استكشاف الكون.. بحث الإنسان عن الحضارات الذكية خارج الأرض

يقول كاتب الخيال العلمي “آرثر كلارك”: هناك احتمالان، إما أننا وحدنا في الكون، أو لسنا كذلك، وكلا الاحتمالين مرعب على حد سواء1.

هذا إذا أخضعنا الكون بأسره في مختبراتنا، وطوعنا كل أداة ووسيلة ممكنة لدراسته، سنجد أنفسنا في نهاية المطاف عالقين في متاهة مريعة، بأن نحصل على إجابة واحدة من احتمالين اثنين لا ثالث لهما، إما أن هناك مخلوقات ذكية أخرى غيرنا، أو أننا وحدنا في فضاء شاسع مهيب نسبح في أفلاك إهليجية إلى مستقر مكتوب.

إن الإنسان يجهل أكثر مما يعرفه، وإن ما يجهل أنه يجهله أكثر بكثير مما يجهله، ولعل إحاطة الإنسان المحدودة بالبيئة والمخلوقات البحرية القابعة في المحيطات الموجود على كوكب الأرض -التي لا تتجاوز ٢٠% كما يشير إليه “مكتب استكشاف المحيطات والبحوث” (NOAA)- يعد أكبر دليل على أن ما استتر كان دائما أعظم مما ظهر بالنسبة لنا2.

وإذا وجهنا أنظارنا نحو السماء فإن الرقعة بلا شك ستتسع أكثر، وإن إدراكنا ومعرفتنا وعلمنا بما حولنا سيتهاوى بشكل جنوني، ولكي ندرك لأي حد من الجنون والعجز قد يصل الإنسان إليه في مضيه في التنقيب والبحث، فإننا بحاجة إلى أن ندرس حجم هذه الرقعة الهائلة، رقعة الكون.

حساب المسافات الفلكية.. من الإغريق إلى عصر النهضة

بادئ ذي بدء لم يكن حساب المسافات الفلكية بالأمر الهين منذ أول محاولة بشرية حتى اليوم، ولكن بفضل استخدام بعض القواعد الرياضية في علم المثلثات، استطاع بعض العلماء الأقدمين التوصل إلى نتائج مرضية إلى حد كبير في قياس المسافات بين الأجرام السماوية القريبة.

ففي عام 240 قبل الميلاد، قام عالم إغريقي يدعى “إيراتوستينس” (Eratosthenes) بتجربة فريدة للغاية لحساب محيط الأرض بتكليف رجل لقياس المسافة بين مدينتي الإسكندرية وأسوان في مصر خطوة بخطوة، ثم قام بقياس ظل عامود تحدثه أشعة الشمس في الإسكندرية في وقت تكون به الشمس متعامدة على أسوان وذلك في يوم الانقلاب الصيفي الذي يوافق يوم 21 يونيو/حزيران.

وجد إيراتوستينس أنّ الزاوية التي يشكلها الظل بالنسبة للعامود تساوي 7.12 درجة، وبملاحظة مسبقة عن أن الأرض كروية بسبب ظهور ظل الأرض مقوسا على القمر لحظة الخسوف، مما يعني أن محيط الأرض يشكل 360 درجة، وبمعرفة المسافة بين المدينتين أسوان والإسكندرية، استطاع إيجاد العلاقة الرياضية الملائمة بين المتغيرات ليحصل على مسافة محيط الأرض، واستطاع أن يحصل على قيمة لمحيط الكرة الأرضية لا نعلم مدى دقتها لأنها قيست بوحدة الستاديوم، لكن مهما يكن من أمر، فقد كانت الطريقة علمية دقيقة3.

قانون كبلر الثاني الذي يصف سرعة الكوكب في مداره حول الشمس

عصر النهضة والبحث عن الكائنات الأخرى

ثم جاء بعده بأعوام قليلة عالم الرياضيات الإغريقي “أرسطرخس الساموسي” (Aristarchus of Samos) ليضع عدة مفاهيم وفرضيات عن الكون، إذ كان من أوائل من افترض أن الشمس هي مركز الكون، وأن طول قطرها يعادل ما بين 6.3 و7.2 ضعف قطر الأرض -في الحقيقة طول قطر الشمس يساوي 109 ضعف طول قطر الأرض- وإن بدت محاولة أرسطرخس خاطئة، لكنها كانت مستندة على ثلاثة مفاهيم هندسية:

1.    كما تم ملاحظته أثناء الخسوف أن طول قطر الأرض يساوي ضعف طول قطر القمر.

2.    كلاهما الشمس والقمر يمتلكان قطرين زاويين يساويان نصف درجة.

3.    في ربع الشهر القمري، تبتعد الشمس عن القمر مسافة زاوية تعادل 87 درجة.

وبإيجاد علاقة هندسية بين المعطيات أعلاه، تمكن من إيجاد قطري الشمس والقمر، وبالطبع جميع تلك المفاهيم لم يتم إدراكها بالحسابات الرياضية الدقيقة وإنما بالملاحظة، وهو ما يفسر لنا عدم صحة أرقام أرسطرخس، إلا أنها كانت طريقة رياضية هندسية على أية حال. وإذا ما قمنا اليوم بتصحيح المعطيات الثلاثة وثم استخدمنا ذات العلاقة الهندسية، فإننا سنحصل على إجابات مرضية للغاية4.

وإذا اتجهنا نحو نطاق أوسع، نحو الكواكب، نجد أن الإغريق فيما سبق كانوا على دراية بأن الكواكب تتحرك على مستوى واحد في السماء، هذا لأنها تظهر في السماء خلال أشكال الأبراج النجمية، وهذا ما كان يسهل تحديد مسارها.

وفي عصر النهضة العلمية في أوروبا، ظهر العالم البولندي “نيكولاس كوبرنيكوس” (Nicolaus Copernicus) في القرن السادس عشر ليساهم في إيجاد المسافة التي تفصل بين الأرض وكوكب المريخ باعتبار أن الشمس هي المركز وأن جميع الكواكب تدور حولها بمدارات دائرية.

إلا إن ذلك لم يكن صائبا في الحقيقة ولم تتوافق السجلات الحسابية مع شكل مدارات الكواكب الدائرية، وهذا ما دعا العالم الألماني “يوهانس كبلر” (Johannes Kepler) الذي عاش في نفس الحقبة الزمنية، إلى تصحيح ادعاء “كوبرنيكوس”، إذ قال إن مدارات الكواكب هي بالأحرى إهليجية “بيضوية” بدلا من أن تكون دائرية. ثم وضع قوانينه الثلاثة الشهيرة الراسخة في علم الفلك:

1.    تدور الكواكب بمدارات بيضوية حول الشمس.

2.    تتغير سرعة الكوكب بتغير مواقعها حول الشمس، فكلما كان أقرب كان أسرع والعكس صحيح.

3.    يتناسب مربع الفترة المدارية للكوكب مع مكعب نصف طول مداره الأكبر حول الشمس.

وبتلك القوانين الثلاثة أصبح من السهل التعرف على جميع خصائص حركة الكواكب والمسافات الكونية بين الأجرام السماوية القريبة في مجموعتنا الشمسية باستخدام الرياضيات فحسب.

لا يزال علماء الفلك يبحثون عن سعة هذا الكون، لكنهم لم يبلغوا بعد معشار ما يصبون إليه

“إشعاع الخلفية الكونية الميكروية”.. قياس عمر الكون

إننا كلما ابتعدنا عن الأرض نجد أن رقعة الكون تتسع أكثر وأكثر، وأن مخزون الرياضيات الكلاسيكية والهندسة الذي نمتلكه يكاد لا يكفينا في حساب المسافات البعيدة بين الأرض وبين النجوم والمجرات، فضلا عن حساب حجم الكون.

لكن مع تطور العلم والتكنولوجيا أصبح بين يدي علماء الفلك أسلحة فعالة للغاية للإجابة على العديد من التساؤلات، وإن بدت الإجابة بدقة عن حجم الكون بعيدة المنال لصعوبة التحقق من ذلك بيقين تام.

ففي عام 2013 أعلن تلسكوب بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية عن صورة “إشعاع الخلفية الكونية الميكروية” (cosmic microwave background CMB) التي تعد أدق وأقدم صورة ممكنة للكون، إذ يبلغ عمر الكون في الصورة 380 ألف سنة، وقد استخدمت التلسكوبات الراديوية بدلا من التلسكوبات البصرية لالتقاط الموجات الكهرومغناطيسية المنتشرة بين النجوم والمجرات في الصورة، ويظهر كذلك توزع هذه الإشعاعات التي تشير إلى تباين الحرارة من مكان إلى آخر، كما يظهر أن متوسط حرارة الكون تساوي 2.73 كلفن، وهو ما يعادل 270.42 درجة مئوية تحت الصفر.

وإذا تخيلنا أن الكون يمثل رجلا عمره 80 سنة، فإنّ هذه الصورة ستظهر ذلك الرجل كطفل حديث الولادة عمره أقل من يوم واحد5.

وتكمن أهمية هذه التحفة العلمية البديعة في أنها تمنح العلماء القدرة على تقدير عمر الكون البالغ 13.8 مليار سنة بدراسة “التذبذبات الصوتية الباريونية” (baryonic acoustic oscillations) التي تملأ الصورة (الباريونات هي المادة التي يتكون منها الكون والنجوم). فتلك الأشعة غير المرئية كما تظهر في الصورة قد قطعت هذا القدر من السنوات لكي تصل إلينا بهذا الشكل، وباستخدام العلاقة بين المسافة والضوء “الأشعة الكهرومغناطيسية” فإننا سنجد أننا أينما وجهنا أنظارنا بجميع الاتجاهات حولنا فإننا نرى مسافة تعادل 13.8 مليار سنة ضوئية.

يبدو الأمر كما لو أننا نتمركز في منتصف كون كروي الشكل نصف قطره يعادل تلك المسافة، وقطره الكامل يساوي 28 مليار سنة ضوئية وهو ما يطلق عليه الكون المرصود، إلا أن هذه الأرقام بعيدة عن الصحة من حجم الكون بحسب تقديرات الفلكيين، وعلى الرغم من هولها فإنّ هناك ما هو أكثر هولا وإعجازا.

إن علماء الفلك يدركون أن الكون في حالة توسع منذ خلقه، وبحسب تقديراتهم فإن الأرقام الأصح عن طول نصف قطر الكون هي حوالي 46 مليار سنة ضوئية، وأن طول قطره حوالي 92 مليار سنة ضوئية، وهذا ما يطلق عليه “الكون المرئي” وليس المرصود، لأن الضوء قد وصل إلى تلك المناطق الفلكية أثناء اتساع الكون لكن لم يصلنا ضوؤها بعد6.

وأخيرا إذا كنا نبحث عن أكبر من ذلك فإن تقدير العلماء لحجم الكون الفعلي الذي لم يصله الضوء بعد يفوق بكثير حجم الكون المرئي، ويقدر العلماء استنادا على بعض الحسابات أن الكون بأكمله يبلغ حجمه 250 ضعف حجم الكون المرئي على أقل تقدير. إنها بلا شك أرقام مهولة، وهذا ما يتيح لنا فرصة السؤال والتساؤل إن كان حقا في هذا الكون مخلوقات أخرى على أسطح كواكب ما في هذه الرقعة الكونية الهائلة.

الرسالة التي صممها الفلكي فرانك دريك بطلب من كارل ساغان لإرسالها على متن مركبتي بيونير

“سنبلة قمح واحدة فقط في حقل كبير”.. جدلية منذ عصر الإغريق

إن الحديث عن إمكانية وجود مخلوقات فضائية ليس حديث هذه الساعة وليس حديث هذا القرن، بل مجرد تخيلات وتصورات وسجال امتد لقرون طويلة كما يتضح في السجلات القديمة، إذ يقول الفيلسوف الإغريقي “ميترودورس” (Metrodorus) في كتابه “على الطبيعة” (On Nature) عام 400 قبل الميلاد: من غير الطبيعي أن يكون لديك سنبلة قمح واحدة فقط في حقل كبير، وكذلك أن يكون هناك عالم واحد فقط عليه الحياة في كون لا نهاية له7.

وهو اعتقاد منه أن هذا الكون لا بد له من سبب، وأن الخالق ما كان ليخلق شيئا عبثا، وقد استمر النزاع وظهر ذروته في مطلع القرن السابع عشر حينما أعدم الفيلسوف والراهب الإيطالي “جيوردانو برونو” (Giordano Bruno) حرقا بواسطة السلطات الإيطالية، بعد أن شنت محاكم التفتيش عليه حملة تصفه بالزنديق العنيد، وذلك لإصراره على مخالفة معتقدات الكنيسة الرومانية بقوله إن هذا الكون كبير ولا نهاية له، وأن ثمة حياة هناك أخرى غير التي على الأرض8.

وبعد ذلك بقرن -أي عام 1698- نشر عالم الفيزياء الشهير الهولندي “كريستيان هويغنز” (Christaan Huygens) كتابه “كوسموثيروس” (Cosmotheoros) الذي ألمح به إلى إمكانية وجود كائنات حية أخرى بعيدا عن الأرض، وأشار إلى الكنيسة أن تتقبل تلك الفكرة لكونها لا تتعارض مع المفاهيم الدينية، بل على العكس لا بد من أن يكون هناك دافع إلهي لكل شيء.

لقد كانت مجرد أفكار متناحرة مبنية على معتقدات فلسفية وأخرى على تجليات لا تتجاوز في أساسها رؤية العين، حتى ظهر عالم الرياضيات الألماني “كارل فريدريك غاوس” (Carl Friedrich Gauss) الذي يعود إليه أول اقتراح عملي للتواصل مع مخلوقات فضائية في بداية القرن التاسع عشر. فقد اقترح “غاوس” أن يكون تواصل البشر مبنيا على آلية بصرية، وذلك بتصميم غابة هائلة من الشجر على هيئة أشكال هندسية تتمثل بمثلث قائم الزاوية كإشارة إلى مبرهنة فيثاغورس الشهيرة، ومربع يحد كل ضلع من أضلاع المثلث الثلاثة، فيكون ذلك تلميحا قويا لأي ضيف يتربص بنا بأن مخلوقات ذكية تسكن الأرض9.

لم ينفذ مقترح “غاوس” لتكلفته الباهظة، إلا أن العلماء بدوا مولعين شيئا فشيئا بشأن وجود حياة خارج كوكب الأرض، ولا سيما حينما قام الفلكي الإيطالي “جيوفاني شياباريلي” (Giovanni Schiaparelli) بادعاء اكتشاف قنوات مائية اصطناعية على سطح المريخ عام 1877 ليفجرها للملأ أن ثمة مخلوقات ذكية تشبهنا وأنها تقطن على سطح الكوكب الأحمر، وهذا كان من شأنه أن يحدث جلبة وصخبا في الأوساط العلمية، إلا أن تحريات لاحقة أثبتت أن ما كان على سطح المريخ لم يكن سوى مظاهر لتضاريس طبيعية وأن ما من أي دليل على وجود كائنات حية.

لم يكن كل ما سبق سوى فتيل على وشك أن يشتعل، ومع ظهور تقنية الأشعة الراديوية، انتقل كوكب الأرض من مرحلة إلى مرحلة أخرى في القدرة على الاكتشاف والتواصل غير المرئي عبر الكون.

في كل لحظة تخرج من الأرض ملايين الرسائل الراديوية نحو الفضاء، فهل يلتقطها أحد هناك؟

تكنولوجيا العصر الحديث.. تواصل غير مرئي مع الحضارات الأخرى

في بداية القرن العشرين ومع ظهور التلغراف اللاسلكي على يد المخترع الأمريكي صاحب المكانة المرموقة “نيكولا تيسلا” (Nikola Tesla) بدا أمر التواصل بين مكانين تفصل بينهما مسافة طويلة ممكنا للغاية باستخدام الإشارات الكهربائية لإرسال موجات راديوية بين هاتين النقطتين، وقد عُرفت هذه التقنية لاحقا بتقنية الراديو.

لقد كانت حمى التواصل مع كائنات فضائية تتسلل إلى قلب “تيسلا”، وظهر ذلك جليا بمنحه وعودا بأننا سنتواصل مع سكان المريخ يوما ما، ظنا منه بأنّ هناك من يحاول التواصل معنا عبر تقنية الراديو المكتشفة حديثا10.

تطور الراديو مع مرور الوقت لكنه لم يطوع بشكل عملي لخدمة البحث عن حياة خارج الكوكب الأزرق بسبب انهماك الدول بحروب ضروس على مدار نصف قرن، وبعد أن هدأت وتيرة النزاعات المباشرة العسكرية انتقل الصراع بين الدول الرائدة إلى حلبة أخرى في التكنلوجيا.

ففي التاسع عشر من شهر سبتمبر/أيلول من عام 1959 نُشرت ورقة بحثية هي الأولى من نوعها في المجلة العلمية الشهرية “نيتشر” (Nature) في عددها الصادر في ذلك التاريخ، وكانت بعنوان “البحث عن التواصل مع ما وراء الأرض” بإشراف العالمين “جوزيبي كوكوني” (GIUSEPPE COCCONI) و”فيليب موريسون” (PHILIP MORRISON). ولم يتجاوز بحثهما الورقتين، إلا إنها شملت بعض المعادلات الرياضية وتقديرات النطاق الترددي للإشارة المستقبلة للتمييز بين الإشارة الطبيعية التي مصدرها الطبيعة والإشارة المعدلة التي صنعت بصورة ذكية لإرسالها.

وثم تلا ذلك ظهور المعادلة الشهيرة “معادلة دريك” (Drake Equation) التي وضعها عالم الفلك الأمريكي “فرانك دريك” في عام 1961، وكانت بمثابة إجابة مبسطة عن العدد المتوقع للحضارات الذكية في مجرتنا درب التبانة. وتعد هذه المعادلة الحجر الأساس في هذا الشأن، وتعادل أهميتها قيمة معادلة أينشتاين الشهيرة: الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء (E = mc^2).

وقد ضمت معادلة “دريك” سبع متغيرات كالآتي:

N: عدد الحضارات في مجرة درب التبانة التي يمكن اكتشافها من خلال رسالة راديويّة ذكية.

R*: عدد النجوم التي تولد كل عام.

fp: نسبة عدد النجوم التي تدور حولها كواكب.

ne: متوسط عدد الكواكب التي من الممكن لها أن تحتضن الحياة في كل مجموعة شمسية.

fl: نسبة الكواكب المأهولة بالحياة.

fi: نسبة الكواكب المأهولة بالحضارات الذكية.

fc: نسبة الحضارات الذكية التي تطورت بها التكنولوجيا والقادرة على بعث موجات كهرومغناطيسية في الكون.

L: المسافة الزمنية التي تفصل بين الإشارات المرسلة وبين الحضارة الذكية11.

معادلة دريك للحضارات العاقلة في مجرة درب التبانة

مؤسسة “سيتي” (SETI).. استكشاف المخلوقات التي تتواصل مع الأرض

أفضت معادلة “دريك” إلى نتائج مهيبة، إذ تنبأت بوجود حضارات ذكية تفوق العشرة ملايين حضارة في مجرة درب التبانة وحدها فقط، وذلك ما دعا العالم “فرانك دريك” إلى إنشاء “مشروع أوزما” (Project Ozma) بالتعاون مع جامعة كورنيل، وقد جرى استخدام تلسكوب راديوي قطره 26 مترا على مرتفعات ولاية فرجينيا الغربية الأمريكية وتوجيهه نحو نجم تاو قيطس (Tau Ceti) لدراسة إمكانية وجود مخلوقات فضائية ذكية.

ثم تلاه مشروع آخر في عام 1957 لذات الغرض، وقد تبنته جامعة ولاية أوهايو باستخدام تلسكوب راديوي مسطح مزود بعاكس مكافئ، وقد بلغت تكلفة المشروع ما يقارب ٧١ ألف دولار. وقد سجل هذا المشروع ربما أعظم اكتشاف في طريق البحث عن مخلوقات ذكية في الفضاء، إذ استطاع التلسكوب في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1977 التقاط إشارة مثيرة للغاية قادمة من الفضاء.

لفتت الإشارة القادمة من الفضاء انتباه القائمين على المشروع، لدرجة أن أحدهم من فرط دهشته حينما شاهد تحليل بيانات الموجات لم يصدق ما رأته عيناه، فقام بوضع دائرة حمراء حول الإشارة ثم كتب بجوارها “واو” تعبيرا عن اندهاشه وحماسه، ومنذ ذلك الحين عرفت هذه الحادثة بإشارة “واو”، وتعد أبرز دليل على محاولة مخلوقات ما من التواصل مع البشر12.

لقد كان ذلك دافعا لظهور مؤسسة البحث عن المخلوقات الذكية خارج الأرض “سيتي” (Search for Extraterrestrial Intelligence) عام 1984 بقيادة علماء فلك بارزين مثل “كارل ساغان” (Carl Sagan) الذي منح المؤسسة بعدا إضافيا لتحتل مرتبة مرموقة بين أقبية المراكز العلمية في البلاد وذلك ما خولها الاستعانة بأحدث التلسكوبات والمراصد الراديوية.

وما زال عملها الدؤوب إلى هذه اللحظة مستمرا، لكن دون ذكر أي دليل ملموس على وجود حياة خارج كوكب الأرض، وهذا ما يعزز بعض الشيء نظرية عالم الفيزياء “إنريكو فيرمي” (Enrico Fermi) التشاؤمية بهذا الشأن.

إشارة “واو” التي اكتشفها الفلكي جيري إهمان عام 1977 أثناء عمله في مشروع جامعة أوهايو

 

مفارقة فيرمي.. “الحقيقة أننا لا نرى أحدا فأين ذهب الجميع؟”

في خمسينيات القرن الماضي ظهر العالم الإيطالي “فيرمي” متحيرا في أمره ولم يجد سبيلا دون الإفصاح عن ذلك، فقد كان يرى أن معطيات الكون تتجلى بشكل واضح أمامنا، لكن ثمة معضلة تعترض طريقه، وهو ما دعاه إلى تسميتها “مفارقة فيرمي” (Fermi Paradox) التي تقول: ما دام الكون واسعا جدا ومليئا بالمجرات والنجوم والكواكب الشبيهة بالأرض، إضافة إلى أن عمره يفوق 13 مليار سنة، فمن المفترض أن يكون الكون مليئا بأشكال الحياة المختلفة، ومن المتوقع على أقل تقدير أن نرى أثرا لإحدى تلك الحضارات الذكية في الكون، لكن الحقيقة أننا لا نرى أحدا، فأين ذهب الجميع13؟

ولعلها من الوهلة الأولى تبدو معضلة حقيقية، لكن العالم “كارل ساغان” -الذي كان يقدم البرنامج التلفزيوني الشهير “كوزموس” في منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي- أجاب حينها عن تلك المفارقة وعن تساؤل “أين ذهب الجميع؟” بالقول: عدم وجود الدليل على شيء ليس دليلا على عدم وجود ذلك الشيء.

أي أننا ربما ما زلنا في بداية الطريق بعد، وإنه لمن المبكر الحديث عن حتمية شيء دون دليل، وهو ما يستحيل الحصول عليه بسهولة في هذا الكون الشاسع المهيب.

 

المصادر:

[1] كاكو، ميتشو (1999). الرؤى: كيف سيحدث العلم ثورة في القرن الحادي والعشرين. أوكسفورد، أوكسفور بابرباكس. ص378

[2] بيتسكو، إيميلي (2020). لماذا يبقى الكثير من المحيطات غير مستكشفة وغير محمية؟. تم الاسترداد من: www.oceana.org

[3] براون، سينثيا. إراتوستينس القيرواني: حساب محيط الأرض. تم الاسترداد من: www.khanacademy.org

[4] إيفانس، جيمس. أرسطرخس الساموسي. تم الاسترداد من: www.britannica.com

[5] هويل، إليزابيث (2018). خلفية الكون الميكروية: بقايا الانفجار الكبير. تم الاسترداد من: www.space.com

[6] ريد، نولا (2017). ما هو حجم الكون؟. تم الاسترداد من: www.space.com

[7] ديلاي، مايكل (2020). إذا وجدنا حياة على كوكب المريخ ، كيف يمكن أن تكون؟. تم الاسترداد من: www.astronomy.com

[8] ماسون، مايكل (2018). حرق لإيمانه بالعلم. تم الاسترداد من: www.discovermagazine.com

[9] أوبرهانوس، دانيال (2019). الاحتمالات اللانهائية للحياة في الكون. تم الاسترداد من: www.supercluster.com

[10] محررو الموقع. نيكولا تسلا يعد بالتواصل مع المريخ. تم الاسترداد من: www.teslauniverse.com

[11] الشريف، يمان (2019). رسالة أريسيبو.. من الإنسان إلى المخلوقات الفضائية. تم الاسترداد من: www.doc.aljazeera.net

[12] بريتمان، دانيلا (2017). واو! هل الإشارة عُرفت بعد 40 عاما؟. تم الاسترداد من: www.earthsky.org

[13] هاويل، إليزابيث (2018). مفارقة فيرمي: أين الفضائيون؟. تم الاسترداد من: www.space.com