فخّ عبادة الأجساد.. هوس بالنحافة يقتل آلاف النساء سنويا!

في القرن الـ16، رسم “ليوناردو دافينشي” الموناليزا التي أصبحت أشهر اللوحات في العالم، وفيها تظهر تلك المرأة الأرستقراطية السمينة التي تبتسم ببرود، في تعبير عن جمال المرأة. فعلى مدى التاريخ، كان الجمال ابن ثقافته، ففي الفن الأوروبي القديم تكاد المرأة النحيفة تغيب عن اللوحات الفنية الشهيرة الذي رسمها عظماء ذلك العصر، فلقد لعب الفن دورا مهما في ترويج صورة المرأة المكتنزة، واتخاذها رمزا للجمال الأوروبي.

وعند العرب القدماء كانت النحافة معيبة للمرأة، فالشاعر لا يتغنى إلا بالمرأة البدينة، تلك التي يسمّونها “خرساء الأساور”، تعبيرا عن رسغها الممتلئ لدرجة أنه يمنع ارتطام الأساور بعضها ببعض. واليوم لا تزال بعض الشعوب -التي اختارت العزلة عن قواعد العالم- تحتفظ بمعايير خاصة للجمال، ففي موريتانيا يركض الرجل وراء المرأة الممتلئة، تلك التي ترتجّ من الشحم. وقديما قال أحد الشعراء العرب:

أعوذُ بالله من زلّاءَ ضاويَةٍ
كأنما نِيطَ ثَوباها على عُودِ

وفي بعض القبائل الأفريقية، لا تزال المرأة تحفر ندوبا شديدة البروز في وجهها لكي تضع أقراطا كبيرة في الشفاه، وهي التقنية الأكثر فعالية لإخضاع قلوب شباب القبيلة. وفي جنوب شرق آسيا، كانت شعوب الصين واليابان وكوريا تعد اللحى رمزا للكسل، وأحيانا لغياب النظافة، وما زال بعض هذه الشعوب في آسيا محتفظة باشمئزازها المتأصل من اللحى والوشوم.

ليوناردو دافينشي يرسم لوحة الموناليزا والتي أصبحت اللوحة الأشهر في العالم وتظهر فيها تلك المرأة الأرستقراطية السمينة التي تبتسم ببرود لدافنشي في تعبير عن جمال المرأة في القرن 16
ليوناردو دافينشي يظهر في لوحة الموناليزا وهو يرسم تلك المرأة الأرستقراطية السمينة في تعبير عن جمال المرأة في القرن 16

لقد كان الجمال ابن بيئته، وذلك قبل أن تظهر السينما ودور الأزياء، لتفرض على الناس مفهوما أحاديا لجمال المرأة، فأصبحت المرأة البدينة مستقبَحة، والأقراط الكبيرة في الأنف دليلا على التوحش والبداوة، وأضحت المرأة النحيفة ملكة رشيقة تلعب بقلوب أولئك الذين يفهمون الجمال ويبشرون به في مسابقات عالمية مثل “ملكة جمال العالم”، فمنذ 1952، عملت مسابقات ملكات الجمال على صنع صورة أحادية للجمال الأنثوي المرغوب.

وقد تسببت صناعة الجمال في شكلها المعاصر بخلق مجتمع يعبد النحافة ويقهر كل الأحجام المختلفة، وفي كل عام يقضي الآلاف نحبَهم بسبب الحِميات الغذائية القاسية والعمليات الجراحية الاختيارية.

نموذج المرأة الأوروبية المشتهاة.. لوحات تمجد المرأة المكتنزة

كانت أعمال الرسام الفلامنكي “بيتروس باولوس روبنس” (1577-1640) تجليا أبرز لمعالم الجمال الأوروبي قبل ظهور السينما ودور الأزياء ومسابقات ملكات الجمال. فلقد رسم “روبنس” ملكة فرنسا “ماريا دي ميديشي” ونساء من المجتمع المخملي الأوروبي آنذاك، ورسم أيضا لوحات فنية عارية لنساء من عامة الشعب، فكان الرسم لدى هذا الفنان أداة لتصوير المرأة الأوروبية وفق الأسلوب الباروكي، وفيه تظهر المرأة في معظم هذه الأعمال مكتنزة، مثيرة للغاية ومتراخية إلى حد بعيد.

السمنة سمة جمال للمرأة في ثقافات عالمية كثيرة

استطاع “روبنس” أن يلعب بالوعي واللاوعي أيضا لتكريس نظرة الأوروبيين للمرأة في ذلك العصر، فقد قدم لجمهوره -ومعظمهم من الذكور- فنا يركز على النموذج الكلاسيكي للمرأة المشتهاة، ويُفضل البعض أن يصف هذا النوع من الفن بإباحية ذلك العصر، لكن الحقيقة أن تسليع جسد المرأة لم يظهر بهذه الفجاجة إلا في القرن العشرين.

وعلى النقيض من ذلك، قدم هذا الرسام الفلامنكي الرجال في شكل أبطال رياضيين أسطوريين، لهم عضلات مفتولة وقوة عضلية هائلة، ويبدو الرجل مع قوته البدنية وجبروته جذابا، كما في تماثيل العصر الهلنستي والتقاليد الكلاسيكية.

ما يزال الرجل ذو العضلات والجسم المفتول نموذجا مرغوبا به في ثقافات الشعوب

كانت هذه صورة الجمال الأوروبي في القرون الماضية، أما اليوم فإن اسم “روبنس” يحدث الاشمئزاز لدى محبي الموضة في هذا العصر، فالركبتان المنتفختان والجسد الهائل بانبعاجاته ونتوءاته الكثيرة لم يكن في يوم من الأيام أقل جاذبية من اليوم. ومع ذلك، ظلت الصورة المثالية للرجل الأوروبي كما كانت دائما، فالسينما تمجّد -كما كان الفن في القرون الوسطى- الجسد القوي العريض والعضلات النافرة والمنتفخة.

بقيت عظمة “روبنس” دون منازع قرونا أخرى، لكن أعماله الفنية بدأت تفقد الإعجاب منذ النصف الثاني من القرن العشرين، فقد تحوّل الناس عن التباهي بالسمنة التي ميّزت زمانه، ولا يبدو أن الزمن سيرجع إلى الوراء مجددا ليعتنق مفاهيم جديدة عن الجمال في الوقت الحاضر.

“الأنثى الحقيقية لا يظهر فيها عظم واحد”

تحكي المؤرخة الأمريكية “آن هولاندر” (1930–2014) أن القرن العشرين فرض معايير صارمة مبنية على تسليع المظاهر، فخلال الخمسين سنة الأولى من هذا القرن، ظهر ذوق جديد يرفض بشكل مطلق البدن الليّن والمهلهل، أو “الدهون” بعبارة صريحة.

وتقول: خلال 400 عام تقريبا، أي ما بين 1500-1900، كانت الأحجام الجسدية الكبيرة أكثر جاذبية. هناك اختلافات حسب البلدان بلا شك، ولكن عموما كانت السمنة معيارا للجمال.

نحافة الأيدي والقدمين والأنف والخصر الأنثوي هي الصفات المرغوبة للأناقة في الطبقات العليا للمجتمع

تسرد “هولاندر” أهم الصفات المرغوبة للأناقة في الطبقات العليا للمجتمع، فتقول: هي نحافة الأيدي والقدمين أو الأنف، وأحيانا الخصر الأنثوي. لكن الأنثى الحقيقية لا يظهر فيها عظم واحد، بل يجب أن تكون ممتلئة تماما.

أما اليوم، فتعد النحافة والهزال باسم “الرشاقة” عُملة العصر، والمرأة النحيفة مرغوبة أكثر من أي وقت مضى.

آلة التصوير.. اختراع أفسد حياة البدناء إلى الأبد

يقول بعض المؤرخين إن الكاميرا قلبت الموازين، فهذه الآلة الجديدة عوّضت ريشة الفنان، فأفسدت حياة البدناء لأول مرة في التاريخ، ولئن كان البعض يرى أن الطب الحديث وتغير الذهنيات هي السبب الأساسي في تغيير الذوق من السمنة إلى النحافة، فإن كثيرا من الدلائل يشير إلى دَور السينما والإعلام في خلق صورة نموذجية محددة لما يجب أن تكون عليه المرأة والرجل.

لقد عوّض المصورُ الفوتوغرافي الفنانَ المحترف بسرعة هائلة، فهذه الآلة الجديدة أضحت على نحو متزايد مرتبطة بـ”الحقيقة الموضوعية”. فالرسام يمكن أن يبدّل ويغيّر ويعدّل، لكن الكاميرا تُظهر الأمور كما تبدو في الأصل من دون أي تنميق.

ومع التقدم العلمي الحاصل في مجال التصوير، ظهرت الصور المتحركة التي سبقت الفيديو، وفي هذه الظروف لم يعد بوسع أي فنان منافسة هذا الوحش الجديد، فانتقل بعض الفنانين إلى اعتناق مدارس فنية جديدة، في حين بدّل آخرون الحرفة بالمرة، واختارت فئة أخرى ترك الرسم وامتشاق الكاميرا.

ومع مطلع 1920، أصبحت الصور الفوتوغرافية والأفلام الشعبية القصيرة تغوص أكثر فأكثر في كل مناحي الحياة اليومية للإنسان الغربي، فكان لا بد له أن يتكيف مع أسلوب الكاميرا، فالجسد يتحرك بدقة شديدة وسلاسة حتى تستطيع العين التركيز وتمنح للدماغ حالة مستمرة من الدهشة والرغبة في مشاهدة المزيد. لكن هذا يحتاج إلى مهارات جديدة، فالرشاقة الآن صارت ضرورية للكاميرا، وملابس القرون الوسطى الطويلة والثقيلة لا مكان لها هنا.

السمنة أصبحت “لعنة” لكل الحالمات بالظهور في الكاميرا

وأمام هذه المتطلبات الجديدة، أصبحت السمنة “لعنة” على كل الحالمين بالظهور في الكاميرا، وفي المقابل تحوّلت كل “لعنات” الأمس إلى “نِعمٍ” مرغوبة اليوم. وتدريجيا أضحت متطلبات الشكل المثالي بالنسبة للمرأة تضم إظهار نحافتها من خلال عظام الجسد، فقد صار عظم الفك السفلي وعظام الترقوة وأيضا القفص الصدري مصدر الأناقة بشعارها المعاصر.

ومع دخول السينما عصر الألوان وانتشار التلفزيون بشكل واسع في العالم، أصبح المثل الأعلى للجمال الأنثوي هو ما تخلقه هوليود ومصممو عروض الأزياء، ثم صناعة الأفلام الإباحية لاحقا. ولم يعد الجمال الأوروبي أو العربي أو الآسيوي مختلفا الآن، فباستثناء بعض المجتمعات القليلة التي أدارت ظهرها للعولمة، أصبح تعريف الجمال “عالميّا”، وقتلَ بذلك التنوع الذي اتّسم به الجمال طيلة التاريخ البشري.

“خرافة الجمال”.. كتاب يفضح تواطؤ هوليود والرأسمالية

في 1990، أحدثت الكاتبة الأمريكية “ناومي وولف” ضجة كبيرة في المجتمعات الليبرالية الغربية بصرخة خرجت في شكل كتاب ينتقد ما سمّته “خرافة الجمال”.

تقول الكاتبة في بداية كتابها: كلما ازداد تغلب المرأة على العقبات القانونية والمادية، ازدادت مفاهيم الجمال الأنثوية صرامة وقسوة بدرجة كبيرة، خلال العقد الماضي وصلت المرأة إلى السلطة، لكن في الوقت نفسه، ازدادت اضطرابات الأكل أضعافا مضاعفة، وأصبحت الجراحة التجميلية التخصص الأسرع نموا.

وتتحدث عن دخول الصناعة السينمائية والإباحية على خط التأثير قائلة: خلال السنوات الخمس الماضية، أضحت الإباحية الجنس الإعلامي الأكثر بروزا، متقدما على الأفلام السينمائية والتسجيلات الصوتية مجتمعة. فثمة 33 ألف امرأة أمريكية أخبرن الباحثين أنهن يفضلن خسارة ما بين 4-7 كيلوغرامات على تحقيق أي هدف آخر. وتمتلك النساء اليوم المزيد من المال والسلطة والإمكانيات والاعتراف القانوني أكثر من أي وقت مضى، ولكن فيما يتعلق بكيفية شعورنا تجاه أجسادنا، فقد نكون في الواقع أسوأ حالا من جداتنا غير المتحررات.

إن ما جعل كتاب “ناومي وولف” مثيرا للجدل ليس حديثه عن “وهم الجمال”، بل التواطؤ الذي حصل بين كبار المنتجين في هوليود والشركات التجارية الكبيرة التي تتغذى من عذاب نساء يلهثن باستمرار وراء الكمال، فقد أصبحت المرأة مجبرة على اعتناق أفكار غير واقعية عن الجمال غير موجودة إلا في الشاشات، وأصبح الرجل يبحث عن ممثلة سينمائية لا زوجة.

“الزوجة الخادمة، لكن بصفات ملاك”

أخذت صناعة الإباحية الجمال إلى أبعاد جديدة أفقدت فيها المرأة إنسانيتها، ودفعت الجنسين معا إلى هجر العلاقات العاطفية. ففي دراسة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” سنة 2019، فإن 18% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18-30 عاما لم يمارسن الجنس خلال العام الماضي، و28% من الرجال قالوا إنهم لم يمارسوا الجنس في 2018.

ويقول الطبيب النفسي “ليونارد ساكس”: أصبح كثير من الذكور يفضلون قضاء الوقت في ممارسة الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة الفيديوهات الجنسية، على ممارسة الجنس.

الطبيب النفسي “ليونارد ساكس”

وتقع المرأة إذن ضحية أمام ضغط الإعلام والمجتمع الذي يريدها أقرب إلى جميلات الشاشة، ولكن أيضا يريدها زوجة خادمة طيّعة في البيت، وجبارة ناجحة في مهنتها. إنها أوصاف “الزوجة الخادمة، لكن بصفات ملاك”، كما هو تعبير الفيلسوف الألماني “فريديريك نيتشه”.

وخلال العقود الماضية، حاولت الحركات المدافعة عن النساء فضح تواطؤ الرأسمال ضد المرأة، من خلال تفنيد الفكرة القائلة بوجود “المَلاك الحديدي”، وهي امرأة جميلة إلى حدود أسطورية، كما أنها قوية ومؤمنة بقدراتها إلى درجة تجعل المجتمع يحترمها.

الصراع الداخلي.. أرواح تحلم بأجساد تليق بها

ترى الحركات النسائية أن مثل هذه المعايير جهاز تعذيب غير مرئي يستخدم لمعاقبة المرأة جسديا ونفسيا، فحين تخفق في التماهي مع هذا النموذج تحصد الفشل المهني والزوجي وخيبات نفسية لا تندمل. وعندما تنجح قليلا، فإما أن يقهرها الزمن، أو تقع ضحية وساوس واكتئاب تنتهي معه وحيدة في مستشفى للأمراض العقلية، أو منسية في ركن منزوٍ تتأبط العزلة.

وتعد الموضة والجمال أكثر الصناعات استغلالا للمرأة، فالترويج لصورة “الملاك الحديدي” عبر دور الأزياء يدفع المرأة إلى حالة تشنج داخلي يشبه صراع الروح مع الجسد، إذ تتمنى الروح لو تحظى بجسد يليق بها، ويدفع هذا التنكر للذات كثيرا من النساء إلى خوض صراع مرير من أجل البقاء، فإما جسد مقدود بحلاوة، وصدر نافر، ووسط ضيّق، وساقان جميلتان، أو الانسحاب من السباق نهائيا واحتقار الذات إلى النهاية.

وقد أدت هذه المعادلة القاسية إلى ارتفاع معدلات الانتحار وسط النساء، في حين تفضل أخريات صراعا أبديا من أجل إرضاء المجتمع، في شكل تعذيب يومي للذات بالرياضة المفرطة والحِمْيات الضارة وعمليات تخسيس مكلفة بدنيا وجسديا، مثل ربط المعدة أو قصها أو غيرها.

يوم اللاحمية العالمي.. كوارث تقتل آلاف البشر سنويا

في 1992، قررت الناشطة النسائية البريطانية “ماري إيفنز يونغ” إعلان السادس من مايو/ أيار يوما عالميا لـ”اللاحمية”، لتوعية النساء وباقي المهوسين بصناعة الجسد المثالي بخطر اتباع حميات غذائية قاسية، وأيضا من أجل التذكير بدور الشركات التجارية في التلاعب بعقول البشر، مستخدمةً السينما ووسائل الإعلام والموضة.

فعلى مدى عقود، لاحظت الناشطات النسائيات أن ضحايا الهوس بالجمال تتزايد باستمرار، مما يتسبب سنويا بأمراض مثل اضطراب الأكل وسوء الهضم أو الإصابة بمرض فقدان الشهية.

لكن الخطر لا يتوقف هنا، إذ تؤدي العمليات الجراحية التجميلية إلى وفاة الآلاف سنويا، ففي عام 2017، وجد فريق عمل خاص بالجراحة التجميلية أن ثلاث عمليات تجميلية ضمن كل مئة تنتهي بالوفاة، وفي الولايات المتحدة وجدت إحدى الدراسات أن الأخطاء الطبية التي يمكن الوقاية منها تودي بحياة 400 ألف كل عام، وهي السبب الرئيسي الثالث للوفيات في أمريكا.

ويحدث كثير من هذه الأخطاء القاتلة خلال عمليات جراحية اختيارية، مثل الجراحة التجميلية.

مرض فقدان الشهية.. بداية الرحلة لكسر المفاهيم النمطية

كانت الكاتبة “ماري إيفنز يونغ” نفسها قد عانت من مرض فقدان الشهية العصبي، وألّفت كتابا تنصح من خلاله النساء بعدم الانجرار وراء النزعة التجارية للريجيم المعاصر، وتقبّل مختلف الأجساد، محاوِلةً قلب المفاهيم حول الجمال.

فبعد أن عانت شخصيا من فقدان الشهية، عملت على مساعدة الناس على تقدير أجسادهم، وقامت ببلورة فهمها من خلال تجربتها الخاصة عندما تعرضت للترهيب في المدرسة لكونها سمينة، ومن خلال الحديث إلى المئات من النساء خلال دورات تدريبية تحاول اليوم كسر المفهوم المتداول عن الرشاقة بوصفها قيمة اجتماعية.

“ماري إيفنز يونغ” مؤلفة كتاب “كسر الحمية”

ففي كتابها “كسْر الحمية.. تناول كل شيء دون اتباع نظام غذائي”، ذكرت “ماري” أنها شعرت خلال إحدى هذه الدورات في عام 1991 بالغضب، بسبب محادثة خلال استراحة لشرب القهوة عما إذا كانت النساء سيأكلن بسكويتا أم لا. وتقول إن البشر يُضيعون أوقاتهم في أشياء غير جديرة بالاهتمام، ويشعلون حروبا نفسية للتنافس على معايير وضعها آخرون للربح المادي.

عمليات فاشلة دون استشارة طبية.. عبث التلفزيون

تتحدث “ماري إيفنز يونغ” في الكتاب عن رغبتها في فضح عدم جدوى الأنظمة الغذائية القاسية، بعد حصول حادثتين متتاليتين كان لهما الأثر النفسي البالغ في نفسيتها.

في الحادثة الأولى، تقول إنها شاهدت برنامجا تلفزيونيا يصوّر ثلاث نساء أجرين عملية تدبيس المعدة (جراحة تصغير المعدة) في محاولة لتخفيف أوزانهن، وتقول إن النساء في هذا البرنامج التلفزيوني لم يتلقين الاستشارة الضرورية قبل خضوعهن للعملية، حتى أن إحداهن خضعت لثلاث عمليات كلها فاشلة.

وجدت “ماري” أن البرنامج مؤسف، لكنها تدرك في نهاية المطاف -وهي نفسها عانت من كره عميق لجسدها في وقت من الأوقات- أن نساء العالم وقعن ضحايا الصورة الملتصقة بالأذهان عن الجمال.

مارلين مونرو أصبحت في وقت ما رمزا للجمال الذي صنعه هوليود

أما الحادثة الثانية، فقد صادفتها بعد نحو شهر من مشاهدة البرنامج التلفزيوني، إذ قرأت في الصحافة أن مراهقة أقدمت على شنق نفسها لأنها تعرضت لما يشبه الاضطهاد، بسبب شكلها البدين.

ويسعى يوم اللاحمية العالمي إلى تذكير الناس بأنهم مجرد بشر، وأن السعادة يمكن أن تتحقق خارج التصور الهوليودي للجمال الحسي.

نيل الرضا.. وهم السعادة والابتسامات المزيفة

كان صراع البشر منذ قرون مع ندرة الطعام، لكن في العقود الماضية أصبح الصراع من أجل الجوع وتقييد السعرات الحرارية أقوى من أي وقت مضى، فالإنسان يريد جسدا رشيقا يتحدى الشيخوخة في طريقه للسعادة، لكن الطريق محفوف بالتعاسة والكثير من الأمراض. وربما ليس هناك شيء أعجب من أن يخصص العالم عطلة دولية تذكّر الناس بأن عليهم أن يأكلوا وأن لا يعذبوا أجسادهم.

ضحايا الهوس بالجمال تزداد باستمرار، مما يتسبب سنويا بأمراض مثل اضطراب الأكل وسوء الهضم

واليوم، مع انتشار تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وغيرها، صار التسابق محموما من جديد للحصول على الأجساد المثالية، من أجل افتعال السعادة والابتسامات المزيفة لنيل رضا الآخرين. وقد أدركت الشركات التجارية تعطّش الناس لأن يكونوا أشخاصا آخرين غير أنفسهم، فوفّروا تقنيات المرشِّحات أو الفلاتر الفوتوغرافية لإزالة العيوب وردم الحفر وزرع الشعر الإلكتروني، وغيرها من الخدع الجمالية.

تقول الكاتبة الأمريكية “نعومي وولف” إن الجمال ليس كونيا موحّدا أو غير قابل للتغيير، مع أن الغرب يتظاهر أن مصدر الجمال الأنثوي ينبع من صورة مثالية وضعها أفلاطون، كما أنه ليس دليلا على تطور الأجناس البشرية كما جاء في كتاب “أصل الأنواع” لـ”تشارلز داروين”.