نور الدين الصايل.. شعلة السينما المغربية التي أضاءت للأجيال

د. الحبيب ناصري

في ليلة 15 ديسمبر/كانون الأول من سنة 2020، وهي السنة التي ستبقى راسخة في الأذهان لما حُصد فيها من أرواح عزيزة؛ نزل خبر وفاة الأستاذ نور الدين الصايل على الجميع كالصاعقة.

من الصعب أن تجد اسما عربيا أو أفريقيا أو أوروبيا يعمل في مجال الإخراج أو النقد السينمائيين، أو مَنْ له صلة بالفلسفة في بُعدها الكوني، أو مَنْ مرّ من إدارة مهرجان من المهرجانات العربية أو الأوروبية أو الإفريقية لا يعرف المُسمى في قيد حياته نورالدين الصايل.

إن رحيل نورالدين الصايل هو رحيل لعرّاب السينما المغربية ولعقلها الأول ولعاشق ثنائية السينما والفلسفة حد “التلبس” بهما. وهنا نُسلّط الضوء على العديد من بقع الضوء التي له فضل نحتها، بقع ضوئية ستترك بكل تأكيد فعلها وديمومتها في عالم السينما المغربية ومهرجاناتها، وفي عدد من المحطات الإعلامية والثقافية المغربية والعربية والأفريقية والإنسانية عموما.

أحد أعمدة السينما المغربية نور الدين الصايل الذي وُلد في مدينة طنجة المغربية يحلّ ضيفا في إحدى اللقاءات هناك

 

طنجة ابنة الشمال الأقصى.. ميلاد الأيقونة

عام 1948 رأى نور الدين الصايل النور في مدينة طنجة، وهي المدينة المغربية التي عرفت عددا من التطورات التاريخية حدّ تهافت العديد من دول العالم عليها بحثا عن استعمارها، مما جعلها في حقبة تاريخية بمثابة مدينة دولية مفتوحة بها العديد من التمثيليات الدولية.

طبعا حينما نقول طنجة، فنحن نستحضر أيضا كونها مدينة قريبة جدا من إسبانيا، وهي مدينة سياحية وجميلة ومستقطِبة للعديد من رموز الفكر العالمي، حيث فضّل البعض منهم المكوث بها، كما كان الحال مع الكاتب الأمريكي “بول بولز”.

في دروبها الشعبية تردد الصايل على قاعات السينما، وداعب كرة القدم، ولعب بفريق المدينة، ثم أحب الفلسفة ورحل من أجلها إلى الرباط، حيث تخصص فيها ودرسها، وأصبح مؤطرا لمُدرّسيها.

نبتة الفلسفة التي زرعت فيه وعشقه للسينما منذ صغره وإتقانه للغة الإسبانية والفرنسية بجانب لغته العربية الفصيحة، وانفتاحه على ثقافات العالم؛ كل ذلك جعله أيقونة فكرية مغربية من الصعب على من يريد معرفة ما كان يجري في سماء الفلسفة والسينما بالمغرب أن لا يجد اسم الراحل أمامه.

من المؤكد أن لمدينة ولادته أثرها البالغ في تكوينه النفسي ومزاجه الفني والثقافي والإنساني، فأهل طنجة معروفون تاريخيا بحبهم للحياة وسهر الليالي، لا يبدأ زمنهم النهاري إلا في الليل، كيف لا وطنجة هي محروسة المغرب، بل هي حارسة المغرب من ضفة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي أيضا.

نور الدين الصايل شغل منصب رئيس القناة الثانية المغربية من سنة 2000 وحتى 2003

 

سينما منتصف الليل.. إطلالة على التلفزيون

مَنْ منّا لا يستحضر البرنامج التلفزيوني المغربي بالقناة العمومية الأولى والوحيدة آنذاك، والمعنون بسينما منتصف الليل وسينما الأحد؟ فمن خلال إطلالاته هذه عرف كثير من الشباب المغربي وقتها معنى وكيفية تقديم فيلم سينمائي، حيث كان الصايل يقدم خلال هذه الفترة أمهات السينما المصرية والسوفياتية والفرنسية.

عرف صوته السينمائي النقدي في مجال الإعلام البصري والمكتوب من خلال مشاركاته وإشرافه على بعض المجلات الورقية المختصة، حيث كان صوته آنذاك يفعل فعله في تربية ذوق جيل مغربي عاش فترة سنوات من الجمر والرصاص، لا سيما في فترة سبعينيات القرن العشرين، حيث كان الصايل رحمه الله ممن تشبعوا بالفكر اليساري ومارسوه ضمن طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وذلك صحبة عالم الاجتماع المغربي الراحل الدكتور محمد جسوس، ضمن محطات ثقافية ونضالية متعددة.

أندية السينما المغربية.. امتدادات اليسار السياسي

بمجرد ذكر لفظة هذا الإطار السينمائي المغربي في سبعينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1973، (كسنة وقع فيها عقد ازدياد هذا الإطار) سيقفز إلى أذهاننا اسم الراحل نور الدين الصايل، فهو مؤسس حقيقي وفعلي لهذا الإطار صحبة أسماء قليلة كانت بصحبته.

وُلد هذا الإطار السينمائي المغربي، ونشر العديد من أوجه الثقافة السينمائية المغربية على امتداد هذا الوطن، وما زال يصنع ذلك إلى اليوم، على الرغم من تبدّل الظروف الثقافية والتقنية.

تخرجت أسماء متعددة من رحم هذه الفيدرالية التي تحوّل اسمها فيما بعد إلى الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، وقد تربى نقاد ومخرجون وباحثون وإعلاميون بين أحضان هذه الجامعة. ويبقى السؤال القوي المرافق لنا: ماذا لو لم تكن هذه الجامعة والصايل، ومن كان معه خلال هذه الفترة بالضبط من رفاق درب سينمائي؟

سؤال بمجرد التفكير فيه سيجعلنا نُصاب بالدوران في الرأس، في حالة لو لم تكن هذه الأندية السينمائية التي كانت امتدادا ثقافيا طبيعيا لليسار السياسي المغربي، ففي حضن هذه الأندية السينمائية جرت مشاهدة أفلام سوفياتية (نسبة  للاتحاد السوفياتي قبل انهياره)، وفيها أيضا ترسخت القراءة التاريخية للأفلام في ذهن منخرطيها، ومن رحمها أيضا بزغ عدد من الأفكار التي كانت بمثابة تغذية راجعة لما كان يشهده المغرب خلال هذه الحقبة الغنية بصراعاته الحزبية والجمعوية والنقابية، والتي كانت تصبّ في اتجاه البحث عن صوت جماهيري مغربي شعبي ديمقراطي تقدمي.

كل ذلك جعل الساحة الثقافية المغربية تشهد عدة ظواهر مماثلة، لكن بلغات فنية شعبية أخرى، كظهور صوت مجموعتي ناس الغيوان ولمشاهب، وهي أصوات بدورها عمّقت ترسيخ  صوت المهمشين والراغبين في الانعتاق، والقبض على القضايا الوطنية والعربية والعالمية العادلة، وكان في مقدمة كل هذا القضية الفلسطينية التي كانت امتدادا طبيعيا لما يجري في ساحة الصراع السياسي المغربي آنذاك.

في ظل هذه الأجواء كان صوت الراحل الفلسفي والسينمائي والإعلامي والثقافي صداحا في كل تلك الميادين، حتى سطع نجمه وتميّز بحضوره الوازن، فالرجل لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل وُلد وترقى بفكره وذكائه ونظرته للمستقبل وإيمانه بدور ثنائية أو زواج السينما والفلسفة الأبدي.

الراحل نور الدين الصايل في لقاء اعلامي على هامش مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة

 

مهرجان السينما الأفريقية.. شيخ المهرجانات المغربية

في عام 1977 ولد مهرجان السينما الأفريقية بمدينة خريبكة، وهو المهرجان الذي ما زال ينظم حتى يومنا هذا، بحكم أن الصايل كان يتردد على مدينة خريبكة باعتباره رئيسا للجامعة الوطنية للأندية السينمائية، وبحكم أيضا وجود أقدم ناد سينمائي بالمغرب (منذ الثلاثينيات من القرن العشرين)، وهو النادي السينمائي بخريبكة، وبحكم وجود بنية تحتية ثقافية في ملكية المجمع الشريف للفوسفات آنذاك، وبجانب أسماء من هذه المدينة العمالية الفوسفاتية، وبقاعة الأفراح التاريخية في حي الفوسفات (الفيلاج).

ولولا الوضع الوبائي الذي حلّ بالعالم، لكنّا أمام قصّ شريط دورة جديدة من دورات هذا المهرجان الذي احتلّ مكانة خاصة في قلب الراحل، وسيبقى من بصماته السينمائية التي على الجميع الحفاظ عليها وعلى خصوصياته الثقافية الأفريقية.

منذ عام 1977 وإلى يومنا هذا، والراحل الصايل يخطّ أهم فقرات ومكونات مهرجان السينما الأفريقية، مهرجان زارته أسماء من بلدان العرب وأفريقيا وأوروبا، حتى أصبح أيقونة من أيقونات المدينة والمغرب وأفريقيا عموما، يكفي أن نشير إلى أن عدة أسماء زارته، مثل المرحوم المخرج المصري صلاح أبو سيف، والمرحوم توفيق صالح صاحب التحفة السينمائية “المخدوعون”، والراحل الطاهر شريعة مؤسس مهرجان قرطاج التونسي، و”إدغار موران” الفيلسوف الفرنسي، وسليمان سيسي المخرج المالي صاحب الفيلم الجميل “النور”، وأيضا “أصمان صمبين” من السينغال ونوري بوزيد من تونس، ونجوم مصرية وعربية عدة، وأسماء فكرية وفنية وإعلامية من عدة دول.

صورة عائلية تجمع الراحل نور الدين الصايل بأسرته

 

فن دبلوماسية السينما.. صناعة عابرة للحدود السياسية والثقافية

لا شك أن من الصعب استحضار الرموز السينمائية العربية والأفريقية التي واكبت هذا مهرجان السينما الأفريقية منذ ولادته، بل من الممكن أن نؤرخ لزمن السينما المغربية والأفريقية من خلال عدة محطات من هذا المهرجان الذي ظل ولا يزال يستقطب أمهات القنوات التلفزيونية العربية والأفريقية والأوروبية لتغطية فعالياته.

من رحم هذا المهرجان وُلدت أسماء نقدية مغربية تشرّبت وتشبعت بفرجة سينمائية أفريقية من الصعب العثور عليها في قنوات تلفزيونية، إذ كان الراحل حريصا على تقديم الإبداعات السينمائية الأفريقية المثيرة للنقاش وللمتابعة النقدية والإعلامية وبلغات متعددة.

طبعا حينما نستحضره اليوم فنحن نستحضره وهو يقدم عروضه وأفكاره السينمائية، وعلى هامش المهرجان من خلال فقرة ثابتة في هذا المهرجان، كانت مستمدة من برنامجه السينمائي القديم والمشار إليها سالفا وهي سينما منتصف الليل، وكان لهذا اللقاء أهله الذين اعتادوا عليه، بل هناك من كان حريصا على أن لا يتغيب خلال هذه الفقرة التي كانت تبدأ على الساعة الثانية عشرة ليلا، وتستمر إلى أن يمتزج سواد الليل ببياض النهار.

هذا المهرجان له بصمته في ممارسة ما يمكن أن نسميه بدبلوماسية السينما في تقريب الشعوب الأفريقية وجعلها تتحدث بلغة الفن والجمال، ناسية تطاحناتها السياسية المختلفة. إنه مهرجان نطلق عليه اليوم شيخ المهرجانات المغربية، بل من رحمه وُلدت عدة مهرجانات أخرى، وبين دفتيه تناسلت صداقات سينمائية عريقة.

إنه مهرجان حوّل مدينة خريبكة العمالية الفوسفاتية إلى أيقونة سينمائية جعلت عددا من شبابها يفكرون في ولوج عالم السينما، لأنهم ابتلوا بهذا الفن الذي ابتلينا به جميعا، ونعم الابتلاء في زمن العولمة هذا.

 

الصايل.. بصمة في مجال الأفلام والسينما

من أهم المسؤوليات التي كلف بها الصايل في المغرب هو حقبة رئاسته للقناة الثانية المغربية (من سنة 2000 إلى سنة 2003)، وأيضا رئاسته للمركز السينمائي (من سنة 2003 إلى سنة 2014)، وكلاهما محطتان بارزتان ترك فيهما الصايل بصمته، لا سيما على مستوى دعم الأفلام المغربية والقاعات السينمائية والمهرجانات السينمائية، مما جعل هذه الأخيرة تشهد حركية بارزة في عهده.

فمن أفلام سينمائية مغربية معدودة على رؤوس الأصابع، إلى حوالي خمسة وعشرين فيلما طويلا وستين فيلما قصيرا خلال السنة، وهو ما جعل المغرب يقفز إلى الرتبة الثالثة في عهده على المستوى الأفريقي بعد كل من مصر وجنوب أفريقيا.

إنهما محطتان جعلتا من لغة الدعم المالي والإنتاج (هو صاحب مقولة الكم أولا ثم الكيف ثانيا) والتوزيع والمشاركات داخل وخارج المغرب، معجما مشكلا لهاجس الراحل ولخطته الإدارية السينمائية، وهو ما أعطى مفعوله الذي ما زال مستمرا إلى يومنا هذا.

بجانب هاتين المحطتين تحمل الصايل أيضا مسؤولية رئاسة لجنة الفيلم بمدينة السينما المغربية العالمية ورزازات (جنوب المغرب الشرقي)، حيث كان التفكير الدائم في كيفية تحفيز وتشجيع تصوير عدد من الأفلام العالمية بهذه المدينة التي حوّلت المغرب إلى قبلة عالمية لتصوير أعمال سينمائية ذات إنتاج ضخم، مما جعل المغرب بلدا معروفا بتصوير العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التاريخية الكبرى والأجنبية به، وهو ما ساهم في جلب العملة الصعبة لخزانة المغرب المالية، ناهيك عن الأثر المهني السينمائي الذي تركه في المدينة.

 

“آفة حارتنا النسيان”.. عقل السينما وخطيبها المثقف

شخصيا وبكل صدق، تابعتُ عددا من المحاضرات التي ألقاها الصايل في مدن مغربية مختلفة، وأقل ما يُقال عن الرجل إنه عقل السينما المغربية وعرّابها ومفكرها الأول، وفي تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحدث عنه الراحل الناقد السينمائي المغربي الدكتور مصطفى المسناوي رحمه الله، وكان أبرز ما جاء في كلمته كون الأستاذ نورالدين الصايل، سواء كنت معه أم ضده، فإنه يبقى المعادلة الأولى في السينما المغربية.

إنه رجل إذا أخذ الكلمة يحوّل الحضور في الدقائق الأولى إلى لحظة صمت قلّ نظيرها في قاعاتنا الثقافية العربية، يصول ويجول كيفما حلا له، ما دامت عدة الفلسفة والسينما وثلاث لغات عالمية بين يديه وفي قلبه وعقله (اللغة العربية والفرنسية والإسبانية). إنه يطوف بك في عوالم سينمائية عربية وأفريقية وسوفياتية وأمريكية، وينظر بل ويشرحها بآلته الفلسفية واللغوية والأدبية، مما يجعله يتميز بعلو كعبه وتواضعه الإنساني الدائم.

من العبارات التي كان يرددها وهو يستعد لإلقاء محاضراته “آفة حارتنا النسيان”، ولعله بهذا كان يمرر خطابات ذكية ودالة مفادها ماذا فعلنا نحن العرب والأفارقة بما راكمناه في ندواتنا ومؤتمراتنا وتجمعاتنا؟ هي صيحة دوّنها عميد الرواية العربية نجيب محفوظ رحمه الله في إحدى رواياته. إنها صيحة تحمل كثيرا من الدلالات القوية.

 

قاعات الجامعة.. فلسفة السينما الأكاديمية

تردد الصايل في أيامه الأخيرة على عدد من المؤسسات الجامعية العليا والمتخصصة في الأدب والفنون والسينما والفلسفة، مفتتحا موسمها الجامعي بمحاضرات علمية قيمة، أو مشاركا في أيامها الدراسية والعلمية والسينمائية.

كان الصايل على الرغم من تجاوز سن السبعين كثير الترحال على امتداد الوطن وأفريقيا وأوروبا، باحثا عن جواب واحد، كيف من الممكن أن تكون السينما حمالة معاني ودلالات ومساهمة في تقريب الشعوب والأمم والدفع  نحو تفكير جماعي لانتشال الإنسان من وضعه التكنولوجي الجديد (الفرجة بشكل فردي)، نحو عودة جماعية للقاعات السينمائية كما هو الشكل في التجربة التي حفزها بكل من القاعات السينمائية المتعددة العرض الفيلمي وفي نفس اللحظة، وفي أفق تحقيق عروض متنوعة للأسر؟

لقد ولج الصايل بوابة السينما من بابها الرئيسي، وهو باب الفلسفة. باب جعله يمارس طيلة العشرات من السنين لمساته الخاصة به أينما رحل، وهو ما نجده أيضا طيلة الفترة الزمنية التي أدار فيها المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، أو حينما كان ممثلا للمركز السينمائي المغربي في إدارة مهرجان مراكش السينمائي الدولي، بل وحتى حينما كتب بعض السيناريوهات السينمائية التي صورّت وعرضت على الشاشة الكبرى، ومن أبرزها فيلم “باديس” الذي أخرجه المخرج المغربي عبد الرحمن التازي.

زوجة الراحل نور الدين الصايل صحبة أحد أبنائه في لحظة وداع أخيرة لرمز من رموز الثقافة المغربية السينمائية

 

رحيل الرحالة السينمائي.. يقولون مر وهذا الأثر

لكون الصايل كان كثير الترحال، ولكونه كُلّف بعدد من المهام الإدارية السينمائية والإعلامية الأجنبية (مستشار سابق لقناة كنال بلوس كمثال) والرسمية بالمغرب، حيث كُلّف من لدن أعلى سلطة في البلاد، فلم يتمكن الراحل من كتابة بعض الكتب التي كان من الممكن أن يؤلفها بسهولة، لا سيما وهو الرجل المتمكن من ثلاث لغات رئيسية وعالمية.

اليوم أستحضرُ عددا من التجارب التي ميّزت عدة حقب ثقافية عربية وغربية، في الماضي أو في الحاضر. أقصد هنا أن رجلا مثل الراحل وقد رحل فمن المؤكد أن له تسجيلات عديدة بالصوت والصورة، وفي العديد من المؤسسات الجامعية والمعاهد والمهرجانات.

وهنا ومن موقع تعميم الفائدة، من الممكن تجميعها وتفريغها في مؤلفات حتى نضمن أيضا استمرارية أفكاره، ليس فقط على المستوى البصري، بل حتى على المستوى المكتوب، لكي تكون مرجعا مفيدا للطلبة والباحثين وعموم القراء.

رحم الله عرّاب وعقل السينما المغربية، هكذا رحل من يعود له الفضل في ترسيخ الثقافة السينمائية، ومن كان مُدافعا شرسا عن حق المخرج الأفريقي في تقديم صورته كما يشاء هو، لا كما يريد الآخر. لقد كان صادقا في هذا الدفاع وبشكل عملي في فترة رئاسته للمركز السينمائي الأفريقي، حيث فتح أقسامه التقنية لتقديم خدمات متعددة لهؤلاء المخرجين الأفارقة.