“رمضان جانا”.. أغنية تستقبل رمضان كل عام

عندما تمدد الغسق في الأفق، وبعد 11 شهرا من تباريح الشوق، جاء صوت البشير: “أعلنت دار الإفتاء المصرية ثبوت هلال شهر رمضان المبارك”.

وما إن أنهى المذيع قراءة البيان حتى أعقبه على الأثير الفنان محمد عبد المطلب ليغني للضيف العزيز:

رمضان جانا وفرحنا به
بعد غيابه وبقاله زمان
غنوا وقولوا شهر بطوله
غنوا وقولوا
أهلا رمضان.. رمضان جانا
أهلا رمضان.. قولوا معانا
أهلا رمضان جانا..

و”رمضان جانا” حلقة من سلسلة “حكاية أغنية” التي أنتجتها الجزيرة الوثائقية وتبثها تباعا في شهر الهدى والقرآن.

الأغنية التي لحنها محمود شريف وغناها محمد عبد المطلب، بُثت رسميا عام 1965، وهزت وجدان المصريين فتمايلت مُدن الكنانة على إيقاعها لعقود عدة.

ويروي الصحفي بالأهرام أحمد السماحي أن إنتاج الأغنية كلف 20 جنيها، ستة جنيهات للمغني عبد المطلب، وخمسة لملحنها شريف، والباقي لأعضاء الفريق.

سيمفونية رمضانية خالدة 

لكنها لم تعد مجرد لحن عابر في ذاكرة الأيام، وإنما مست شغاف لب المصريين والعرب وتحولت إلى طقس خالد وسيمفونية يعزفها الزمن نظرا لبساطتها وعذوبتها.

وفي حديثها بالوثائقي تقول سمية محمد عبد المطلب “أبي غناها بإحساس وفرح، والناس لا تشعر برمضان إلا بعد سماع الأغنية”.

تحكي سمية قصة ميلاد “رمضان جانا”، وأنها دخلت على والدها في غرفته وهو يتمرن على حفظ كلمات الأغنية ثم “ارتدي الجلابية البلدية”.

وفي مشهد تمثيلي بالوثائقي، ظهر الفنان يحضن طفلة أرخت جديلتين على كتفيها، ثم يغادر المنزل إلى حيث سيغني طربا وفرحا بمقدم الضيف العزيز على المصريين.

ورفقة فتيات قرويات يحملن الفوانيس ويرتدين الأزياء التقليدية، ذاب عبد المطلب طربا وشدا:

أهلا رمضان.. رمضان جانا
أهلا رمضان.. قولوا معانا
أهلا رمضان.. رمضان جانا

أغنية تختزل الطقوس

وبالنسبة لمخرج الأغنية يسري غرابة فإن “رمضان جانا” تختزل كل طقوس مصر في شهر الصيام بعذوبتها وجمالها، فكانت صورة مضيئة، بينما كان مؤلفها حسين طنطاوي بارعا في التقاط التفاصيل الدقيقة في حركية وحيوية الشارع.

ويحكي الفيلم جانبا من بهجة الشارع المصري في رمضان، فيما تخترق منارات المساجد سماء القاهرة العتيقة وترى الفلك المرصّعة تجري وترسو على النيل.

تتزين شوارع المدن المسلمة بالزينة ابتهاجا بقدوم شهر رمضان شهر الخير والبركات

ومرة أخرى يعود المخرج لسمية عبد المطلب لتتحدث عن حب المصريين لوالدها، وكيف كان الناس يتجمهرون حوله عندما يشاهدونه في الشارع، قائلة إنه كان سعيدا بأغنيته التي حوّلت صوته إلى طقس دائم في كل رمضان.

وبعد مرور أكثر من نصف قرن على إنتاجها وبثها لا تزال أغنية عبد المطلب عنوانا لرمضان في أرجاء مصر إلى حد أن البعض يعتقد أنها لا تقل أهمية عن بيان المفتي إزاء ثبوت الشهر الكريم.

وبنبرة غلب عليها الوجع، يأسف المخرج يسري غرابة لأن تقنيات الموبايل والإنترنت خصمت من الزخم الاجتماعي والروحاني لرمضان، مما جعل أغنية عبد المطلب تثير في الناس الشجن وتعود بهم إلى أيام الدفء والوصل والجمال.