من الغرانا لتل أبيب.. كيف فتكت الصهيونية بالوجود اليهودي بتونس

حتى منتصف القرن الماضي، كان تعداد يهود تونس يزيد على 100 ألف نسمة، بينما يتراوح عددهم الحالي بين ألفين وثلاثة آلاف، فقد طاب لهم المقام قبل ألفي عام. وتعايشوا مع السكان الأصليين وتحدثوا معهم بلغاتهم. تأقلموا مع كل التحولات الحضارية والسياسية ابتداء من الحكم القرطاجي مرورا بالحقبة البيزنطية ثم العهد الإسلامي.

وبينما كانوا في انسجام مع الزمان والمكان، وفد إليهم أبناء عمومة من الخارج، لكنهم أرادوا العيش بنمط مغاير مما أحدثا شرخا داخل الطائفة، ثم انتهى المسار بسرطان تمدد في جسد هذا المجتمع وقضى على وجوده.

حول هذه القصة يدور فيلم من “الغرانا إلى تل أبيب”، الذي يسرد تأثير اليهود القادمين من إيطاليا على أبناء الطائفة الأصليين في تونس، وكيف تشرّب الوافدون الفكر الصهيوني في مرحلة مبكرة ونشروه في المجتمع، مما أدى إلى هجرة الطائفة إلى فلسطين لتجسيد حلم قيام إسرائيل.

الفيلم الذي بثته الجزيرة الوثائقية في مايو/أيار الماضي يتألف من جزئين وتتحدث فيه نخبة من يهود تونس وعربها، ويغطي أهم الأحداث التي حصلت في الفترة من 1710 وحتى اليوم.

يبدأ الوثائقي من جزيرة جربة التونسية حيث يقع كنيس الغربية الذي يزوره آلاف اليهود سنويا ومن كل أنحاء العالم.

ومن المعبد ينطلق طقس “الخرجة”، وهو موكب ديني خلف صندوق خشبي محمول على عجلات يسمى “المنار”، ويسيرون خلفه إلى الحارة الصغيرة التي تسمى أيضا قرية كوهين.

من الناحية الرمزية يشير هذا الموكب إلى تابوت العهد ” الذي يقول اليهود إنهم فقدوه عند تدمير هيكل سليمان “وربما يرمز إلى عودة تابوت العهد إلى القدس” .

وحتى منتصف القرن الماضي، كان تعداد يهود تونس يزيد على 100 ألف نسمة، بينما يتراوح عددهم الحالي بين ألفين وثلاثة آلاف.

وفي حديثها بالوثائقي تقول كلير روبنشتاين وهي مختصة في التاريخ اليهودي التونسي: “الوجود اليهودي بتونس قام بتوثيقه المؤرخ طرطوليان وهو مؤرخ عاش في القرن الثالث بعد الميلاد”.

وتضيف ” إذا أخذنا في الاعتبار كل المعلومات الأركيولوجية ربما يكون الاستقرار الأول لليهود في تونس بدأ منذ العصر القرطاجي ولكن لا توجد أدلة كافية لتعزيز هذا الاتجاه . وتخلص إلى أن الوجود اليهودي في تونس يعود لألفي عام.

وغير بعيد من هذه الخلاقة يقول الباحث في التاريخ اليهودي التونسي عبد الكريم العلاقي إن تواجد الأقلية اليهودية في تونس بدأ في القرن الثاني بعد الميلاد.

من أين جاؤا؟

لكن السؤال المهم لا يتعلق فقط بـ متى  وجد اليهود في تونس، وإنما أيضا بـ: من أين جاؤوها؟

هناك روايات مختلفة للإجابة على هذا السؤال:

وتقول الكاتبة صوفي بسيس: بعضهم جاء من “فلسطين ويهودا، “لكن القسم الأكبر منهم سكان أصليون اعتنقوا الديانة اليهودية كما هو الحال في المغرب. كانوا يشتركون مع المسلمين في الثقافة ويتحدثون العبرية التونسية وهي قريبة من اللغة العربية”.

وتوضح كلير روبنشتاين أن اليهود تأقلموا تاريخيا مع كل المتغيرات في تونس تبعا للتحولات الحضارية والسياسية، فقبل سيطرة العرب على “إفريقية” كانوا يعيشون تحت الحكم البيزنطي وكانوا يتكلمون اليونانية ثم اللاتينية وأخيرا تكلموا العربية عندما سيطر العرب على البلاد.

تنتقل الكاميرا إلى الحارة اليهودية بضواحي مدينة تونس على بعد خطوات فقط من مقام الشيح سيدي محرز الذي يطلق عليه حامي اليهود، كما يصفه التراث الشعبي للطائفة.

وتقر كلير روبنشتاين بأن القوانين التونسية كانت تحمي اليهود “لكن المساواة لم تكن موجودة ولم يكن يسمح لهم بارتداء ملابس شبيهة بتلك التي يرتديها المسلمون ولا يحق لهم السير معهم على رصيف واحد وكان يمنع عليهم ركوب الخيل”.

أما حبيب كزدغلي وهو مختص في التاريخ اليهودي فيتحدث في هذه النقطة عن حماية الإسلام لأهل الكتاب وإعفائهم من المشاركة في الحرب، وفي المقابل منعهم من أي سلوك يثير الريبة والتوجس مثل ركوب الخيل والبناء الشاهق.

استعلاء الوافدين

لكن المساوة كانت غائبة حتى في داخل المجتمع اليهودي نفسه، فيهود الغرنة أو الغرانة كانوا يرون أنهم أرقى من بقية الطائفة ويحرصون على التميز في السكن وأماكن العمل وحتى في المقبرة.

وتطلق الغرنة على اليهود الذين طردوا من إسبانيا واستقروا لفترة في مدينة قرنة ليفورنو بإيطاليا ثم هاجروا إلى تونس في بداية القرن الثامن عشر.

في ذلك الوقت كانت هناك شبكة تجارة واسعة غرب الأبيض المتوسط، ووسط هذا المناخ بدأت حركة هجرة من ليفرونو وبيزا باتجاه تونس.

المجموعة الأولى من الوافدين تعلمت العربية واندمجت في المجتمع اليهودي، لكن المجموعة الثانية رفضت ذلك وحافظت على جنسيتها الايطالية.

يهود تونسيون يهاجرون إلى “إسرائيل” منتصف القرن العشرين

الباحث الإيطالي المختص في تاريخ الغرانا مارتينو جيابونيزي، يروي أنهم كانوا يعيشون وفق النمط الأوروبي في بداية القرن 18 “ويلتكمون اللهجات الأوروبية ويلبسون الشعر المستعار إلى حد أن يهود تونس كانوا ينعتونهم بالكفر”.

وتقول الباحثة لوسات فالنسي “كانوا يعتبرون أنهم أرقى من اليهود التونسيين وكانت لهم مقبرتهم الخاصة وجزارون خاصون بهم ومنظومة جبائية مستقلة داخل الطائفة، لدفع مهور البنات ومساعدة الفقراء ولم تكن هناك زيجات مختلطة” بين الطائفتين اليهوديتين، وكذلك كانت لكل طائفة معابدها الخاصة.

هذا التمايز جعلهم في صدام مع المجتمع اليهودي التقليدي.. وجاء قرار إنشاء مجتمع يهودي جديد مستقل عن يهود تونس بقرار صدر في عام 1710.

ولاحقا انتقل الغرانة إلى الحي الأوروبي بعيدا عن الحارة التي تعاني من الاكتظاظ وصعوبة الوضع المعيشي.

في الحي الأوروبي كانوا يعملون في التجارة والبنوك وكوّنوا نواة مجتمع يهودي مختلف وكانوا يحظون بامتيازات وفق معاهدات رسمية بين تونس وإيطاليا.

عشاق صهيون

بعيدا عن تونس وفي روسيا القصيرية، اغتيل الكسندر الثاني عام 1881 مما أدى لاضطرابات واسعة معادية لليهود. وقد قتل الآلاف وفر آلاف آخرون إلى أميركا وأوروبا. وانخرط البقية في الحركات الشيوعية الثورية، في حين نادت مجموعة صغيرة بالهجرة لفلسطين وأطلقت على نفسها اسم ” عشاق صهيون”.

وفي عام 1897 افتتح الصحفي الهنغاري تيودور هرتزل أول مؤتمر صهيوني. نظم الحدث في سويسرا ومن تلك اللحظة ولدت فكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين، وأوصى المؤتمر بجمع التبرعات لتحقيق هذا الحلم.

صورة تظهر يهودية من طائفة الغرانا في تونس بداية القرن العشرين

في هذا المحور، يوضح رئيس جمعية تاريخ اليهود في تونس كلود ناتف أن الحركة الصهيونية حركة سياسية، بينما حلم العودة الى “صهيون” قبل القرن 19 كانت ذات طابع أسطوري أو رمزي من أجل الصلاة وانتظار عودة المسيح وليس بهدف إقامة دولة في فلسطين.

ومهما يكن، فإن يهود تونس بادروا للتفاعل مع الحراك الصهيوني، فبعد أربع سنوات من تنظيم المؤتمر وجه الحاخام التونسي أبرهام أوزان رسالة إلى هرتزل يثني فيها على الشجاعة الصهيونية ويقول إن لديه أثرياء يمكنه الاعتماد عليهم “ويجب نشر هذا الفكر في المدن التونسية”.

وبالعودة للأرشيف يتضح أن الفكر الصهيوني نشط في تونس قبل مؤتمر سويسرا، فصحيفة البستان اليهودية مثلا عرفت بنفسها كجريدة صهيونية قبل ظهور الحركة الصهيونية في أوروبا.

وفي المقابل، كان هناك تيار وطني عروبي يرفض التجاوب مع الفكر الصهيوني، ومن رموزه جاكوب شملة الذي كان ينادي بالانتقال للحديث بالعربية الفصحى.

الهوى الفرنسي

وعندما خضعت تونس لنظام الحماية الفرنسي عام 1881 أبدى اليهود نوعا من المناصرة لباريس إذ كانوا يعتقدون أنها ستمنحهم جنسيتها كما فعلت مع بني طائفتهم في الجزائر.

وفي 1902 ، أُعلن عن تأسيس الرابطة الإسرائيلية العالمية لتعليم وتحديث يهود الشرق وفتحت أولى مدارسها في تونس .

وفي هذه الحقبة بدأت فرنسة المجتمع اليهودي التونسي في نمط العيش وفي كل شيء، لكن يهود جربة رفضوا هذه المدارس “وهذا يفسر حقيقة أنهم ظلوا الفئة الأكثر تعريبا”.

ويقول العلاقي “ظهرت نخب يهودية تونسية جديدة وأخذت مواقع هامة”. ويوضح حبيب كزدغلي: هناك تياران: يهودي صهيوني وآخر اندماجي مع فرنسا.

يهود الغرانا كانوا ينعتون بالكفر من طرف اليهود التونسيين المحليين

لكن فرنسا خيبتهم، إذ وضعت في 1910 شروطا صعبة وصادمة للجنسية بينها الحصول على شهادة الدكتوراه، مما يعني أنه لن ينالها سوى عدد ضئيل جدا.

وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى انخرط المسلمون والفرنسيون في القتال بينما كانت القوانين لا تسمح بتجنيد يهود المستعمرات، ونتيجة لذلك خيم الموت والجوع على الأحياء العربية والفرنسية في تونس، بينما لم تفقد الحارة اليهودية أيا من أبنائها.

وفي سنة 1917 قامت حركة واسعة ضد اليهود وحصلت تجاوزات بحقهم “نفذها الجنود”.

رحيل العدو ووعد الصديق

في 1928 أطاح الثوريون بالقيصر الروسي وهو ألد أعداء الصهيونية، وفي ذات العام أطلق وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور وعده الشهير بإقامة وطن لليهود في فلسطين.

وقد تفاعل يهود تونس مع هذا المناخ الإيجابي وبدأ تشكيل الجمعيات وبرزت نخبة صحفية صهيونية في البلاد.

حارة اليهود في تونس 1902م

وعمل فرع البيتار المتطرف على استقطاب الشباب وتربيتهم على الفكر الصهيوني، ولكن مدارس الرابطة لم تتبن الفكر الصهيوني.

وبشكل عام فإن يهود الغرانة كانوا الأكثر تأثيرا في كل المجالات وقد تعاطت معهم الحركات والأحزاب الوطنية التونسية، “بينما وجد فقراء اليهود أنفسهم خارج اللعبة”.

محطات

في 1932 أطلقت حملة تبرعات في سوسة لشراء بضائع من مستوطنات يهودية في القدس، من أجل دعم أصحاب هذه المستوطنات وتشجيعهم على البقاء والإنتاج.

وفي عام 1933 شهدت تونس مظاهرات عارمة ضد تجنيس فرنسا لليهود. وقد استغل الزعيم الحبيب بورقيبة المناسبة لمهاجمة سياسة التجنيس.

ورغم كونه ناضل في صفوف الحركة الوطنية بتونس، فإن اليهودي سيتبون يعلق على هذه المرحلة بالقول ” كان تعايشا صعبا لأن الوطنية كانت خاصة بالمسلمين.. وكان وجودي زائدا عن اللزوم” .

وبينما كانت الحركة الوطنية تزداد قوة في تونس، كانت الحركة الصهيونية في المقابل تزداد انتشارا.

وفي عام 1936 ظهرت الكشافة الصهيونية والحركة الشبابية القريبة من تنظيم البيتار، ونزل للشوارع أطفال صغار يجمعون التبرعات للصندوق القومي اليهودي في القدس.

في عام 1938 حدث تحول مهم في تاريخ الغرانة، فقد أعلنوا القطيعة مع إيطاليا ردا على تحالف الفاشية مع النازية.

صحيفة البستان اليهودية مثلا عرفت بنفسها كجريدة صهيونية قبل ظهور الحركة الصهيونية في أوروبا

وفي هذه الحقبة واصلت المنظمات الصهيونية نشاطها في تونس، لكن الهجرة إلى فلسطين ظلت محددوه، ويقول حبيب كزدغلي: كانت الهجرة قبل 1948 بتأثير وازع ديني”.

أما عميل الموساد المسؤول عن الهجرة السرية غاد شاهار فيتحدث عن هذه المرحلة قائلا: كانوا يرسلون أشخاصا، أربعة أو خمسة، لمعرفة الوضع.

ويعترف غاد شاهر بأنه كان يعيش حياة رائعة في تونس، ويتذكّر كيف كان يتسكع في المرسى وحلق الوادي وأنه كان يشعر بأنه أوروبي قبل أن يتصهين في عام 1942.

منعرج خطير

في ديسمبر 1942 احتل الألمان تونس لمدة ستة شهور، وخلال هذه الفترة تعرض اليهود للقمع ووضع خمسة آلاف منهم في المعسكرات، وبينهم عدد قليل رُحلوا لمعسكرات الإبادة في ألمانيا، وفق العلاقي.

أما روبنشتاين فتعلق على هذه الحقبة بالقول” كان هذا رهيبا وأُخذ أعيان الطائفة كرهائن.. نحن نحيي ذكراها سنويا في باريس وحتى في تونس منذ فترة قصيرة”.

رغم ذلك فإن الباحث في تاريخ الحركة الصهيونية العربي السنوسي يقول إن القنصلية الايطالية وفرت الحماية ليهود الغرنة باعتبارهم من رعاياها ويؤيدون سياستها.

في عام 1936 ظهرت الكشافة الصهيونية والحركة الشبابية القريبة من تنظيم البيتار، ونزل للشوارع أطفال صغار يجمعون التبرعات للصندوق القومي اليهودي

وعلى كل حال فإن سياسة قمع اليهود لم يباركها التونسيون بل رفضها الملك منصف باي إذ أكد على ضمان أمن التونسيين جميعا يهودا ومسلمين، وقبل ذلك بأشهر استقبل وفدا من الطائفة اليهودية لطمأنتهم.

ومن المهم في هذه المرحلة ما تشير إليه الكاتبة صوفي بسيس: “الأكيد أن المجتمعات اليهودية في العالم العربي لم تعرف المذبحة. محرقة اليهود الهتلرية كانت محرقة أوروبية”.

المؤكد أيضا أن هذه المحنة لم تطل كثيرا إذا يعرض وثائقي الجزيرة جزء من تقرير إخباري عن المكاسب الميدانية للحلفاء وتقهقر ألمانيا في تونس: ” يتواصل دفع العدو أكثر عبر الضغط. في 10 أبريل يخسر مدينة صفاقس وفي 12 ابريل تتبعها سوسة.. وفي 20 ابريل ، بعد شهر من القتال، تمكن الجيش الثامن من دحر العدو بين هضاب مدينة النفيضة”.

عودة النشاط

يومها تنفس يهود تونس الصعداء. وفي مايو/أيار من عام 1942 بات بإمكانهم نزع النجمة الصفراء التي فرضها عليهم الألمان لتمييزهم عن بقية المجتمع التونسي.

وفي السنوات اللاحقة، واصل الفكر الصهيوني تمدده بين يهود تونس، وعملت تنظيمات يهودية على تشجيع الهجرة لفلسطين وتوفير الدعم للمستوطنات اليهودية هناك.

وليس هذا فحسب، إنما بدأت وحدات الهاغانا جمع السلاح والتدرب في معسكرات سرية في مدن تونس وصفاقس وقابس ” من أجل الوصول لإسرائيل”.

يهود غرانا متطوعون في الجيش الفاشي في تونس 1935

في الرابع من مايو/أيار عام 1948 أعلنت الأمم المتحد قيام دولة إسرائيل، وشكل الحدث انتصارا لليهود الصهاينة في تونس على حساب الاتجاه المحافظ والاندماجي.

وبين عامي 1948 و 1956 هاجر أكثر من 26 ألف يهودي من تونس إلى ما بات يعرف بإسرائيل.

لكنهم لم يجدوا إسرائيل التي خُيلت إليهم، إنما كانوا يوضعون في معسكرات رثة ويُرسلون مباشرة للعمل في ظروف تعيسة ومجالات غير مناسبة، إلى حد أن صائغ ذهب تونسي طلب منه العمل في مصنع بلاستيك، وبعض الذين صدمتهم الخيبة عادوا لتونس.

في إسرائيل أيضا كانت هناك معارضة قوية ضد استقدام يهود البلدان العربية باعتبارهم متخلفين وسيضر وجودهم بالدولة الناشئة وفق النمط الأوروبي.

هذه المعارضة جعلت الوكالة اليهودية تضع قواعد صارمة تقتضي باستقدام الشباب والأطفال و”أما المسنون فلا حاجة لنا بهم”.

النهم الاسرائيلي للأطفال والشباب قابله رفض تونسي، مما استدعى تعاون الموساد مع أطراف يهودية أميركية وعالمية لتهريب اليهود من تونس.

تباشير الاستقلال

تقول حفيدة جاكوب شملة لوسات فالنسي “الاستقلال لم يكن يخيفنا وكنا نهتف “يحيى بورقيبة عنما يمر من أمام شبابيكنا في حلق الوادي. كان هناك حماس فياض وتقاسمنا الفرحة مع التونسيين”.

أيّد اليهود استقلال تونس عن فرنسا لكن بعضهم كان خائفا ولسان حالهم: الفرنسيون هم الذين كانوا يحموننا.

وقد استقبل زعماء الطائفة بورقيبة عند عودته من المنفى. وصرح الزعيم العائد بأنه لن يمنع أحدا من الرحيل على عكس ما كان اليهود يخشون. وضمت بعض حكومات ما بعد الاستقلال وزراء من الطائفة اليهودية.

بين عامي 1961 و 1962 هاجر نحو 25 ألف يهودي من تونس وكانت وجهتهم فرنسا

في 1957 ألغيت الملكية في تونس، ونص الدستور على أن الدولة ذات نظام جمهوري ولغتها عربية ودينها الإسلام ..ولكن الدستور ضمن الحرية الدينية لليهود، أما في الوظيفة العمومية فليس هناك اعتبار لدين الشخص.

لم يصدر أي مرسوم ضد اليهود ولم تُصادر أموالهم ، وإنما نالهم ما نال المسلمين عندما قرر بورقيبة وضع يد الدولة على المؤسسات الدينية.

وتروي روبنشتاين أن الفترة من 1952 إلى 1959 شهدت “تعايشا رائعا وأمنّا فيها”، فيما “تراجع الحماس للهجرة وهناك انتظار وريبة”، وفق العربي السنوسي.

دماء بنزرت

في عام 1961 حصلت معارك بين مواطنين تونسيين وجنود في آخر قاعدة فرنسية في البلاد، وسقط أكثر من ألف قتيل تونسي.

وقيل إن بعض الجنود الفرنسيين يهود وضُخّم دورهم. ومن هذا المنطلق اتهم اليهود بأنهم طابو خامس لفرنسا.

وبين عامي 1961 و 1962 هاجر نحو 25 ألف يهودي من تونس وكانت وجهتهم فرنسا.

سيئات النكسة

عندما هزمت إسرائيل الجيوش العربية في نكسة 1967، شعر التونسيون بخيبة بالغة بينما ابتهجت الطائفة اليهودية، مما جر عليها نقمة المجتمع.

وينصح الباحث في التراث اليهودي التونسي برنارد علالي بعدم الخلط بين معاداة السامية والمشاكل التي كان يواجهها اليهود في تونس، إذن أن “معادة السامية رغبة في استئصال مجموعة بشرية”.

وتذْكر حفيدة جاكوب أنها زارت تونس في الصيف وصدمت عندما قابلت يهودا لم يكن لهم اهتمام بالسياسة يُغلقون الشبابيك في ساعة الغداء ليستمعوا للإذاعة حتى يعرفوا ما يجري في إسرائيل.

عندما هزمت إسرائيل الجيوش العربية في نكسة 1967، شعر التونسيون بخيبة بالغة بينما ابتهجت الطائفة اليهودية، مما جر عليها نقمة المجتمع

وعقب النكسة شهدت تونس مظاهرات “تحولت إلى متاجر اليهود”، ورغم أن النخب أدانتها فإن الحرب الإسرائيلية العربية أسدلت الستار تقريبا على الوجود اليهودي في البلاد.

وترى الكاتبة صوفي بسيس أن إسرائيل “سرطان عفّن العلاقات العربية اليهودية إلى اليوم”.

ويوضح العربي السنوسي أنه بعد 1967 لم يبق من يهود تونس إلا 26 ألفا، وهو عدد تقلص تدريجيا إلى “حوالي ألفي يهودي مازالوا إلى اليوم يعيشون” في البلاد.

وتقول روبنشتاين إن اليهود أحبوا بورقيبة، وتصف ما حصل في عهده بالموعد الضائع، لكن الفرصة ربما يمكن تعويضها، وقد يجمع الوطن الشتيتين بعد الفراق، ولعل المُخرج أبقى على هذا الأمل قائما عندما ختم الفلم بمشهد يشارك فيه يهود في أداء النشيد الوطني التونسي:

 حُمَاةَ الْحِمَى يَا حُمَاةَ الْحِمَى هَلُمُّوا هَلُمُّوا لِمَجْدِ الزَّمَــنْ

لَقَدْ صَرَخَتْ فِي عُرُوقِنَا الدِّمَا نَمُوتُ نَمُوتُ وَيَحْيَا الْوَطَنْ

لتدو السَّمَاوَات بِرَعْدِهَا لِتَرْمِ الصَّوَاعِقُ نِيرَانَهَ