مهرجان الجونة بدورته الثالثة.. أفلام عربية وعالمية مهمومة بواقعها

قيس قاسم

تنطلق الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي وسط إجماع مهني على اعتباره واحدا من بين أهم المهرجانات العربية المكرسة خلال فترة زمنية قصيرة. يعزز ذلك ما تشير إليه بياناته الصحفية ونشراته، إلى جانب الانطباعات الجيدة التي تركتها دورتاه السابقتان وأكدت احترافيته على المستوى الفني والتنظيمي.

دورة هذا العام التي تنطلق اليوم وتستمر حتى 27 سبتمبر/أيلول الجاري؛ تمتاز بتوفرها على أهم الأفلام الحائزة على جوائز أكبر المهرجانات السينمائية العالمية مثل كان وبرلين وفينيسيا، إلى جانب توسيع منصته الموجهة لصناعة السينما لغرض دعم وتَمكين صُنّاع الأفلام العرب، وتتكون من برنامجين “منطلق” و”جسر الجونة”.

يكاد الجونة يستحوذ على أهم الإنتاجات السينمائية العربية والعالمية، وقد تجاوز عددها هذا العام 80 فيلما وُزعت على برامجه المكونة من المسابقات الثلاث الروائية الطويلة والوثائقية والقصيرة، وتصل قيمة جوائزها 224 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى البرنامج الرسمي خارج المسابقة والبرنامج الخاص.

تعكس الأفلام العربية المختارة لهذه المسابقة أوضاع المنطقة وصراعاتها
تعكس الأفلام العربية المختارة لهذه المسابقة أوضاع المنطقة وصراعاتها

أفلام عربية تعكس أوضاع المنطقة

يترأس مسابقة الأفلام الروائية الطويلة -وفيها تجتمع العربية والأجنبية معا في تنافس على نيل جوائزها- المخرج المصري خيري بشارة، وعضوية المخرجة الفلسطينية مي المصري وناشين مودلي ورسول بوكيتي.

وتعكس الأفلام العربية المختارة لهذه المسابقة أوضاع المنطقة وصراعاتها، مثل اللبناني “1982” الذي تدور أحداثه في التلال القريبة من مدينة بيروت، وذلك في مدرسة تتعارض مناخاتها الداخلية مع تلك الفترة المضطربة من تاريخ لبنان. فمُنجز وليد مؤنس يعرض علاقة عاطفية بين طالب وطالبة عشية الاعتداء الإسرائيلي في ذاك العام على لبنان.

أما “آدم” للمغربية مريم توازني فيرصد حالة من التآز النسوي بين امرأتين، وتعكس قصة كل واحدة منهما الصعاب التي تواجهها المرأة المغربية والضغوط الاقتصادية التي تُوَلّد رغم قسوتها حالة إنسانية عنوانها التعاون والتضامن وتحدي الصعاب.

وفي إطار مُقارب تقاوم “بابيشا” إرادة المتشددين الراغبين في الحدّ من حريتها، وذلك بإصرارها على عيش حياتها في الجزائر إبان العشرية السوداء كما تريدها هي لا كما يريدونها هم. وقد عرض فيلم المخرجة منية مدور في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي.

ولا يبتعد فيلم التونسية هند بوجمعة “حلم نورا” الذي تلعب بطولته الممثلة هند صبري في هاجسه الأنثوي عن بقية أفلام شمال أفريقيا المشاركة في المسابقة، مما يشير إلى علامة واضحة فيها، وعناية بموضوع اجتماعي يفرض الواقع وجوده على الشاشة.

يعرض مهرجان الجونة فيلما روائيا بعنوان "ستموت في العشرين"، وقد أُخذت قصته من عمل أدبي للكاتب حمور زيادة
يعرض مهرجان الجونة فيلما روائيا بعنوان “ستموت في العشرين”، وقد أُخذت قصته من عمل أدبي للكاتب حمور زيادة

السودان المفاجأة

المفاجأة تأتينا من السودان، فبعد الوثائقي الرائع “حديث عن الأشجار” لصهيب قسم الباري الحائز على جائزتين في مهرجان برلين الدولي، يعرض مهرجان الجونة فيلما روائيا بعنوان “ستموت في العشرين”، وقد أُخذت قصته من عمل أدبي للكاتب حمور زيادة. ونال مخرج الفيلم جائزة “أسد المستقبل” في فينيسيا وحظي بمديح نقدي كبير.

أما على المستوى العالمي فتضم المسابقة فيلم “الأب” البلغاري الحائز على جائزة الكريستالة الذهبية لمهرجان كارلوفي فاري، و”سيدة النيل” لرحيم عتيقي، و”عقد القربان” للبولندي يان كوماسا. وفيلم البيروفانية ميلينا ليون “أغنية بل عنوان” المعروض عالميا لأول مرة في دورة كان الـ76 ضمن قسم نصف شهر المخرجين.

وثائقيات.. اختيار بعناية

مسابقة الوثائقي الطويل اختِيرت أفلامها بعناية واضحة، فالفيلم الجزائري المهم “143 طريق الصحراء” لحسن فرحاني الذي وإن كان في ظاهره ينقل مقاطع من حياة امرأة اختارت العزلة عبر عملها في مقصف بسيط على الطريق الصحراوي الرابط بين جنوب الجزائر وبقية دول القارة الأفريقية المتاخمة لحدودها؛ فإن باطنه يذهب إلى عكس أحوال البلاد عبر ثنايا كلامها وحواراتها مع سائقي الشاحنات المتوقفين في استراحات قصيرة عندها.

وعلى عكسه يجسّد فيلم الفلسطينية لينا العبد إبراهيم “إلى أجل غير مُسمى” موضوعا سياسيا يتعلق بماضي المناضلين الفلسطينيين، وكيف ينعكس هذا الماضي على أولادهم حتى بعد موتهم. وفي سؤالها عن حقيقة والدها المستشهد عام 1987 –بعد أعوام قليلة على ولادتها- إنما تسأل صانعته عن ذاتها وحاضرها المحاصر بأسئلة أخلاقية ووجودية.

ومن بين الأفلام اللافتة للانتباه الفيلم السوري “أرواح صغيرة” لِدينا ناصر، والأفغاني “كابُل في الريح” لأبوزار أميني.

ومن ألمانيا يأتي للجونة فيلم “واقع آخر” بموضوعه الشائك عن العنصرية وصعوبة اندماج الغريب في المجتمعات الغربية، في حين يتابع “صانعة الملك” محاولة إعادة إيملدا ماركوس زوجة الدكتاتور فيردناند المكانة السابقة لعائلتها المنفية، وذلك بمساعدتها ابنها بونج لونج للفوز بمنصب نائب الرئيس، وبمساعدة أموال غامضة المصدر.

روائية قصيرة.. المصرية أضعفها

حزمة الأفلام العربية ومنافستها للأجنبية في قسم “المسابقة الروائية القصيرة” مدعاة لتأمل مستوياتها واشتغالاتها المتباينة المستوى، فبينما نرى تراجعا مصريا واضحا في “هذه ليلتي” و”عمى ألوان”، نرى تطورا في أفلام أردنية ولبنانية مثل فيلم “أمي” لوسيم جعجع.

غير أن الفرق يظهر كبيرا بين مستويات الأجنبية حين نقارنها بالعربية، فالاشتغال السينمائي في الأجنبية عالي المستوى، ويمكن رصده بسهولة في فيلم الإيراني “امتحان”، و”مسألة الدموع” للفرنسي كليمونس بويزي، و”خدمة التوصيل” للثنائي الروسي فلاديمير كوبتسيف وإيلينا كوبتسيفا.

تحف سينمائية خارج المسابقة

مع قدرة مهرجان الجونة على الحصول على أفضل الأفلام السينمائية الجديدة، فإنه يُبعد الكثير منها عن مسابقاته لأسباب تتعلق بأن فوزها سيكون حتميا ويضيّع الفرصة على أفلام أخرى لم تنل حظها من الجوائز بعد، مما يرفع من حدّة المنافسة داخلها.

أمر آخر يمنع اشتراكها يتمثل في محاولة منظميه الإبقاء على حظوظه في اكتشاف الجديد والمفاجئ، وهذه تحسب له، فيما لا يُعد فوز فيلم حاز على السعفة الذهبية في مهرجان كان مثلا امتيازا خاصا به، بقدر ما يُعبر عن ثقة منتجي الأفلام العالمية المهمة وموزعيها بالمهرجان، وإقرار ضمني بحسن سمعته.

وهذا نلمسه بسهولة عبر موافقة أصحاب “طفيلي” الفائز بالجائزة الأهم في كان على المجيء إلى الجونة، والأمر نفسه ينسحب على “37 ثانية” لليابانية هيكاري، والإسباني بيدرو المودوفار ورائعته “ألم ومجد”، و”الحقيقة” من بطولة كاترين دونوف، و”الخائن” للإيطالي ماركو بيللوكيو.

وتأتي أفلام أخرى تحكي عن أحوال بلدان بعيدة كـ”الحياة الخفية لأوديس جسماو” للبرازيلي من أصول عربية كريم عينوز، ومن البلد نفسه تُتاح لزوار الجونة مشاهدة “باكوراو” لكيليبر مندوسا فيلو وجوليانو دورنيليس، وهي التحفة المتناولة لموضوع شديد الصلة بالتمييز المناطقي في جنوب شرق البرازيل.

جائزة الإنجاز الإبداعي سينالها الممثل محمد هنيدي
جائزة الإنجاز الإبداعي سينالها الممثل محمد هنيدي

احتفاء بمي المصري وهنيدي

وتحتفي دورة هذا العام بالكاتب والروائي المصري “إحسان عبد القدوس” بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده، حيث يُنظم له معرض للصور، كما سيُعرض له فيلم اقتُبس نصه من عمله الأدبي الممتع “بئر الحرمان” والذي سيُدرج ضمن خانة “البرنامج الخاص”، ومن بين مفرداته أفلام أخرى لفيدريكو فيليني وفرانسوا تروفو ووالتر سالس، كما سيُعرض للمخرج التونسي فريد بوغدير وثائقيه “كاميرا أفريقية” (1983).

جائزة الإنجاز الإبداعي سينالها الممثل محمد هنيدي والمخرجة الفلسطينية مي المصري، وذلك باعتبار هنيدي ممثلا كوميديا لامعا بدأ مسيرته الفنية ممثلا مسرحيا ثم سينمائيا في فيلم يسري نصر الله “سرقات صيفية”، كما استمر بعدها في تقديم الكثير من الأعمال الكوميدية التي وضعته بين نجوم السينما العربية.

أما مي المصري فتُعد أحد أعلام السينما الفلسطينية والعربية والتي عُرفت بكتابتها وإخراجها للعديد من الأفلام مع زوجها المخرج الراحل “جان شمعون”، وعُرض معظمها في مهرجانات عالمية ونالت أكثر من 90 جائزة. وتدور أغلب أفلامها عن فلسطين مثل “أطفال شاتيلا” و”يوميات بيروت.. حقائق وأكاذيب”، وأخرى روائية كفيلم “3000 ليلة”.

وتفتتح الدورة الثالثة أعمالها بفيلم المخرج الأمريكي جيمس غراي “آد إسترا”، والذي يلعب دور البطولة فيه الممثل براد بيت إلى جانب تومي لي جونز ودونالد ساذرلاند.