“سيمون شاهين”.. موسيقى عربية على بساط الفلسفة والفكر

الموسيقى رسالة مفتوحة لكل الناس على اختلاف ثقافاتهم وحضاراتهم وقدراتهم وشخصياتهم وأجناسهم، تستطيع من خلالها تمرير أفكارك وفلسفتك وثقافتك الخاصة في قالب فني راقٍ ولغة فريدة متميزة تفهمها بسهولة كل شعوب العالم على حد السواء.

فالموسيقى وفقا لهذه الرؤية أكثر من أن تكون تقنية أدائية، وأكثر بكثير من أن تكون وسيلة للطرب فقط، إنها فلسفة وفكر وتبادل للثقافات وتفاعل غنيّ بين الحضارات.

 

يسرد هذا الفيلم الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية وصور بين أمريكا وفلسطين وإسبانيا قصّة الموسيقي الأمريكي الفلسطيني الأصل سيمون شاهين الذي كان يذهب كل عام إلى فلسطين لاكتشاف المواهب الموسيقية الفلسطينية الشابة، من أجل تسجيلهم في كلية بيركلي للموسيقى في بوسطن.

يقدم الفيلم حكاية الملحن والأستاذ سيمون مع تلامذته، ورحلتهم من بلدهم الأم فلسطين إلى أمريكا لدراسة الموسيقى، وذلك في “رحلة موسيقية” نرصد خلالها مسيرة سيمون المؤثرة كمؤلف وملحن ومعلم.

سيمون يعزف على العود منذ صغره حيث اعتاد أن يرتقي خشبة المسرح منذ أن كان في الخامسة من عمره

ابن “ترشيحا” الموهوب

وُلد سيمون شاهين في قرية “ترشيحا” في الجليل الشمالي في فلسطين لعائلة فنية، فوالده هو الملحن والمربّي وعازف العود حكمت شاهين. وقد بدأ العزف على العود مبكرا ولم يكن تجاوز السنة الرابعة من عمره بعد. ويتذكره شقيقه نجيب شاهين صانع الأعواد الموسيقية وهو جالس في الحديقة في عامه الثالث تقريبا يعزف على آلة “الماندولين” وهي آلة موسيقية وترية تشبه العود، وهو يعزف لحن أغنية “البنت الشلبية” للفنانة الكبيرة فيروز.

ساهمت العائلة في تشكيل وعيه الموسيقي وذائقته، كما يروى أنه في أول ظهور له على المسرح في السنة الخامسة من عمره، لم يكن يكاد وجهه يظهر ممسكا بآلة حجمها أكبر منه، لقد ساهم هذا الحضور المبكر في بناء شخصيته الموسيقية على المسرح.

التحق سيمون بمعهد الموسيقى في حيفا ودرس آلة الكمان، ثم التحق بالأكاديمية الموسيقية في القدس ليدرس التأليف الموسيقي وليتخصص في آلة الكمان، ثم ليحصل على منحة من جامعة كولومبيا في مانهاتن في الولايات المتحدة.

عاش في أمريكا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أي تمثيل جدي للموسيقى العربية، فقد كانت مقتصرة فقط على النوادي الليلية، ولم تكن معروفة على المسارح وفي المؤسسات الموسيقية، فأسس سيمون “الفرقة الموسيقية الشرق أوسطية” وكانت عبارة عن عازفين مميّزين من سوريا ومصر لبنان وفلسطين بدأوا بإقامة العروض والحفلات الموسيقية من أجل تعريف المجتمع الأمريكي بالموسيقى العربية.

وفي منتصف التسعينيات، أسس فرقة أخرى أسماها “القنطرة” وكان مفهومها يقوم على دمج حضارات موسيقية مع بعضها والتعاون مع موسيقيين من حضارات مختلفة لدمج الموسيقى العربية بموسيقى الحضارات الأخرى ومساعدة الموسيقيين الذين تعرف عليهم هناك لاستيعاب موسيقى من حضارات أخرى مع نفسهم وروحهم الموسيقية الخاصة.

التقاط المعدن الخام.. موسيقيّ متعدد المواهب

تقول “كاي كامبل” المديرة المنفذة لـ”منتجع الموسيقى العربي” الذي سنأتي على ذكره والتعريف به أكثر لاحقا: إن الفنون -ومن أهمها الموسيقى والشعر والغناء- هي القلب النابض للعالم العربي وثقافته، وعلينا أن نفهم هذه الفنون لكي نفهم جيدا هذا العالم، وسيمون مُعلّم ماهر وفنان ومؤلف، ولا بد له من مكان مناسب لنشر هذه المهارات.

في أحد العروض الموسيقية لسيمون وفرقته في بوسطن كان من بين الحضور بعض الموسيقيين والمدرسين من جامعة بيركلي إحدى أهم الكليات الموسيقية في العالم، منهم “ميليسا هاو” رئيسة الموظفين في جامعة بيركلي.

تقول “ميليسا”: سمعت عزف سيمون على الكمان وأعجبني وعرفت أنه الشخص المناسب ليكون في قسم الوتريات في الجامعة، وبدأت بمتابعته لإقناعه بالتدريس في الجامعة، لقد جلب فيما بعد إلى الجامعة ثقافة الموسيقى العربية بمستوى رفيع وعميق، وعرّف الطلاب على الارتجال في الموسيقى العربية.

ويؤكد ذلك رئيس جامعة بيركلي “روجر براون” الذي يقول إنه عندما تولّى هذا المنصب قبل 14 عاما لم يكن يعرف آلة القانون، والتقى بطالب عرّفه عليها، ثم بدأ يلاحظ أن الكثير من الطلبة العرب يعزفون على العود والآلات الإيقاعية، و”كنت قد سمعت عن سيمون شاهين وساهمت في جلبه للتدريس في الجامعة، كنت أسمع أنه عازف جيد وشخص رائع، وعندما جاء للتدريس بدأ الكثير من الموسيقيين يأتون إلينا من أنحاء الشرق الأوسط”.

وقد كان سيمون هو السبب وراء جلب الطلبة الموهوبين، وكان قادرا على مساعدة الطلاب على العزف على القانون والعود والكمان، لذلك فهو متعدد المواهب، فصار لدينا طلاب من مصر والأردن ولبنان وفلسطين، وهم يتمتعون بخبرة واسعة ولكل واحد منهم قصته الخاص.

“أمل وقار” عازفة عود من سلطنة عُمان التحقت بجامعة بيركلي لتدرس الموسيقى العربية عند سيمون

بين الموهبة والرسالة.. وجوه الموسيقى المتعددة

عرض سيمون في بداية تدريسه في بيركلي فكرة امتحانات قبول لشباب موسيقيين في الدول العربية من خلال الإنترنت، ويتحدث عن هذا عميد القبول بجامعة بيركلي “داميان براكن” قائلا: أتاح الإنترنت الفرص أمام طلاب كثيرين من جميع أنحاء العالم، وهذا أعطانا فرصة للوصول إليهم واكتشاف أدائهم الموسيقى، وبطريقة الاختبار هذه، يظهر شيء مهم في ثقافتهم الخاصة ووسط مناخهم الطبيعي الذي يستطيعون من خلاله تأدية عملهم بأفضل شكل، واكتشفنا بهذه الطريقة موسيقيين رائعين جاءوا إلى بيركلي ودرسوا فيها وتخرجوا منها.

ويعرض الفيلم شهادات لبعض الطلبة الذين ساهم سيمون بجلبهم إلى بيركلي، ومنهم أمل وقّار عازفة العود من سلطنة عُمان التي تقول إنها تحاول من خلال عزفها التركيز على جلب الموسيقى الخليجية التقليدية إلى جمهور عالمي أوسع لأن الموسيقى الخليجية عميقة جدا وفيها العديد من الطبقات وهي مقتصرة على فئة معينة في الخليج وليست معروفة على المستوى الدولي.

وتضيف: جئت إلى جامعة بيركلي وبدأت أدرس الموسيقى العربية على يدي سيمون، ورأيت كيف أنه خلق مناخا خاصا خارج المنطقة التي ينتمي إليها بأسلوب عزفه الفريد والمُلهم.

وهذا فراس زريق عازف القانون من “كفر ياسيف” في فلسطين، يقول إنه أنجز مع سيمون مقطوعات موسيقية عالمية على القانون، “وبوجودي هنا كفلسطيني فإنني أؤدّي رسالة موسيقية وسياسية واجتماعية، فالفنان موهبة وموقف، وأنا فخور بذلك”.

أما طوني برهوم عازف قانون من “شفا عمرو” في فلسطين المحتلة فيقول: درست الموسيقى في معهد “شفا عمرو” لمدة 10 سنوات، ثم سمعت بامتحانات القبول مع سيمون، فتقدمت له وقُبلت في جامعة بيركلي، جئت إلى هنا وأحضرت معي ثقافتي الفلسطينية وتعرفت هنا على ثقافات موسيقية أخرى.

“نانو الرئيس” مهاجرة سورية من حمص تغنّي مع سيمون منذ عام 2016

فلسطين.. ألحان جراح حاضرة في الذاكرة

يؤكد سيمون في أكثر من مرة على أنه لم يتخلّ يوما عن فلسطين والعالم العربي، وأنه دائم الزيارة لفلسطين لمساعدة الناشئين في دراستهم الموسيقية في جميع مستوياتهم الابتدائية أو المعاهد أو الجامعات.

ويعرض الفيلم عددا من أسماء كثيرة للمتقدمين لـ”معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى” بجامعة بير زيت لامتحانات القبول لدخول معهد الموسيقي بجامعة بيركلي من فلسطين كدليل على ما يقوله سيمون. كما يطوف بنا الفيلم على عدد من المقاطع والبروفات الموسيقية التدريبية لسيمون مع طلابه في جامعة بيركلي وهم يعزفون على آلات موسيقية شرقية متعددة كالعود والقانون والناي والكمان.

وهنا عزف جميل لأغنية الكبير محمد عبد الوهاب “يا مسافر وحدك” وغناء المغنية السورية نانو الرئيس التي تقول إنها غادرت حمص في أواخر عام 2012 إلى لبنان، ثم عادت وسافرت إلى بوسطن في عام 2016 بعد الأحداث في سوريا ولم تكن تمتلك أي شيء حين قُبلت في جامعة بيركلي، خاصة أنها بعد ابتعادها عن وطنها وافتقادها وشوقها له لم يعد لها وطن سوى الموسيقى.

“محمد ملحم” من فلسطين درس آلة “التشيلو” على يد سيمون لتوظيفها في الموسيقى العربية

موسيقى تحت الاحتلال.. انتقال من العتمة إلى النور

يقول سيمون: في الموسيقى العربية أبعاد موسيقية دقيقة هي التي تولّد المقام، فهو أصل الروح الشرقية والحسّ الموسيقي العربي، وهذا ما لا نجده في الموسيقى الغربية.

آراء المتحدثين تعزز نظرية سيمون بأن الموسيقى فلسفة وفكر أكثر من كونها أي شيء آخر، فهذا نسيم الأطرش عازف “التشيلو” من بيت ساحور الفلسطينية جاء إلى بيركلي بعد أن أنهى دراسته الثانوية يبدي اشتياقه الكبير لوطنه فلسطين، ويقول إنه لما سمع آلة “التشيلو” وهي آلة غربية، أحبها وشعر أنها تمثله وتمثل أحاسيسه لرخامة صوتها وقربها من صوت الإنسان.

ويتابع: لقد درست الموسيقى مع سيمون بشكل أكاديمي، وتعلمت كيف يمكن أن يُستخدم “التشيلو” في الموسيقى العربية، وأن الشعب الفلسطيني يواجه تحديات ومحاولات لمحو هويته وثقافته وتغييرها، ونحن كموسيقيين فلسطينيين تقع على عاتقنا مسؤولية تقديم الموسيقى الفلسطينية بمستوى عالمي وبأسلوب يمكن للأذن الغربية أن تستسيغه وتفهمه.

عازف العود محمد ملحم من باقة الغربية في فلسطين المحتلة يتحدث عن تجربته في العزف، وأنه لمّا دخل في مجال عزف العود كأنه انتقل من العتمة إلى النور وفُتح له باب من الأمل، ولمّا جاء الى المنتجع تفاجأ من الجنسيات المختلفة الموجودة في المنتجع وكيفية التحدث والتفاهم معهم، فأصبحت الموسيقى بالنسبة له هي اللغة المشتركة التي تساعده على التفاعل مع الجميع في المنتجع.

“منتجع الموسيقى العربي” بجامعة “ماونت هوليوك” بولاية ماساشوستس يستقطب الموسيقيين لدراسة الموسيقى العربية

منتجع الموسيقى العربية.. مزج بين المشرق والأندلس

وفي حديثه عن بيركلي وخريجيها، يؤكد سيمون شاهين على أن أفواجا عديدة على مر السنوات تخرجت من بيركلي وأصبحوا موسيقيين عالميين متميزين في أنماط موسيقية عديدة مثل نمط الموسيقى العربية التقليدية ونمط الجاز والخليط الموسيقي. فالموسيقى عامل مهم في مدّ الجسور بين الناس الذين لا يعرفون بعضهم والأشخاص من مختلف الجنسيات والحضارات، والعروض الموسيقية والمهرجانات هي التي تستقطب الناس بأعداد كبيرة.

لهذا كان لا بدّ من التفكير بإنشاء “منتجع الموسيقى العربي” الذي أقيم فيما بعد في جامعة “ماونت هوليوك” وفكرته قائمة على استقطاب الموسيقيين من جميع أنحاء العالم لدراسة الموسيقى العربية بشكل مكثف لمدة أسبوع كامل بحيث يغطي دراسة ما يقارب 6 شهور في أي معهد موسيقي آخر.

وعن هذا المنتجع الموسيقى تقول المديرة المنفذة “كاي كامبل”: إن فكرة المنتجع ترتكز حول المخزون الرائع للموسيقى العربية وتقنية أداء التقاسيم والنظام الكامل للمقام وفنون الأداء في العالم العربي في مشرقه ومغربه، وإيصال جمالية هذه المعرفة للطلاب الجدد والجمهور لنشر هذه الموسيقى في جميع أنحاء العالم.

وقد كان التوقيت الذي بدأ فيه المنتجع بالعمل مهما، وذلك في أوائل الثمانينيات حيث كان الازدهار والتغيير في الموسيقى العربية في أمريكا، وعندما وصل سيمون إلى نيويورك اتصل بـ”علي جهاد الراسي” من جامعة كاليفورنيا، وهو متخصص في علم موسيقى الشعوب وعازف على آلات متعددة، ونتيجة للصداقة بين الراسي وسيمون تطورت فكرة إنشاء هذا المنتجع الذي طوّر جمهورا لهذه الموسيقى، إضافة إلى مجموعة من المربّين والمعلمين والموسيقيين المحترفين والملحنين والباحثين.

اشترك الراسي مع سيمون في هذا المنتجع وساهما في وضع الأدبيات الأكاديمية للموسيقى من حيث النظريات الموسيقية وكيفية فهم الموسيقى، وكيف يتصل علم الحضارات بها، وكيف تدخل الموسيقى في هوية الناس، وكيف تستخدم في التعريف حتى عن شخصية الناس الذين تعرضوا للتهجير، لقد أصبح هنالك وجود موسيقى عربي نتيجة لهذا المنتجع في أمريكا وجميع أنحاء أوروبا، ولاقت الموسيقى العربية استحسانا كبيرا من المجتمع الأمريكي المنفتح والمتقبّل لكل الموسيقى العالمية بجميع أطيافها.

“بسام سابا” مدير المعهد الوطني اللبناني للموسيقى يدرّس الموسيقى في منتجع الموسيقى العربي

أصابع سيمون.. شهادات العرب والأجانب

من بين الشهادات التي قدمها عازفون غير عرب من الذين درسوا على يد سيمون شاهين شهادة عازف الكمان “جوليانو فندمياتي” من البرازيل حيث يقول: تعلمت الموسيقى الكلاسيكية الغربية في البرازيل، وبدأت الارتجال في السنة الرابعة عشر من عمري، واكتشفت بعض المقاييس والنوتات التي لم أكن أعرفها، كانت تبدو وكأنها نوتات غجرية، ولم أكن أعرف مصطلح المقام، ولم تكن لدي نظريات موسيقية عنه، حتى وصلت إلى بيركلي والتقيت بسيمون وبدأتُ الدراسة واكتشاف عالم الموسيقى العربية واستخدام المقام، وهذا ما كوّن لدي بنية تحتية لمواصلة وتطور ودراسة هذه الموسيقى.

تقول “علية سيكون” وهي عازفة عود من أمريكا: إن الدراسة مع سيمون فريدة من نوعها لأنه أوجد طريقة لشرح المفاهيم الغنية والعميقة للأجانب، وبمجرد أن أكون امرأة أمريكية وأعزف على العود فهذا شيء جديد ومميز.

ومن شهادات الطلاب في أستاذهم سيمون إلى شهادات أساتذة الموسيقى والمربّين في المنتجع، فهذا “ليث صديق” أستاذ وعازف كمان يقول: في الدراسة مع سيمون تعمقتُ في الموسيقى العربية وأحببت الجذور الموسيقية، لقد ساعدني سيمون بتوسيع المفهوم لنفسي وعرّفني على موسيقاي وآلتي الموسيقية، وساعدني في توسيع مداركي في الموسيقى الشرقية وفهمها والتعرف إلى ثقافات موسيقية أخرى، وعلى إمكانية جمع هذه الموسيقى مع بعضها، وبعد تخرجي والمشاركة في العروض الموسيقية والحفلات فهمت أن هذه البيئة والحفلات لم تأت من فراغ؛ لقد كان وراءها أمر مهم وهو سيمون شاهين بمجهوده الجبار الذي قام به هنا في أمريكا، وساعد في تقديم الموسيقى العربية في مجتمعات عالمية كثيرة.

 

موسيقى فلكلورية.. أنغام عابرة للثقافات

تأثر كل الموسيقيين الذين اشتركوا في منتجع الموسيقى العربية جدا واستهلكوا الموسيقى التي تعلموها في أدائهم الموسيقي الخاص، فالموسيقيون الغربيون تأثروا بالموسيقى العربية، واستخدموها كجزء من المفردات في موسيقاهم الخاصة، والمعلمون الموسيقيون أيضا استهلكوا هذه الموسيقى العربية وعرضوها على طلابهم في مدارسهم.

لقد أعطى المنتجع الفرصة للملحنين ليدرسوا الموسيقى ويستهلكوها عن فهم وفي نطاق موسيقي واضح، يؤكد هذا “بسام سابا” مدير المعهد الوطني اللبناني للموسيقى الذي نشأ في بيت موسيقي وجاء لأمريكا حيث يقول: كنت محظوظا بالتعرف إلى سيمون الذي جعلني أرى الموسيقى العربية بشكل أعمق بكثير مما كنت أظن.

أما “حصة الحميضي” وهي عازفة عود من الكويت، فتتحدث عن تجربتها التي أدهشتها حين أخبرها صديق لها كانت تعزف معه أنها إذا أرادت أن تطور موسيقاها فإن عليها الذهاب إلى أمريكا. تقول: ها أنا اليوم بعد أربعة أيام في المنتجع قد تعلمت أكثر مما يمكن أن أتعلمه في 6 أشهر، فسيمون شاهين يقدم لنا نظرة عن الموسيقى العربية من ناحية فلسفية وفكرية أكثر مما هي تقنية ومادة طرب، إنه يقدمها على شكل تبادل ثقافات وحضارات.

يوجد في موسيقى الدول العربية بشكل عام مشتركات كثيرة، لكن لا بد من فروقات كثيرة تميّز كلا منها، لهذا وبحسب رأي سيمون يجب أن تستخدم الموسيقى كما هي في بلدها؛ فمثلا الموسيقى المصرية التقليدية الفولكلورية تختلف عن الموسيقى الفولكلورية المغربية مع وجود عدة مكونات مشتركة بين موسيقات هذه الدول العربية.

وزيرة الثقافة التونسية سابقا “سنيا مبارك” تغني في منتجع الموسيقى العربي تحت قيادة سيمون شاهين

وزيرة برتبة عازفة مغنية.. كسر البروتوكول

في المنتجع طلاب وأساتذة من جميع أنحاء الوطن العربي ومن الأمريكيين والكنديين، ومن ضمنهم وكمفاجأة  كبيرة وسعيدة وجود وزيرة الثقافة التونسية سابقا “سنيا مبارك” التي ترأست القسم الصوتي لـ” لمالوف” ذلك النوع من الموسيقى التونسية الذي لم تسنح الفرصة من قبل لاكتشافه في المنتجع. تقول سنيا مبارك: في الموسيقات العربية موسيقى شرقية وأندلسية وخليجية، والمفروض أن نتبادل هذا الثراء الموسيقي والشعري والإيقاعي، فالمفهوم العام للموسيقى العربية هو الموسيقى الشرقية، وهي الطاغية على كل الموسيقات العربية، ولكن لا بدّ من طرح أنواع الموسيقات العربية الأخرى لنتعرف أكثر على خصوصية كل واحدة منها.

ويختم أستاذ الموسيقى الفلسطيني الكبير سيمون شاهين فارس هذا الفيلم العابق بالألحان الشجيّة والموسيقى العربية الأصيلة المدروسة، فتراه يحلّق بنا تارة بين نغمات أوتار العود النديّة، وتارة على تغريدات الكمان الحادّة الطريّة، وأخرى على زقزقات القانون الشهيّة وإيقاع الطبلة الشرقية، فالموسيقى العربية موسيقى جيّاشة، والهدف هو توثيق أكبر عدد ممكن من المخزون الموسيقي في العالم العربي ووضع دراسات نظرية للموسيقى العربية التي تتناسب مع هذا المخزون الموسيقي العظيم، وبصوتها القوي الجارح تكسر “سنيا مبارك” البروتوكولات الرسمية كوزيرة سابقة في بلد عربي عندما تعتلي خشبة مسرح المنتجع يرافقها على العود سيمون شاهين وثلة من أساتذة الموسيقى، لتصدح هناك بصوتها الرهيب بأغنية من التراث التونسي الجميل:

بغرناطة نهران
واحد يبكي
والثاني نزيف قان