وحوش البرية.. مواجهة الفيلة والنحل في مزارع زيت النخيل

خاص-الوثائقية

بورنيو هي ثالث أكبر جزيرة في العالم، وأكبر جزيرة في آسيا تقع في أرخبيل الملايو في مجموعة جزر سوندا الكبرى، وهي مقسمة سياسيا بين إندونيسيا وماليزيا وبروناي. وتوجد فيها علاقة معقدة بين الحيوانات البرية والمعرضة للانقراض بالقانون، وبين سكان الجزيرة، ويحاول الخبراء والباحثون إيجاد مساحة مشتركة للحفاظ على الطرفين.

وفي هذه الحلقة التي عرضتها الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “براري بورنيو”، نرافق فريقا دوليا من الحراس على الخطوط الأمامية لحماية التنوع البيولوجي، إذ يسعون جاهدين لإدارة علاقة الإنسان بالبرية.

 

يتوجه فريق العمل إلى منطقة صباح شمال شرقي بورنيو التي كانت تسيطر عليها الفيلة في العصور القديمة، وظلت آلاف السنوات تبحث عن الطعام والملاذ في المسارات ذاتها، إلا أن الإنسان غيّر عالمها، والأرض التي كانت غابة استبدلت بمساحات شاسعة مزروعة بأشجار نخيل الزيت، وهذه تعد جائزة مذهلة للفيلة التي باتت تقتات من أملاك ملاكي الأراضي.

ففي سوكاو كيلبتنغن، هاجمت مجموعة من الفيلة هذه المزرعة، وحطمت عشرات الأشجار وحولتها إلى عديمة الفائدة.

“إنها كالحلوى بالنسبة للفيلة”.. حماية مزارع النخيل

أمضى الباحث الشاب “سيمون لوفارد” الأشهر الـ18 الماضية في دراسة هذه المشكلة. يقول “سوهيلي” -وهو أحد السكان المحليين، ويمثل صلة الوصل بين “لوفارد” وأصحاب المزارع والمزارعين-: بإمكان فيل واحد إسقاط أكثر من 70 شجرة في ليلة واحدة، إنها كالحلوى بالنسبة للفيلة، والأشجار التي تدمر لن تنتج ثمارا على مدار السنوات الــ24 المقبلة.

تهاجم الفيلة مزارع نخيل الزيت، وبإمكان فيل واحد إسقاط أكثر من 70 شجرة في ليلة واحدة

 

تتناول فيلة بورنيو حوالي 250 كيلوغراما من النباتات يوميا، وقد يخسر المزارعون الصغار مصدر رزقهم بين عشية وضحاها، إضافة إلى أن العلاقة بين البشر والفيلة مقلقة في بورنيو، فرغم أن الفيلة محمية وفقا للقانون، فإن بعض المزارعين المحليين يقتلونها للحفاظ على أرزاقهم.

الطريقة الوحيدة للحفاظ على سلامة الفيلة، هي إبقاؤها بعيدة عن المزارع، ولدى الباحث “لوفارد” خطة قد تحقق ذلك.

صوت النحل.. رعب يتخلل أصوات الغابة المعتادة

في لوكاوي التي تحتضن إحدى المحميات الطبيعية في بورنيو، وصل “لوفارد” لاختبار فكرته على أرض الواقع، وفي حال نجاحها ستكون فكرة ثورية، وقد تعلم أسلوب إدارة الحيوانات الأفريقية في القارة السمراء، وفيها تُردع الفيلة باستخدام النحل، ويأمل أن تنجح هذه الطريقة في إبعادها عن مزارع نخيل الزيت.

تقوم تجربة النحل على إصدار أصوات معتادة في الغابة، ثم يطلق صوت النحل، وخلال 4 ثوان يرتفع صوت النحل إلى مستوى أعلى، ولكن ليس “إلى حد الجنون، بل مجرد صوت بنوعية جيدة تكاد تكون حقيقية” بحسب تعبير “لوفارد”.

تجربة طرد الفيلة من مزارع النخيل بواسطة إطلاق صوت النحل

 

وعلى الرغم من أن حراس المحمية مرتابون، فإن “لوفارد” غير محبط، ويقول: كنا نعمل منذ فترة طويلة، وسيحدث ذلك الآن في 8 دقائق، أشعر بالقلق نوعا ما، فالحيوانات والطاقم في مواقعها، والكل يترقب ردة فعل الفيلة.

رفرفة الآذان.. عودة الوحوش السعيدة إلى طعامها المفضل

في البداية بدأ تشغيل أصوات من الغابة المحيطة، فبقيت الفيلة هادئة، ومن ثم بدأ صوت النحل، وبدا أن تجربة “سيمون” تؤتي أُكلها، ولكنها لم تكن ناجحة تماما، لأنها لم تبق الفيلة بعيدة عن طعامها المفضل وهو الجزر.

لم تنجح تجربة “لوفارد”، وعادت الفيلة مجددا لمكان وجود الجزر لتلتهمه، ورفرفة آذانها علامة مؤكدة على أنها مرتاحة، ولم يطرأ أي تغيير في تصرفاتها، وابتعادها لدى صدور الأصوات إنما كان بدافع الفضول فقط، وعلى الرغم من النجاح المبكر لم يحالف هذه التجربة الحظ.

ويبرر الباحث “لوفارد” عدم النجاح، بقوله: ربما لم تجرب بعد صوت النحل في البرية، أو لم تتعرض للدغة أو ما شابه ذلك، ويبدو كأنه أمر جديد بالنسبة لها فقط، حسنا لا أعلم ماذا يطلق على هذه التجربة من المفردات العلمية، وربما يسمى فشلا.

لكن “لوفارد” غير محبط، فإن لم يكن صوت النحل كافيا لوحده، فربما يكون النحل الحقيقي مجديا.

ملكة النحل.. عدو شرس يرعب قطيع الفيلة

رغم الفشل الأول، فإن “لوفارد” لم يستسلم، وواصل في إيجاد طريقة أخرى لإنجاح تجربته، ويدرك الباحث الشاب الآن أن صوت النحل غير كاف لوحده لإبعاد الفيلة عن أشجار نخيل الزيت، ولهذا أراد التوجه نحو النحل الحقيقي وإيجاد الكثير منه.

استعان “لوفارد” بخبيرين في تربية النحل لمساعدته في جمع بعضه، ولكن العملية يجب أن تكون دقيقة وسريعة كي لا يشن النحل هجوما على الفريق. وبعد التأكد من أن الملكة أصبحت بداخل الصندوق الذي كان بحوزتهم، أنهوا المهمة وانسحبوا بسرعة، فلدى الفريق الآن ما يحتاجه لإتمام المهمة.

أثبتت التجارب الميدانية أن النحل يستطيع طرد الفيلة من المناطق التي تتواجد فيها خلاياه

 

فالباحث يريد إثبات أن النحل حاجز طبيعي فعال لإبعاد الفيلة عن مهاجمة المحاصيل، فأحد حراس المحمية يتوقع أن تمسك الفيلة بالصندوق الذي يوجد فيه النحل وتحطمه وترميه على الأرض. ورغم وجود الغذاء، ظهرت الفيلة مشتتة ومنزعجة من وجود النحل، وبدأت بإصدار أصوات غير طبيعية.

“هذه قوة الطبيعة”.. حاجز ضئيل بين الفيلة وما تشتهي

يقتضي الجزء الثاني من التجربة إنزال الصناديق التي تحتوي على النحل إلى مسافة قريبة من الفيلة التي تتناول الطعام، وفجأة بدا واضحا أن هذا الفيل الكبير يخاف من هذه الحشرة الصغيرة، وبات لدى الباحث “لوفارد” دليل ملموس بأن الفيلة ستفر من النحل.

أراد “لوفارد” الانتقال بالتجربة إلى مستوى آخر، يقضي بأن يختبر الفيلة، ليعرف ما إذا كان يمكنها التغلب على مخاوفها للوصول إلى طعامها المفضل وهو الجزر.

وبعد إحضار الجزر تهافتت الفيلة لتناول طعامها المفضل، ولكن مع اقتراب النحل تراجعت ولم تأكل طعامها المفضل، ليثبت الباحث الشاب أن النحل هو الحل، قائلا: هذه قوة الطبيعة.

وقد منحت دراسة “لوفارد” الأمل في إمكانية تحسين العلاقات بين الأمل وسكان بورنيو.

قرد الململة.. بلاغ عن حيوان متوحش مهدد بالانقراض

هناك في ساراواك وفي مركز “ماتنغ” للحياة البرية، يستلم الحارس “سيالي” ضيفة مميزة جدا، وهي قردة الململة. ويقول “سيالي”: تلقينا اتصالا يخبرنا بأن هذه القردة المسكينة كانت تتجول في محيط المناطق السكنية، إنها قردة محمية تماما، ويجب إنقاذها والاعتناء بها، لذا اتصلوا بالدفاع المدني لإنقاذها.

ويستغرب “سيالي” من الأمر قائلا: قرود الململة حيوانات متوحشة جدا، ولا تريد الاقتراب من البشر، ولكن هذه القردة قريبة جدا منا.

قرد الململة ذو الأنف الطويل

 

هذا السلوك الودي من القردة غير طبيعي، ولهذا استعان “سيالي” بمدير الطب البيطري في “ليو بيدل” الذي أيضا حيره تصرف القردة. ويقول: إن قرود الململة تأكل الأوراق، ولا تستطيع هضم السكر الموجود في الفاكهة.

ويتابع: من بين القرود التي مرت علي، شاهدت قردة من قرود الململة كانت في قفص، وأعطاها أحد الأشخاص موزة لتأكلها، ولأنها كانت جائعة أكلتها، ومن بعدها ماتت مباشرة.

“نخطط لإطلاق هذه القردة ذات الأنف الطويل”

بعد فحص القردة وجد “بيدل” أنها لم تأكل منذ فترة طويلة وتعاني من الجفاف، وأنها في حالة حرجة، فهذه القرود مهددة بالانقراض، ويدرك “بيدل” أن خسارة قرد واحد عبارة عن مأساة، ولكن الخبر السيئ أنه تعامل في السنوات الأخيرة مع نحو 25 قردا من قرود الململة، وكل القردة التي كانت بحالة حرجة ماتت، غير أن “بيدل” برر ذلك بأنه كان يفتقد جزئيا لمهارة إنقاذها.

هذه المرة يبدو أن “بيدل” مصر على إنقاذها وليفعل ذلك عليه البدء بإطعامها، ولكن الطعام الذي يُقدم لها لا يبقيها على قيد الحياة، ولهذا عليه نقلها لمكان تستطيع الحصول فيه على الطعام المناسب. ويقول “بيدل”: إن سلوك القردة تغير، وأصبحت أكثر عدوانية بعد حصولها على الطعام.

بات من الواضح أن هذه القردة متوحشة، ولهذا قرر “بيدل” نقلها إلى الطبيعة ويشرح قراره قائلا: هناك جزيرة غير بعيدة سمحت لنا الدولة بإطلاق الحيوانات المحمية إليها، ونخطط لإطلاق هذه القردة ذات الأنف الطويل التي نرى أنها برية ومتوحشة.

شجرة المانغروف.. “القرد الثالث الذي نطلقه بنجاح خلال عقد”

صادف “بيدل” و”سيالي” طقسا سيئا جدا وعاصفة هوجاء، مما دفعهما للانتظار، ولكن حالة القردة السيئة لا تسمح لها بالبقاء في القفص طويلا، وبعد انتهاء العاصفة سارع الرجلان لأول قارب تمهيدا لإطلاق القردة في جزيرة بالبحر.

وأصر الفريق على إطلاقها على شجرة مانغروف المليئة بالأوراق المفضلة لديها، لكن هل ستتناول الطعام؟

شجرة مانغروف المليئة بالأوراق هي الطعام المفضل لقردة الململة

 

يقول “بيدل”: إنه أمر رائع، أول شيء فعلته كان البدء بتناول القليل من الطعام، كانت تعاني من نقص شديد في الوزن، أظن أن هذه هي القرد الثالث الذي نطلقه بنجاح خلال عقد، من الجميل رؤية كائن يندمج تماما ببيئته، ونأمل أن نراها على مدى الأسابيع المقبلة، فهناك أمل لهذه القردة بالنجاة رغم الصعاب.

حراس الحياة البرية.. حماية الأسواق من المنتجات الممنوعة

تزخر أسواق شارع كوتيكتبالو في منطقة صباح بالنشاط، بالنسبة لأولئك الذي يعملون في التجارة المحلية، إلا أنه لا ينبغي أن يكون لكل شيء ثمن.

“ملفن أماندز” كبير حراس الحياة البرية في إدارة الحياة البرية بمنطقة صباح، مزود بكاميرات مخفية، ويريد ضمان عدم الاتجار بمنتجات الحياة البرية غير الشرعية هنا، وقد وظف مراقبتيْ الحياة البرية دون مقابل -وهما “نور” و”فينيسا”- للتحقق من تجار النباتات، في حين يبحث زميلهما “لوكاس” عن منتجات من حيوانات غير شرعية.

وخلال جولة المراقبين استطاعوا إثبات أن بعض التجار المحليين يبيعون منتجات ونباتات يحظر بيعها، ولهذا تدخل كبير الحراس لتفتيش أكشاك هؤلاء التجار للتأكد من قانونية البضاعة التي يبيعونها، غير أن “ملفين” تحرك بسرعة لم تكن كافية لإيجاد الدليل، لأن هناك من حذر صاحبة الكشك لتخفي ما لديها من منتجات غير قانونية.

صحيح أن فريق الحراس غادر خالي الوفاض، لكن الأمر لم يكن مضيعة للوقت، لأنه استطاع اكتشاف كشكين مخالفين للقانون، والآن كل ما عليه هو إمساكهما متلبسين.