مروى زين مخرجة “أوفسايد الخرطوم” الحاصل على الأوسكار الأفريقي: كل يوم تصوير مجازفة كبيرة

حاورها: عبد الكريم قادري

استطاعت المخرجة السودانية مروى زين أن تجلب لها الأنظار بعد مشاركة فيلمها الوثائقي “أوفسايد الخرطوم” (2019) بالعديد من مهرجانات السينما العالمية، فكانت البداية من خلال عرضه العالمي الأول بمهرجان برلين السينمائي، ثم توالت بعدها المشاركات والجوائز، ليحصل على جائزة الأوسكار الأفريقي عن فئة أفضل فيلم وثائقي لعام 2019.

كما حظي الفيلم باهتمام كبير من الجهات والمؤسسات، وذلك بعد أن تُرجم إلى خمس لغات أجنبية لتسهيل إيصال رسالة الفيلم لفئات متنوعة، وكل هذا جاء ترجمة لتعب المخرجة في إنجاز العمل، ليصل الفيلم إلى ما وصل له، حيث استغرق إنجازه تقريبا خمس سنوات كاملة.

في دولة السودان التي لا تعترف بالسينما ولا بصُنّاعها خاطرت مروى بالتصوير رغم المصاعب القانونية التي كانت تُهددها في ظلّ التصوير بدون رخصة، بالإضافة إلى حساسية الموضوع الذي كان من المُحتمل أن يجلب لها مشاكل مع بعض الجهات المتطرفة، وقد وقفنا على هذا العمل بالدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث استطعنا أن نرى فرحة المخرجة وهي تتواصل وتناقش وتسمع أصداء العمل من مُحبيها.

وفي هذا الحوار الذي خصّت به “الجزيرة الوثائقية”، أجابت مروى زين على العديد من الأسئلة التي طُرحت عليها عن ظروف تصوير الفيلم والمخاطر التي واجهتها، وعن مشكلة المرأة السودانية وتجربتها السينمائية ونظرتها إلى الفيلم الوثائقي، إضافة إلى أهم النقاط والمحطات التي مرّت عليها لإنجاز هذا الفيلم.

  • قبل أن نخوض في تجربتك السينمائية أودّ أن أسألك عن سودان الأمس وسودان اليوم، لأنه في الأمس القريب كان يُنظر إلى السينما من قبل النظام السوداني على أنها خطر يجب الحذر منها والوقوف في وجهها، فهل تغيرت تلك النظرة بعد الحراك الذي قاده السودانيون ضد النظام الحاكم؟

أشكرك على اهتمامك بالشأن السوداني، وأودّ أن أبدأ الحديث بتحية صادقة ومحبة لأرواح شهداء ثورة السودان وثورات الشعوب العربية كافة في سبيل الحرية والسلام والعدالة. لا شكّ أن تضحيات الشعب السوداني التي بدأت منذ عقود طويلة وما زالت مستمرة؛ قد ساهمت في بداية التغيير الذي يطمح له الشعب السوداني، وتحديدا الفنانين السودانيين كافة والسينمائيين خصوصا.

لم تكن السينما مرغوبة ولا مدعومة، بل تمت محاربتها وإجهاض كل محاولة للنهوض بها، لكنني مؤمنة بالتغيير، إنه سُنّة الحياة، والآن السودان بدأ في كتابة تاريخه الحديث على كافة الأصعدة، وكلنا أمل في سودان الغد.

حلم بطلات الفيلم هو أن يعترف النظام بحق النساء في ممارسة كرة القدم

 

  • عندما عملتِ على فيلمك الوثائقي “أوفسايد الخرطوم” كان التصوير ممنوعا، ورغم هذا المنع استطعتِ أن تجمعي مادة وثائقية جيّدة سمحت لك بإنجاز هذا الفيلم، فهل يمكن لك أن تنقلي للقارئ أهم العراقيل التي واجهتِها من قبل المواطن العادي والأجهزة الأمنية؟ وكيف كان شعور الخوف لديك، وهل حدثت أي مشاكل للنساء اللواتي أجريتِ مقابلات معهن؟

لقد كانت مهمة شبه مستحيلة، وكل يوم تصوير كان مجازفة كبيرة، لكن أودّ أن أجيب على السؤال بطريقة أخرى: متى يُجازف الفنان، ومتى يُخاطر ولماذا؟

إنها ليست بالمهمة البسيطة خصوصا للنساء، فكما حال السينما وحال كرة القدم النسائية تمت محاربة النساء على مدار عقود طويلة، لذلك فإن وجودي كصانعة أفلام امرأة وسط سيدات يلعبن كرة القدم في السودان ذلك الوقت كان أقرب للمغامرة غير المحسوبة منطقيا. ولأكون صادقة معك كان التمرد والإيمان بحقي في التصوير وحق الفتيات في الوجود بحريّة من أهم المُحركات للاستمرار.

لن نصبح ضحايا ولن نُسلّم أصواتنا للغير، كان هذا هو الإحساس، وبالطبع كانت هناك أوقات صعبة لا أقوى فيها على الاستمرار، لكنها كانت أوقات راحة لا استسلام، فالعراقيل متشعبة ومتنوعة، ويكفي الخوف الذي عشتُه أنا والفتيات ومن ساعدوني في التصوير، يكفي الإرهاب والمسائلة القانونية حين تم إلقاء القبض علينا مرات عديدة، ويكفي عدم وجود دعم مادي سوداني، ويكفي عدم وجود صناعة أفلام تجعل أبطال الفيلم أنفسهم يشككون في صناعة الفيلم نفسه وعن فائدته وأهميته.

لقد كانت العراقيل عسيرة ورحلة الفيلم هي مخاض طويل شاق تطلّب مني تضحيات عديدة، لكن كما جرت العادة فمن رحم الصعاب تُولد الفرص، ومن أقسى لحظات الحياة وأصعبها تكلّلت جهودنا بالنجاح الكبير الدولي والمحلي، والأهم نجاح الفيلم في نظر بطلاته ونظر الشعب السوداني والعربي والأفريقي.

لقد تُوّج الفيلم بجائزة الأوسكار الأفريقي عن فئة أفضل فيلم وثائقي لعام 2019، وتم عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي، ونال العديد من الجوائز، وتُرجم الفيلم في سنته الأولى إلى خمس لغات. لذا فأنا مُمتنة للتجربة بما لها وما عليها.

المخرجة استطاعت أن تلتقط صورا من الأعلى للسودان بواسطة الدرون رغم التشدد الأمني

 

  • كيف تصفين تجربة التصوير بالطائرة المسيرة من الأعلى؟ وهل أحضرت معك هذه الـ”درون” من السودان؟ خاصة وأن هذه الكاميرا تعتبرها بعض الأنظمة العربية خطرا على أمنها القومي؟

كما شاهدت بالفيلم، لقد استخدمت هذه الكاميرا في لحظة مفصلية في الفيلم ولحظة غاية في الأهمية، لذلك لم تكن هناك أي نيّة استعراضية، لكن ضرورة فنية وإخراجية مهمة.

لقد خشيت أن تصبح مشكلة أمنية إضافية، ونحن كما ذكرت سابقا كُنّا معرّضين لكل المساءلات، لكن بعد التحضيرات المطلوبة وجدنا أن هناك كاميرا لدى أحد الأصدقاء في السودان، ولا ضرورة لشحن الكاميرا من دول أخرى، ومع إصراري على أن لا تقف أمامنا صعوبة أخرى كثّفنا استخدام الكاميرا في يوم تصوير واحد.

مدربة ومؤسسة فريق التحدي لكرة القدم النسائية سارة إدوارد

 

  • يُعتبر السودان مشتلة مُنوّعة من المواضيع، لكنكِ تركتِها كلها وذهبت إلى مشاكل المرأة السودانية، وحقها في ممارسة كرة القدم مثل الرجل، لماذا هذا الموضوع بالذات؟ وكيف تقبّلت الشابات فكرة أن تكن بطلات وشخصيات لفيلم سينمائي، وكيف تعاملن مع الكاميرا؟

منذ دراستي للسينما في أكاديمية الفنون في القاهرة وأنا أعمل على أفلام تشبهني، وتحقق ما أودّ أنا أن أشاهده، لذلك لم يكن غريبا على مسيرتي الإخراجية أن يكون فيلمي التسجيلي الطويل الأول مهتما بالسودان وخصوصا المرأة، لكنني أُحب أن أضيف بأن هناك عدم مساواة في عالمنا العربي والإسلامي والأفريقي، فالسينما والفنون عامة ما هي إلا أداة تعبير، ووجدت أن من المهم أن أُعبّر عمّا أؤمن به.

لقد كانت البداية باتصال هاتفي من تغريد عوضة مُؤسِسة منظمة نسوية اسمها رؤية، وذلك لصنع فيلم وثائقي قصير عن فتيات يلعبن كرة القدم، كانت الرحلة لمدة أسبوع فقط، فقد كنت أقيم في القاهرة ذلك الوقت، لكنني عندما قابلت الفتيات وعشت في الخرطوم فترة تيقنت أن هذا الفيلم لن يكون فيلما قصيرا، ولن يكون عن كرة القدم النسائية، بل عن كيف أرى السودان وعلاقتي بهذا البلد الصعب الجميل والمستحيل في الوقت نفسه، لأنني ذات هوية مركبة وعشتُ في دول عديدة غير السودان.

الفتيات لم يتقبلن ذلك بسهولة وأتفهّم ذلك، فهن لم يرَين من قبل أفلاما تسجيلية، وليس هناك أي مرجعية سينمائية حديثة بالنسبة لهم، كما أنني لستُ مقيمة في الخرطوم بشكل كامل، وازداد الموقف صعوبة حين تم إلقاء القبض علي بتهمة التصوير، لذلك كانوا يرون أن هذا الفيلم مليء بالمشاكل.

استمرت رحلة الفيلم تقريبا خمس سنوات، وخلال تلك الفترة هناك من اعتذر عن التصوير، وهناك من انسحب وبعد فترة قرّر العودة، وهناك من آمن بي وبالفيلم وشعر بالصدق والمسؤولية والضرورة في إتمام هذا الفيلم، وهن من أصبحن في النهاية بطلات الفيلم، ولهن وللجميع كل الود والاحترام والتقدير على الصبر والشجاعة.

لاعبتان من فريق كرة القدم النسائي السوداني يُشاركان الفريق الأهازيج

 

  • هل خطر ببالكِ قبل بداية إخراجك لهذا الفيلم الوثائقي أن يكون فيلما روائيا؟ وكيف تنظرين للجنسين السينمائيين؟

حقيقة لا، لأنني شعرتُ بالشخصيات رغم رغبتي الدفينة بتحويله لفيلم روائي، حيث يُصبح التحكم فيه أسهل، وتُصبح شروط إنتاجه أكثر منطقية، لكن كونه فيلما وثائقيا حقيقيا صادقا بالنسبة لي كان القرار الصحيح.

لقد اشتغلت على أفلام روائية بالأساس، حيث أنني أتيتُ من خلفية روائية، لكني أحببتُ الفيلم الوثائقي، وكنت قد عملت على العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة. أرى أن كليهما يُشبعان في داخلي رغبات فنية مختلفة ومتصلة في الوقت نفسه، لذلك أرى نفسي أعمل في الروائي والوثائقي جنبا إلى جنب.

  • ما هو إحساسكِ كونكِ كنتِ جزءا في إيصال مشكلة كبيرة كانت تُعاني منها نساء السودان؟

إنها هبة من الله، ومسؤلية كبيرة أن أكون جزءا من الحراك والتغيير والثورة الفنية والفكرية والإنسانية. ممتنة أن يرتبط اسمي واسم الفيلم ببدء لعب الفتيات في السودان لكرة القدم بشكل رسمي، وممتنة أكثر أن يرتبط بالحراك الشعبي الكبير، فكلنا ثوّار في سبيل حياة كريمة تستحقها شعوبنا وخصوصا النساء، استنادا للظلم والاستبعاد السياسي والديني لحقّها في حياة عادلة مثلها مثل الرجل تماما. شاكرة للظروف ولكل من ساعدني في إتمام الفيلم، ولكل طاقم العمل وبطلاته.

المخرجة تتوسط المخرجين السوادنيين صهيب الباري وأمجد أبو العلا

 

  • شهدت السينما السودانية في 2019 نجاحات لم تشهدها من قبل بسبب الفيلم الروائي “ستموت في العشرين” لأمجد أبو العلا، والفيلم الوثائقي “الحديث عن الأشجار” لصهيب قسم الباري، وفيلمك “أفسايد الخرطوم”، وكلها أفلام شاركت وتُوّجت في كبرى المهرجانات العالمية، فما هو شعوركِ حيال كونك جزءا من التأسيس للسينما السودانية الجديدة؟ وهل سيكون هذا الاهتمام الإعلامي العالمي بالأفلام المذكورة جزءا من صناعة سينمائية مستقبلية في السودان؟

لقد كانت 2019 سنة السينما السودانية بامتياز، وكُلّي فخر وامتنان أن هناك صداقة وأخوة تجمع ثلاثتنا، وكل تكريم لأيّ فيلم من الثلاثة هو تكريم للسودان وللعالم العربي والأفريقي، لذلك فنحن فخورون وممتنون ونأمل في ظهور سينما سودانية قوية وجميلة، ودولة سودانية داعمة للتعليم والصحة والقانون، وبناء على ذلك داعمة ومُهتمة بالفنون والسينما.

نأمل في الاستناد إلى نجاح الأفلام المذكورة والتحليق في فضاءات أرحب لجميع شعب السودان، ولجميع فنانينه ومفكرينه وعلمائه.