لم يعهدوه من الفقهاء من قبل.

ولعل من أبرز ما لفت انتباه هذه الأجيال الجديدة من الطلاب والفقهاء أن شيخهم أبا حنيفة لم يكن يسلم بكل ما نقل إليه من فقه التابعين، بل كان يأخذ من الأصلين بوضوح وحسب فهمه، أما الآخرون “فهم رجال ونحن رجال”.

شاطئ الفقه.. مرسى سفينة الإمام المتبحر في الفنون

كان درس أبي حنيفة مظهرا للموسوعية التي تميز بها، رغم أنه اختار عن قصد وتمعن أن يسلك سبيل الفقه، وأن يترك ما سواه من الفنون الأخرى التي حذقها حذقا تاما، لكن همته العالية وسعيه إلى أن يكون أحد نجوم الإسلام وأقمار التاريخ جعل الفقه همه الأعلى كما يروى ذلك غير واحد من تلاميذه بروايات مختلفة.

كان الإمام أبو حنيفة النعمان تاجرا غنيا ينفق على طلاب العلم ويتاجر في السوق بأمانة وصدق

 

فمن ما نقل عن تلميذه القاضي أبي يوسف، قوله إن أبا حنيفة سُئل: كيف وُفقت إلى الفقه؟ فقال: أخبرك، أما التوفيق فكان من الله، وله الحمد كما هو أهله ومستحقه، إني لما أردت تعلم العلم جعلت العلوم كلها نصب عيني، فقرأت فناً فناً منها، وتفكرت عاقبته وموضع نفعه، فقلت آخذ في الكلام، ثم نظرت، فإذا عاقبته عاقبة سوء ونفعه قليل، وإذا كمل الإنسان فيه لا يستطيع أن يتكلم جهاراً إلا ورمي بكل سوء ويقال صاحب هوى، ثم تتبعت أمر الأدب والنحو، فإذا عاقبة أمره أن أجلس مع صبي أعلمه النحو والأدب، ثم تتبعت أمر الشعر، فوجدت عاقبة أمره المدح والهجاء، وقول الكذب وتمزيق الدين، ثم تفكرت في أمر القراءات، فقلت: إذا بلغت الغاية منه اجتمع إلي أحداث يقرؤون علي، والكلام في القرآن ومعانيه صعب، فقلت: أطلب الحديث، فقلت: إذا جمعت منه الكثير أحتاج إلى عمر طويل حتى يُحتاج إلي، وإذا احتيج إلي لا يجتمع إلا الأحداث، ولعلهم يرمونني بالكذب وسوء الحفظ فيلزمني ذلك إلى يوم الدين، ثم قلبت الفقه، فكلما قلبته وأدرته لم يزدد إلا جلالة، ولم أجد فيه عيبا، ورأيت الجلوس مع العلماء والفقهاء والمشايخ والبصراء والتخلق بأخلاقهم، ورأيت أنه لا يستقيم أداء الفرائض وإقامة الدين والتعبد إلا بمعرفته، وطلب الدنيا والآخرة إلا به، ومن أراد أن يطلب به الدنيا طلب به أمرا جسيما، وصار إلى رفعة منها، ومن أراد العبادة والتخلي لم يستطع أحد أن يقول: تعبد بغير علم، وقيل إنه فقه وعمل بعلم.

وهذه إحدى الروايات عن سبب اختياره للفقه، وهناك روايتان أخريان تفيدان بأنه تفنن أولا في علم الكلام، ثم عدل عنه إلى الفقه، كما يشير إلى ذلك الإمام محمد أبو زهرة في كتابه “أبو حنيفة حياته وعصره – آراؤه الفقهية”.

وكما قصد أبو حنيفة الكرسي الذي رأى أنه سيرفعه إلى مصاف العظماء، فقد قصد أيضا منهجية البحث والرأي والاستدلال، وحدد بصرامة منهجية من هو وماذا يريد، إذ ينسب إليه قوله: آخذ بكتاب الله تعالى، فإن لم أجد فبسنة رسول الله ﷺ، فإن لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب -وعدَّد رجالا- فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا.

بناء بغداد.. إشراف على ميلاد العاصمة العظمى

عرف عن الإمام أبي حنيفة الثراء الواسع والإنفاق على طلابه وجيرانه وفقراء الكوفة وبغداد، فقد كانت أسرته من أهل السعة واليسار والرخاء، فورث عن والده التجارة وتوسعت في عهده، وكان حريصا على أن يكون كسبه حلالا، فكاد يرفض المغالاة في مدح بضائعه، أو الترفيع من شأنها كما يفعل كثير من التجار في عمليات التسويق لبضائعهم.

مدينة بغداد المدورة التي أنشأها أبو جعفر المنصور واستشار في بنائها الإمام أبا حنيفة

 

ونتيجة لأمانته وقوته وخبرته في العراق فقد اختاره العباسيون ليكون أحد المشرفين على بناء المدينة الجديدة بغداد، واستمر في ذلك الإشراف أربع سنوات من عمر علاقته المتموجة بحكام بني العباس، وقد عرفت بغداد أبا حنيفة حق المعرفة، ففيها توفي وووري الثرى، وحوله أقيمت محلة الأعظمية نسبة إلى الجامع المقام إزاء ضريحه، وما زال أبو حنيفة أحد أعلام بغداد الكبار، ينتمي إلى مذهبه علماؤها عبر القرون، ويدور حول ضريحه تاريخ مفعم بالجلال والجمال.

مذهب الإمام الأعظم.. رحلة الرأي العابر للقرون والأمصار

ارتبط بأبي حنيفة مذهب يتبعه مئات ملايين من المسلمين في أنحاء العالم، وخصوصا في المشرق العربي وشرق آسيا، كما تتبعه ملايين من أبناء الجاليات المسلمة في الغرب.

وقد انتشر هذا المذهب الحنفي عبر الكتب المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة، ومنها كتاب الفقه الأكبر والأوسط، لكنه انتشر أكثر عبر تلاميذه الذين تفرقوا في الأمصار، ونشروا علمه في الآفاق، ومن هؤلاء على سبيل المثال الصاحبان القاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وقد حدَّث عن الإمام أبي حنيفة خلقٌ كثير منهم صاحباه: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، ومحمد بن الحسن الشيباني، وأبو الهذيل زفر بن الهذيل، وهؤلاء من الرعيل الأول من أجلاء تلاميذه.

كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة النعمان، وفيه فقه المذهب الحنفي

 

وإذا كان الإمام أبو حنيفة قد توفي شهيد العسف والظلم والموقف المعارض للسلطة، فإن المذهب الحنفي قد نال جزءا كبيرا من انتشاره وقوته، من خلال التحالف الكبير بين الأحناف والأمراء العباسيين، وكانت البداية مع اختيار هارون الرشيد أبا يوسف تلميذ أبي حنيفة قاضيا لبغداد، لتنطلق بذلك سُنة تولي الحنفية للقضاء، وهي السنة التي استمرت ولم تخرق إلا في منتصف القرن الرابع الهجري، حينما ولى الخليفة المقتدر فقيها شافعيا قضاء بغداد، فهاج أتباع المذهبين، وكاد الاقتتال أن يقع بينهما، بعد أن شاع أن السلطان نقل القضاء عن الحنفية إلى الشافعية.

ويؤكد هذا التحالف غير المكتوب الإمام ابن حزم الظاهري، إذ يقول إن المذهب الحنفي والمالكي انتشرا في العراق والمغرب بفعل الرياسة والسلطان.

وأتباع المذهب الحنفي اليوم منتشرون في مصر والعراق والشام، وفي تركيا وفي الهند وباكستان والصين، بل قد لا يوجد لهم منازع في شرق آسيا.

ثورة زيد بن علي.. قمع ونضال وهجرة في دولة محتضرة

لم يكن أبو حنيفة إماما منعزلا عن الشأن السياسي في عهده، بل كان قائدا فكريا أو شريكا على الأقل في حركات معارضة متعددة، وخصوصا تلك التي قادها رجال من آل البيت الشريف من أحفاد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وخلال العقد الأخير من عمر الدولة الأموية، كان الإمام أبو حنيفة مؤيدا لثورة الإمام زيد بن علي (المعروف بزين العابدين) بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقد ناصرها عدد كبير من علماء العراق كان من أهمهم يومها الإمام أبو حنيفة الذي وجد نفسه مرغما -بفعل القمع الوحشي- إلى مغادرة العراق والتوجه تلقاء البيت الحرام.

رحل أبو حنيفة النعمان فارا من الكوفة إلى مكة المكرمة بعد مقتل الإمام زيد بن علي

 

وقد كان لأبي حنيفة -كما يروى عنه- دور مهم في الدعم المالي لثورة زيد بن علي، بل إن بعض المصادر تنسب إليه أنه قال: إن زيدا إمام عدل، وإن خروجه يشبه خروج رسول الله ﷺ يوم بدر.

وقد أشار الإمام أبو بكر الجصّاص الحنفي في تفسيره “أحكام القرآن” إلى دعم أبي حنيفة لثورة زيد بن علي الهاشمي قائلا: وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمْله المال إليه وفتياه الناس سرًّا في وجوب نصرته والقتال معه، وكان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة وأئمة الجور.

وقد كانت تلك الثوة قوية، لكنها انهارت أخيرا، وصلب والي العراق يوسف بن عمر الثقفي جسد الإمام زيد بن علي لاحقا على أطراف الكوفة، وظل لفترة طويلة معلقا على خشبته التي نسجت حولها كثير من الأخبار والقصص والأساطير.

كان ذلك الانهيار حدثا مهما في تاريخ ثورات آل البيت، لكنه لم يكن الأخير، ولم يجد أبو حنيفة بدا من الهجرة، فحمل أقلامه وامتطى صبره وعزيمته إلى مكة المكرمة التي أقام بها سنوات، ثم عاد إلى الكوفة من جديد بعد أن استقر الحكم للعباسيين ودالت دولة بني أمية، وشرد بهم أبناء عمومتهم آل العباس أي مشرد، وترامت في ملكهم الفجاج والمهاجر والسجون والمقاتل العظيمة.

ثورة النفس الزكية.. عاقبة الغدر التي هزت الدولة الفتية

رغم هذه الانفراجة الجديدة في النفق السياسي المظلم الذي دخلته الخلافة الأموية، فإن الإمام أبا حنيفة لم يكن متحفزا بسرعة للتوافق والدخول في جلباب الخلافة الجديدة، فقد رأى أنها لم تتأخر في انتهاج الانحراف السياسي والاستبداد وترسيخ قوائم الجبرية الضاغطة.

ناصر الإمام أبو حنيفة ثورة الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن “النفس الزكية” على حكام بني العباس

 

ناصر الإمام أبو حنيفة الحركة الثورية التي قادها الإمام محمد (النفس الزكية) بن عبد الله بن الحسن على حكام بني العباس، وكادت أن تقضي على الدولة الناشئة في عهد خليفتها الثاني أبي جعفر المنصور الذي يؤثر عنه أنه كان قد بايع النفس الزكية، لإقامة مشروع حكم إسلامي يقوم على العدالة ومحاربة الاستبداد، غير أن الشق العباسي من الحلف الهاشمي الذي أطاح ببني أمية استأثر لنفسه بالحكم، ومد شباكه لتصطاد بقية الأطراف وترمي بها إلى السجون والمذابح.

كانت الثورة قوية جدا واستمرت فترة طويلة، وانتهت بقتل النفس الزكية وأخيه إبراهيم، وسجن والدهما عبد الله بن الحسن بن الحسن حتى توفي في السجن العباسي.

مقبرة الخيرزان.. معارضة الجسد في الحياة والممات

نال أبو حنيفة نصيبه من التنكيل، حينما أراده العباسيون على القضاء، فامتنع بقوة، وأصروا هم بقوة أيضا، ولم تكن القوتان متكافئتين، فألقوا بأبي حنيفة في غياهب السجن، ونال فيه من التنكيل والأذى الشيء الكثير، حتى توفي سنة 150 للهجرة عن 70 ربيعا مفعما بالعطاء والنضال والإفتاء والتربية والتعليم والمعارضة السياسية.

قبر الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان في الكوفة

 

وقد أوصى أبو حنيفة أن يدفن في مقبرة الخيزران، لأنها أرض إسلامية ليس فيها لعباسي شبر واحد، وكأن الرجل أصر على أن يظل معارضا ومناوئا لحكم العباسيين حيا وميتا.

وعلى ضفة الضريح الذي ضم جسد إمام أهل العراق، أقام أهل العراق جامع الإمام الأعظم، بعد قرنين وربع من رحيل الإمام (سنة 375هـ)، وانطلقت من جانب المحراب مسيرة مذهب وتاريخ إمام ما زال أحد أعظم أئمة الإسلام وأكثرها أتباعا وتأثيرا في التاريخ المذهبي للفقه الإسلامي.