“استعادة التضامن”.. أفلام سينمائية تُعيد ذاكرة فلسطين إلى الواجهة
يحتاج فيلم “استعادة التضامن” (R21 aka Restoring Solidarity) للمخرج الفلسطيني مهند يعقوبي إلى توطئة قصيرة، تمهّد الطريق إلى قصة فيلمه الجديد الذي ظهر للوجود بالمصادفة، فبينما كان يعرض فيلمه “خارج الإطار” (Off Frame) في طوكيو سنة 2017 التقى بـ”آوي تانامي”، وهي باحثة يابانية معروفة في دراسات الشرق الأوسط ومناصرة قوية للقضية الفلسطينية.
كانت “تانامي” قد التقت بصديقها “مينيو ميتسوي” في تظاهرة تضامنية في اليابان، وكان هذا الصديق خبيرا بالتقنيات القديمة في عرض الأفلام، وبسبب ضيق مساحة التخزين في بيته طلب منها الاحتفاظ بـ20 فيلما من مشروع “طوكيو ريلز”، وهي مجموعة من الأفلام التي تنتمي إلى سينما “التضامن مع فلسطين” التي يعود تاريخها إلى أربعة عقود مضت، وقد ارتأت “تانامي” أن تسلّمها إلى المخرج والمنتج مهند يعقوبي، ثم سلّمها هو إلى مجموعة “تحريض للأفلام” في مدينة غينت البلجيكية، بُغيةَ ترميمها والاحتفاظ بها في الأرشيف.
فلا غرابة إذن أن يأخذ الفيلم عنوان “استعادة التضامن” الذي مرّ عليه أكثر من أربعة عقود زمنية، لكنه ظهر إلى الوجود ثانية بفضل الأيادي الأمينة التي احتفظت بهذه الوثائق المهمة، وأوصلتها في خاتمة المطاف إلى أصحاب المصلحة الحقيقية، فصاغوا منها هذا الفيلم الوثائقي الجديد المتميّز بنبرته التجريبية التي غطّت القضية الفلسطينية منذ عام 1917 وحتى يوم الناس هذا.
ثورة فلسطين.. مُلهمة الشعب الياباني في كفاحه
يسلّط مهند يعقوبي الضوء على لافتة تقول “بكفاحنا العسكري والجماهيري والسياسي نقيم السلطة الفلسطينية على أرض الوطن المحتل”، مذيّلة بتوقيع “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، ولا ينسى التركيز على منظمة التحرير الفلسطينية التي تقاتل من أجل تحرير فلسطين، ولديها مؤسسات إدارية وعسكرية وقضائية وتعليمية وما إلى ذلك.
وترى الراوية اليابانية “تانامي” أن الثورة الفلسطينية كانت مُلهمة للشعب الياباني الذي يعاني من الإمبريالية الأمريكية، الأمر الذي دفع بعض الرفاق اليابانيين للالتحاق بالفلسطينيين، ومؤازرتهم في التعليم والتوثيق السينمائي الذي يعد وسيلة قوية لحفظ الذاكرة وإبقائها حيّة مدى الحياة.
سنتناول في هذا المقال ثلاثة أفلام، وهي “مَشاهد من الاحتلال في غزة” للمخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي، و”بيروت 1982″ (Beirut 1982) للمخرج الياباني “ريوتشي هيروكاوا”، و”القنيطرة.. موت مدينة” (Quneitra: Death of a City) للمخرج “جيم غرانمر”، آملين أن تتاح لنا الفرصة لتناول باقة أخرى من هذه الأفلام التي توثق لمعاناة الشعب الفلسطيني البطل الذي يقارع وحشية العدو الصهيوني وينتصر عليها كل يوم.
“مَشاهد من الاحتلال في غزة”.. فيلم قصير مُعبر
يستلهم المخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي فيلمه “مَشاهد من الاحتلال في غزة” (1973) من مادة صوّرها فريق إخباري فرنسي، مستفيدا من تقنيات المونتاج التجريبية التي أسفرت عن فيلم تحريضي سياسي لا تنقصة السوية الفنية، ولا تعوزه الطروحات الفكرية الرصينة التي تعتمد على المنطق وقوة الإقناع.
ومع أن مدة الفيلم هي 13 دقيقة فقط، فإن المخرج قال فيها أشياء كثيرة هادفة ومعبِّرة، سواء بواسطة التعليق الصوتي الذي تبنّاه عصام سخنيني ورسمي أبو علي، أو الأناشيد الوطنية المعروفة، أو الخبر المرئي الذي يرصد كل أشكال المقاومة الفلسطينية الشجاعة التي تدافع عن الأرض والعِرض والوجود.
ففي التعليق الصوتي الأول نسمع المعلق يقول “قطاع غزة الذي تمرّس على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم أول مرة خلال العدوان الثلاثي عام 1956، حيث أسقط مؤامرة تدوير القطاع، وهذه المرّة التي بدأت مع الهزيمة العربية الرسميّة عام 1967، قطاعُ غزة الذي يرفعُ راية المقاومة والثورة منذ سنوات، ولا يزالُ يرفعها بصلابة ورجولة مرتفعا فوق جراحه النبيلة.
“Scenes of Occupation from Gaza”, a film by Mustafa Abu Ali, 13 min, 1973.
"مشاهد من الاحتلال في غزة”، فيلم من انتاج “جماعة السينما الفلسطينية – مركز الأبحاث الفلسطيني”. إخراج مصطفى أبو علي، ١٩٧٣. pic.twitter.com/TR3KMlHyJX— Nadi Abusaada (@NadiSaadeh) October 23, 2023
ويكمن وراء النوافذ المغلقة، وربما في الممرات الضيقةِ وعلى جوانب الأزقّة رجالٌ وشبانٌ وأولاد، يتربصون لهدف إسرائيلي ما، ويكونُ الشارع هادئا، وفجأة ينطلقُ صوتُ انفجار، ثم رصاصٌ، ثم صفير الإنذار، ثم ضجيجُ السيارات المدرّعةِ المحملةِ بالجنود، وتسدّ الطُرق، ويمنع التجوّل”.
“أفضّل خمسة حروب على مواجهة المُخرِّبين في غزّة”
في تعليق صوتي آخر نسمع المعلق يقول “قطاعُ غزة صداع إسرائيل الدائم، هو البؤرة الأكثر مقاومة وثورية للاحتلال على الخريطة الثورية الفلسطينية. يقولُ أحدُ ضُباط العدو: إنني أفضّل الاشتراك في خمسة حروب على أن أشترك مرة واحدة في مواجهة المُخرِّبين في غزّة”.
بينما تصرّح “أرلييت تيسيي” موفدة مجلة “شؤون فلسطينية” إلى الوطن المحتل مدة ثلاثة أيام فقط، وتعرب عن دهشتها واستغرابها بأن حصيلة النشاط الفدائي كانت تدمير خط السكك قرب رفح، وتدمير أنابيب ري في مستعمرة قرب القطاع، وإلقاء قنبلة على دورية معادية في مخيم البريج، ومع هذا عدت السلطات هذه الأيام الثلاثة فترة هدوء.
وتقول “تدابير إسرائيل الانتقامية كانت قاسية منذ بدء الاحتلال، لكنها بلغت أقصاها في مطلع العام 1971، مُستغلة مقتل طفلين وأمهما في هجوم فدائيّ بالقنابل اليدوية، فقد أُرسلت إلى القطاع إثر الحادث إمداداتٌ من حرس الحدود، وأُعلن منع كامل للتجول في مخيّم الشاطئ، وعُزل المخيّم ونواحٍ من المدينة بأسلاك شائكة”.
“زاحفين، زاحفين، فوق كل شبر من أرضنا”
يعتمد المخرج مصطفى أبو علي التعالق مع أنشودة “زاحفين، زاحفين، فوق كل شبر من أرضنا”، وحينما ينتهي من بعض المقاطع التي سمعها غالبية المواطنين العرب المهمومين بقضيتهم المركزية فلسطين؛ يُورد لنا أخبارا خيالية لا تحدث إلا في الأحلام المرعبة والكوابيس الثقيلة.
إذ يشير التعليق الصوتي إلى خبر يقول “بلغ عددُ المواطنين الذين أُوقفوا أو اعتُقلوا أو وُضعوا تحت الإقامة الجبرية في القطاع أكثر من 10 آلاف مواطن خلال السنوات الأربع الأولى من الاحتلال. حكمت محكمة اللّد العسكرية الإسرائيلية في عام 1968 على المناضل كمال النمري بالسجن لمدة 154 سنة، وحكمت بتاريخ 11 يوليو/ تموز عام 1972 على المناضل محمد سليمان شمّوط بالسجن لمدة 300 سنة”.
ثمة أخبار متفرقة يركز عليها مخرج الفيلم خلال الشهرين التاسع والعاشر من سنة 1972، تتضمن كمائن وهجوما على دوريات وسيارات عسكرية في غزة وبيت لحم وطولكرم وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الصهيوني، ثم يتوّجها بأنشودة “زاحفين، زاحفين” التي كتب كلماتها صلاح الدين الحسيني ولحّنها الفنان كنعان وصفي.
“لم يستطع الاستيلاء على المدينة إلا بعد ثلاثة أيام من القتال العنيف”
يختم مصطفى أبو علي فيلمه بحديث رجل حكيم وطاعن في السن، يختصر بحكمته ما يعجز عنه كثير من أصحاب العقول المتوهجة، حينما يقول بالمحكية الفلسطينية التي نفهمها جميعا “إحنا ما بدناش عمليّة توسيع الطرق، لأنّ هذه العملية مش على توسيع الطرق، إنما على ترحيل اللاجئين من معسكراتهم ونقلهم إلى سيناء والضفة الغربية، ونحن لا نريد أن ننتقل إلى سينا والضفة الغربية، إنما سنظل هنا”.
ثم يواصل حديثه عن نفسه قائلا “هدّموا البيت تاعي أنا، وأنا ختيار مش قادر أظلّ ساكن عند الناس عوازة، هدموا البيت تاعي وهدّموه علي، وأنا عندي 8 أنفار مش قادر ألاقيلهم خبز. إيش بقول هاظ؟ هاظ مش كويّس، ولا هو مليح. أجا الإنجليز علينا وأخذنا ورفعنا المحاربين هيك وسلمنا، ما صابوش حد منا.. أجت مصر، أجت تركيا، أجت كل الدنيا، مش زي الجيش هاظ. مش حكومة هاي”.
يستمر التعليق الصوتي بتغطية الأحداث التي صوّرها الفريق الفرنسي ورصدها بعين العارف بخفايا الأمور ودقائقها الصغيرة التي لا تخفى على أحد، فكيف بتقويض البيوت وتهديمها على رؤوس ساكنيها، حيث يقول أعضاء الفريق الفرنسي: “من المشاهد اليومية في القطاع نسفُ بيوت السكّان وإزالة حارات بأكملها بالجرافات، وقد بلغَ عددُ البيوت المنسوفة حتى الآن حوالي 2500 بيت. كما شُقّت شوارع بعرض لا يقلّ عن 80 مترا لتفتيتِ تماسُكها المكاني، وتسهيل دخولِ هذه المخيّمات بالدبابات والمجنزرات، بلا حدوث أدنى مقاومة”.
وإذا كانت الجرّافات تقوم بمهمة تقويض المنازل في سبعينيات القرن الماضي، فإن الطائرات الأمريكية الحديثة هي التي تقوم بهذه المهمة وتقوّض أحياء بكاملها من دون الحاجة إلى جرافات.
وبمقابل الشيخ الطاعن في السن ثمة امرأة فلسطينية شابة عمرها لا يتجاوز العشرين هُدّم بيتها، وأصبح أثرا بعد عين، فهل يلومها أحد إذا فجّرت نفسها أمام دبابة إسرائيلية مجنزرة، أو جرافة لا يعرف قائدها معنى البيت المقوض على رؤوس ساكنيه؟
كتبت الصحف العالمية اعتمادا على تقرير الفريق الصحفي الفرنسي وهي تصف دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، فقالت “إنّ الجيش لم يستطع الاستيلاء على المدينة إلا بعد ثلاثة أيام من القتال العنيف”.
وجاء في وصف المعركة التي دارت أمامَ مخيّم البريج “بأنّها معركة عنيفة جدا قلّما سجّل التاريخ مثيلا لها من قبل. وشاهدت غزة مئات من الرجال والنساء يلقون بأنفسهم في عمليات انتحارية في محاولة لحرق دبابة للعدو، أو قتل أكبر عدد ممكن من الجنود”.
“بيروت 1982”.. ياباني شاهد على مجزرة صبرا وشاتيلا
يسلط المخرج مهند يعقوبي الضوء على فيلم “بيروت 1982” للمخرج الياباني “ريوتشي هيروكاوا” الذي يسرد فيه روايته الشخصية عن “حياة الفلسطينيين في بيروت ومقاومتهم بعد مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، من خلال التعليق الصوتي الذي يعبّر فيه عن تضامنه مع الفلسطينيين الذين بُوغتوا بحرب إبادة جماعية”.
يمضي “ريوتشي هيروكاوا” في شهادته قائلا “عندما سمعت عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان في يونيو/ حزيران 1982 انفطر قلبي على الشعب الفلسطيني الذي عانى الكثير، فقد هجّرتهم إسرائيل عام 1948، وها هم أولاء يعيشون لاجئين منذ ثلاثين عاما، وكان أملهم الوحيد أن يحرروا وطنهم وأن يعودوا إليه”.
وبعد أن حاصرت إسرائيل بيروتَ مدة 70 يوما سببت فيها الدمار في كل أنحاء المدينة، فقد “استخدمت كل أنواع القنابل المُحرّمة وفقا للمواثيق الدولية، كالقنابل العنقودية والفسفورية والفراغية، حتى ألعاب الأطفال فُخخت وتُركت لتنفجر إذا ما لمسها أحد الأطفال الأبرياء”.
وفي اليوم الثاني من المجزرة هدمت ميليشيا سعد حداد بيوت الناس بالجرافات، واعتقل جيش الاحتلال كل من يحمل الهوية الفلسطينية، وأطلق النار على عدد منهم.
“لقد خان العالم الشعب الفلسطيني”
يصف “ريوتشي هيروكاوا” بدقة ما رآه رأي العين ويقول “في الثامنة والنصف صباحا من يوم السبت الموافق 18 سبتمبر/ أيلول، سمعت أصوات إطلاق النار وصوت الجرافات، حاولت الدخول إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، فمنعني الإسرائيليون من الدخول وأطلقوا قذيفة باتجاهي كنوع من التحذير.
توجهت إلى الجهة الجنوبية من المخيمَين صامتا، مشيت نحو 200 متر، ثم نظرت إلى اليسار، فوجدت الجثة الأولى، وكانت مشوّهة بين الركام، عندها لم أفهم بأن هؤلاء ضحايا مجزرة، بل ظننت أنهم قتلوا جراء القصف خلال الحرب على الأرجح، ولكنّي سرعان ما وجدت جثّة أخرى في الشارع، وقد قطع رأسُ صاحبها بفأس. بعدها رأيت رجُلا عجوزا مصابا بعيار ناريّ في صدغه، خارقا إحدى عينيه، لاحظت أن الجثة لم تتصلب بعد، ودمه لم يجف بعد.
في الجوار وجدت جثة عجوز آخر، ولاحظت شيئا أخضر اللون تحت عينه، عندما نظرت عن كثب، اكتشفت أن ذلك الشيء الأخضر ما هو إلا قنبلة يدوية منزوعة الصمّام، وقد ثُبّتت بحيث تنفجر في حال تحريك الجثّة. هكذا تأكدت بأن ما حصل هنا هو مجزرةٌ متعمّدة، وخشيت أن يكون القتلة ما زالوا يتجولون في مكانٍ قريب.
“عائلات بأكملها قُتلت، 50 جثة هي ما رأيت بعيني المجرّدة”. يختم ريوتشي شهادته بالقول “لقد خان العالم الشعب الفلسطيني، وهزّت المجزرة ضمير البشرية بأسرها، فهل ستجعل الناس يدركون أيضا بأن الفلسطينيين بحاجة إلى بلدهم الذي يعيشون فيه بسلام. ما رأيت في مخيمي صبرا وشاتيلا حقيقي، ولن أنسى أبدا ما رأيت في 18 من سبتمبر/ أيلول 1982، لكن المنطقة التي مشيت فيها كانت جزءا صغيرا جدا من المخيّم”.
“أقِفُ الآن فوق أنقاض مدينة القنيطرة”.. جرائم في هضبة الجولان
يستعرض المخرج “جيم غرانمر” في فيلم “القنيطرة: موت مدينة” الذي أُنجز سنة 1974 الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في بلدة القنيطرة الواقعة في هضبة الجولان المحتلة، ويرصد مخلفات الدمار الذي سببه جنود الاحتلال بالمساجد والكنائس والبيوت والمقابر.
وثمة تعليقات صوتية تقوم بها “فرانسيس فولر” من دار النشر المعمدانية، ولقاءات تجريها الصحفية “كاثلين فيبس” مع سكّان مدينة القنيطرة، لا سيما وداد ناصيف، المسيحية التي عاشت مع عشرة أشخاص آخرين لمدة سبع سنوات في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وهي من لاجئي فلسطين سنة 1948.
تكشف “فرانسيس فولر” عن طبيعة مشاعرها في أول تعليق صوتي تقول فيه “أقِفُ الآن فوق أنقاض مدينة القنيطرة، لقد جئت لأرى بنفسي ما حدث هنا، لا يمكن تصديق ما حدث دون رؤية القنيطرة، أدركتُ اليوم وأنا أجوب الشوارع كم كانت هذه المدينة جميلة، حيث الأشجار والحدائق في كُلِّ مكان. كان عدد من بيوت المدينة كبيرا وفخما. كانت القنيطرة موطنا لـ53 ألف سوريّ”.
وتمضي بالحديث عن القنيطرة التي احتلتها القوات الإسرائيلية عام 1967، وحاول العرب استرجاعها في حرب 1973، لكن الولايات المتحدة الأمريكية رعت المفاوضات التي أفضت إلى دخول قوات الأمم المتحدة إلى المدينة في السنة التالية، فوجدوا أن الجيش الإسرائيلي قد استعمل الديناميت والجرافات بشكل ممنهج، وسوّى المدينة بالأرض بعد اتفاقية فك الارتباط التي سبقت الانسحاب بقليل.
نهب المعابد والمقابر.. يد الإجرام تصل الأحياء والأموات
تذكر وداد ناصيف في معرض إجابتها على أسئلة الصحفية “كاثلين فيبس” بأن القوات الإسرائيلية دمرت المدينة على مدار سبع سنوات، وكان سائقو الجرافات يواصلون العمل ليلا ونهارا، وما يستعصي عليهم من بناء قوي كانوا يفجّرونه بالديناميت.
كما نستشف من إجاباتها الصريحة أنّ القنيطرة كانت مدينة مسيحية مسلمة متآخية، فيها ثلاثة مساجد وثلاث كنائس دُمرت جميعها، وسُرقت محتوياتها بما في ذلك الصلبان والثريات والرخام المزخرف، والأيقونات العتيقة، ونوافير المياه المقدّسة، وأحواض التعميد، وحتى أدوات المطبخ التي يستعملها القساوسة، كما حولوا المستشفى الحديث (آنذاك) الذي يشتمل على 300 سرير إلى موقع للتمرين على الرماية.
وأكدت وداد بأن هذا الدمار كان ممنهجا، بل إنهم قاموا بما هو أفظع من ذلك حينما نبشوا القبور وسرقوا ما فيها من مجوهرات، خاصة القبور المسيحية، لأن موتاهم لا يكفّنون مثل المسلمين واليهود، وإنما يلبسونهم أفضل ملابسهم، وتُدفن معهم مجوهراتهم الثمينة، ويوضعون في نعوش مغلقة داخل مدافن العائلة، فلا غرابة أن تتعرّض للتدنيس والسرقة، فقد اكتشف أحد الأطباء أن بعض كسور الموتى حديثة العهد.
وتختم حديثها بأن الجنود الإسرائيليين “دمّروا 17 مدفنا عائليا من أصل ثلاثين، خمسة عشر منها نُهبت تماما، ومُثّل بـ46 جثة؛ خمسة أطفال و16 امرأة و25 رجُلا. لكنها نفت بأنّ اليهود جميعهم يؤيدون مثل هذه الجرائم البشعة.
يذكرنا المخرج “جيم كرانمر” في أحد التعليقات الصوتية بالمادة “6 ب” في القانون الدولي، وهي “تنص بوضوح على أن التدمير المتعمّد للمدن والبلدات والقرى دون مبرر عسكري يعدّ جريمة حرب، فمنذ عام 1948 دمرت إسرائيل 385 مدينة وبلدة وقرية في فلسطين. أما في سوريا، فقد دمرت إسرائيل سبعة من مدائنها منذ عام 1967، منها القنيطرة”.
وطالبت وداد ناصيف بترميم القبور المدنسة حتى يرقد موتاها بسلام، كما تمنت أن يترك المسؤولون السوريون القنيطرة على ما هي عليه، كي تظل نُصبا تذكاريا، “لأنّ العرب طيبون للغاية، وسرعان ما ينسون شرور الآخرين”.
مهند يعقوبي.. مخرج ومنتج يحمل قضايا فلسطين إلى العالم
بقي أن نقول إنّ مهند يعقوبي هو مخرج ومنتج فلسطيني، وأحد مؤسسي شركة “إيديومز فيلم” (Idioms Film). وقد أنجز فيلمه الروائي الطويل الأول سنة 2016 الذي يحمل عنوان “خارج الإطار”، أو “ثورة حتى النصر”، وعُرض أول مرة في مهرجان تورونتو السينمائي، وفيلم “استعادة التضامن” هو فيلمه الطويل الثاني، وقد اختير في مهرجان مراكش السينمائي الدولي عام 2022.