كنائس فلسطين.. تاريخ المسيحية الحي الصامد في وجه اللصوص والقذائف

على مدى 75 عاما قاومت جدرانُ الكنائس في فلسطين المحارقَ التي توقدها يد المحتل ومن معه، فكانت هدفا للنيران التي أشعلها المستوطنون، ولصواريخ وقذائف الجيش الإسرائيلي ومحاولات التدنيس المتكررة.

غير أن البنيان الضارب في عمق مئات السنين يهتز ولا يسقط، فعشرات الكنائس في القدس والناصرة وغزة وبيت لحم كانت شاهدة على الإيمان المبكر للمسيحيين، ومتابعة له لألفيتين من السنين، ولم تكن مجرد مبانٍ، بل مجلدات عملاقة تروي التاريخ، وهي أيضا مشتل للمقاومة في فترة النكبة والنكسة.

كنيسة القيامة.. إحدى ثالوث الكنائس التاريخية في فلسطين

كنيسة القيامة.. إحدى ثالوث الكنائس التاريخية في فلسطين

كانت كنيسة القيامة أحد أضلاع ثالوث الكنائس التاريخية المقدسة في فلسطين، إلى جانب كنيسة المهد وكنيسة الصعود.

بُنيت كنيسة القيامة في عهد الملك “قسطنطين” فوق الصخرة التي يؤمن المسيحيون أن يسوع قد صلب عليها، وتقع الكنيسة في القدس، تحديدا في البلدة القديمة. كان “قسطنطين” أول أباطرة روما اعترافا بالمسيحية دينا، وخطط مع والدته الإمبراطورة “هيلانة” لبناء كنيسة في مكان قيامة يسوع، وذلك تمجيدا للمواقع المرتبطة بذكراه.

ويُروى أن الإمبراطورة “هيلانة” سافرت إلى القدس محملة بالذهب، بعد أن كتب الإمبراطور “قسطنطين” رسالة إلى البطريرك “مقاريوس” الأول يطلب منه مساعدتها، من أجل أداء مهمتها في إحياء المقدسات المسيحية.

وحسب بعض المراجع المسيحية، فقد وصلت الإمبراطورة “هيلانة” إلى القدس، عازمةً أن تعثر على صليب المسيح، وأمرت بحفر المكان الذي كان يوجد فيه أحد معابد آلهة الرومان “فينوس”، وهناك اكتشف قبر المسيح إضافة إلى ثلاثة صلبان، حينها أمرت الإمبراطورة “هيلانة” بالبدء في بناء كنيسة على ذلك الموقع.

وتذكر المصادر أن بناء كنيسة القيامة استغرق عشر سنوات، وانتهى بناؤها في نفس سنة انعقاد مجمع صور، أي في العام 335 الميلادي، وتتحدث نفس المراجع المسيحية أن الإمبراطورة “هيلانة” قد أمرت أيضا ببناء كنائس في بيت لحم وفي جبل الزيتون، وفي الجسمانية وفي أماكن أخرى كثيرة في فلسطين، وهي مواقع مرتبطة بحياة يسوع، وكانت مسرحا لأحداث العهد الجديد.

يقول “جوردان رايان” في بحث له بعنوان “هندسة البناءات التاريخية المسيحية المبكرة في فلسطين”: بُنيت الكنائس الأثرية من قبل السلطة في الإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى توثيق الأحداث التاريخية في حياة يسوع، ورافقه تغيير المشهد المعماري للمنطقة بشكل أساسي. كان ظهور الكنائس في فلسطين أيضا بمثابة تطور جديد في الطريقة التي يمكن بها تذكر حياة يسوع واختبارها وتفسيرها.

لقد كانت بمثابة آثار تذكارية، إذ تقدم وتفسر وتمثل ذكريات أحداث معينة في حياة يسوع الناصري. شكل ظهور الكنائس الأولى تجسيدا لحياة يسوع، من أجل إحياء ذكرى شخص المسيح ثم تفسيرها، مع المساهمة في تشكيل الهوية المسيحية من خلال بناء ذاكرة عامة. إن الوظيفة الأساسية للكنائس التذكارية في فلسطين المخصصة لأحداث حياة يسوع هي، بطبيعة الحال، إحياء الذكرى.

ووفقا لـ”باري شوارتز”، فإن إحياء الذكرى يحشد الرموز لإيقاظ الأفكار والمشاعر حول الماضي، ومن خلال الاحتفال بالأحداث التي يعتقد أنها تستحق التذكر، يصبح إحياء الذكرى حافزا يجعل المجتمع واعيا بذاته، لأنه يؤكد على الألفة والهوية المتبادلة بين أفراد المجتمع.

الواجهة الأمامية لكنيسة القيامة

ووفقا لـ”بول كونرتون”، فإن السيطرة على ذاكرة المجتمع تحدد إلى حد كبير التسلسل الهرمي للسلطة، وأن إحياء الذكرى يؤدي ضرورة إلى تقديس الماضي، ويساهم في تشكيل الهوية الجماعية وفي إنشاء الذاكرة الرسمية.

كنيسة المهد.. “هنا ولد المسيح من مريم العذراء”

بُنيت كنيسة المهد في العقد الثالث من القرن الرابع الميلادي، بالتوازي مع بناء كنيسة القيامة، وذلك بأمر من الملكة “هيلانة” والدة الملك “قسطنطين الكبير”، وتختلف المصادر بخصوص تاريخ بداية تشييدها الذي يرجح أن يكون بين العامين 330-333 من الميلاد، وقد افتُتحت في العام 339 الميلادي.

تقع الكنيسة في بلدة بيت لحم الواقعة جنوب الضفة الغربية، وهي مكان ميلاد يسوع المسيح حسب المراجع التاريخية المسيحية، وقد أعاد الإمبراطور البيزنطي “جستنيان” بناءها في أواسط القرن السادس الميلادي، واحتفظت الكنيسة بملامحها التي شيدت عليها قبل قرابة 14 قرنا من الزمن، وهو ما ذكره الباحث نظمي الجعبة في كتابه “كنيسة المهد في بيت لحم أقدم كنائس فلسطين، دراسة في العمارة والفنون والتاريخ والتراث”.

يقول الباحث “جوردان رايان” إنه على الرغم من أنها لم تكن قبرا، فإن كنيسة المهد كانت مكانا تُحيى فيه ذكرى حدث مهم في حياة يسوع، وهو حدث ولادته، ومن ثم فهي تشترك في أيقونية العمارة التذكارية المسيحية التي أُنشئت سابقا في شكل كنيسة القيامة، من خلال الجمع بين كاتدرائية ضخمة مزخرفة بشكل غني، مع قاعة مستديرة ذات مخطط مركزي، ومع الأضرحة الإمبراطورية متعددة الأضلاع. لقد احتفلت كنيسة المهد بحياة شخصية ملكية، وهي تقدس مكان ولادته بدلا من قبره.

تحتوي كنيسة المهد على واحد من أقدس وأطهر الأمكنة عند المسيحيين، وهو المكان الذي ولد فيه المسيح، حيث توجد نجمة فضية تحمل كتابة باللغة اللاتينية (Hic De Virgine Maria Jesus Christus Natus Est) وتعني: “هنا وُلد المسيح من مريم العذراء”.

وتتفق الباحثة رشا عبد المنعم إبراهيم في دراسة لها بعنوان “السمات العامة لمعمار وفنون كنائس الحج بالأراضي المقَدسة ” مع الباحث “جوردان رايان” في القول إن الكنائس المقدسة الثلاثة في فلسطين، وهي كنيسة القيامة والمهد والصعود، تجسد جميعها رواية سيرة المسيح، وتستحضر جوهر العقيدة المسيحية.

مكان ولادة النبي عيسى عليه السلام حسب المصادر المسيحية

تقول الباحثة رشا إن مركز الحج في العالم المسيحي يتركز في ثلاثة أماكن تعد أقدم وأهم وأول هذه الأماكن، ومنبع الكنيسة الأم، أما الباحث “رايان”، فيقول: تمثل كنيسة القبر المقدس أو القيامة، وكنيسة المهد، وكنيسة الصعود ثلاثة أحداث مركزية في حياة يسوع، وهي: التجسد، والآلام، ثم القيامة والصعود، وتشكل هذه المواقع الثلاثة تفاصيل السيرة الذاتية لحياة يسوع التي عبّرت عنها عقيدة الإيمان الكنسي، وهذه السيرة تمثلها تلك الكنائس الثلاثة.

كنيسة الصعود.. فصل من فصول الإيمان لدى المسيحيين

ثالث أهم معالم المعمار الكنسي في القدس هي كنيسة الصعود التي أقيمت فوق جبل الزيتون، ويرجع تاريخ بنائها إلى القرن الرابع الميلادي في عهد الملك “قسطنطين” سنة 390 الميلادية، وتروي هذه الكنيسة أحد فصول الإيمان في العقيدة المسيحية، وهو صعود المسيح للسماء في اليوم الأربعين بعد قيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، بعد صلبه في تل الجلجثة، حسب الرواية المسيحية.

ويقول الباحث “جوردن رايان” في دراسة “هندسة المعالم التاريخية المسيحية المبكرة في فلسطين”: كان الاحتفال المسيحي على جبل الزيتون ثنائيا، حيث تتجمع الذاكرة حول الكهف الذي تعلّم فيه يسوع، والقمة التي صعد منها إلى السماء. في القرن الرابع، بُني مبنيان تذكاريان على قمة جبل الزيتون يفصل بينهما أقل من 100 متر، وهما كنيسة “باتر نوستر” وكنيسة الصعود.

تتكون كنيسة الصعود من مجمع دائري يتميز بهيكل مقبب، وقد سمح المخطط المركزي لكنيسة الصعود بتحديد مكان معين في وسط الهيكل، وكان هذا -بحسب المصادر- هو المكان الذي تحدثت فيه الرواية المسيحية عن صعود يسوع والبصمة المزعومة لـ”الأقدام الإلهية” الموجودة داخل كنيسة الصعود مثلما كتب “باولينوس” أسقف “نولا”.

كنيسة الصعود هي ثالث أهم معالم المعمار الكنسي في القدس

تحولت الكنيسة إلى مسجد عقب حصار المسلمين للمدينة المقدسة، وأعيد بناؤها في بداية القرن الثاني عشر حسب تصميمها الأصلي مع إضافة بعض التغييرات، لتتحول بعد أن فتح صلاح الدين الأيوبي القدس في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1187 الميلادي إلى مسجد مرة أخرى، لكن استمر مع ذلك المسيحيون في الحج إلى ذلك المكان في عيد الصعود، ويخضع ذلك الموقع إلى إشراف دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس.

كنيسة البشارة.. المكان الذي بُشرت فيه مريم بميلاد المسيح

تتناثر سيرة حياة السيد المسيح في مدن فلسطينية كثيرة، تستحضرها جدران كنائسها، فقد بُنيت كنيسة البشارة في مدينة الناصرة في موقع يقال إنه المكان الذي تلقت فيه مريم العذراء بشارة ميلاد المسيح من الملك جبرائيل.

وتقول الباحثة رشا عبد المنعم إبراهيم إن هذه الكنيسة هي أهم الكنائس وأكثرها قداسة، وقد بُنيت على الطراز البيزنطي في القرن الثاني عشر الميلادي قرب المغارة المقدسة، في مكان الكنيسة الأولى التي شُيدت في العام 427 الميلادي، وهي جزء من منزل مريم العذراء والقديس يوسف النجار الذي سكنا به بعد عودتهما من مصر، قبل أن تهدم خلال غزو الفرس في العام 614 الميلادي، ويعاد بناؤها في بداية القرن الثاني عشر.

وتصف الباحثة رشا عبد المنعم إبراهيم الكنيسة بأنها “كنيسة صغيرة مقسمة إلى قاعة وجناحين من طابقين، الطابق السفلي يتبع آثار أساسات الكنيسة الصليبية، وفي الوسط المذبح فوق مغارة البشارة، وهي تحت قبة الكنيسة العليا”.

مغارة كنيسة البشارة في الناصرة

وفي شمال كنيسة البشارة، شُيدت كنيسة القديس يوسف وتسمى بالمقدسة أيضا، وتقع فوق مغارة في الناصرة، ويُقال إنها كانت ورشة يوسف النجار التي علّم فيها يسوع حرفة النجارة، حسب روايات مسيحية.

كنيسة الزيارة.. حيث قضت مريم العذراء شهورها الأولى

بدت كنائس فلسطين كأنها كتاب تاريخ فتح دفتيه على كل مكان وطئته قدما يسوع، فكنيسة القديس يوحنا المعمدان في بلدة عين كارم يُروى أنها قد بُنيت فوق منزل زكريا وإليزابيت ابنة خالة مريم العذراء وأم يوحنا المعمدان، حيث توجد على يسار الهيكل الرئيسي مغارة صغيرة فيها ولد القديس يوحنا المعمدان، وبها قبور الأبرياء الشهداء الذين ذبحهم “هيرودس”.

وتشهد كنيسة أخرى مبنية على رأس التل ببلدة عين كارم تسمى كنيسة الزيارة على الشهور الثلاثة التي قضتها مريم العذراء مع ابنة خالتها إليزابيت خلال مراحل حملها الأخيرة.

بُنيت هذه الكنيسة في العصر البيزنطي، ثم أعيد بناؤها في القرن الثاني عشر خلال الحملات الصليبية، ونُقشت على واجهة الكنيسة صور جدارية لمريم العذراء مع ملائكة في الطريق من الناصرة لزيارة إليزابيت، وعلى الجدار المقابل للكنيسة ترجمة نشيد العذراء بإحدى وأربعين لغة.

وتصف رشا عبد المنعم إبراهيم الكنيسة قائلة: في المغارة وبجوار الحائط الأيمن، يوجد حجر مطبوع عليه آثار جسم طفل، وتقول الرواية إن الطفل الصغير يوحنا المعمدان ترك هذه الآثار على الحجر حين خبأته أمه من جنود “هيرودس” خلف هذا الحجر.

الكنيسة الإنجليكانية.. وكر مقاومة الاحتلال البريطاني والصهيوني

في العقد الثاني من القرن التاسع عشر، قادت الحركة الإنجيلية ضمن جمعيات تبشيرية محاولات للانتشار في الشرق الأوسط، وبالتحديد داخل الأراضي المقدسة. وبحلول القرن العشرين، أصبح مسيحيو فلسطين التابعين للكنيسة الإنجيليكانية في عهد الأسقف “ماكين” فاعلين داخل المجتمع المسيحي، وزاد عدد القساوسة العرب بحلول أربعينيات القرن الماضي، حتى أن عددا من الباحثين تحدثوا عن تعريب الكنيسة الإنجليكانية في فلسطين، وهو ما سيكون له أثر بدخولها في صف مقاومة الانتداب البريطاني والصهيوني.

يقول الباحثان “سيث فرانتزمان” و”روث كارك” في بحث بعنوان “الكنيسة الإنجليكانية في فلسطين وإسرائيل.. الاستعمار والتعريب وملكية الأراضي” إنه بحلول العام 1947 بدأ رجالُ الدين الإنجليكان والطلابُ العرب الذين درسوا في المدارس الإنجليكانية في هذه الفترة، رفعَ أصواتهم وتكثيف أنشطتهم في الدوائر المناهضة للصهيونية، بالإضافة إلى ذلك، درس المسيحيون العرب من خارج الكنيسة الإنجليكانية المنتمين لعائلات من الطبقة العليا مثل خليل السكاكيني في المؤسسات الإنجليكانية، وتبنوا ذلك الخطاب المناهض للصهيونية.

يقول” سيث فرانتزمان” و”روث كارك”: باختصار، وجد صعود القومية العربية والشيوعية أتباعا بين العرب الإنجليكانيين البارزين، ولا يمكن تجاهل دعم رجال الدين المحليين للقضية العربية وتداعياته فيما بعد على العلاقات بين الكنيسة والدولة في إسرائيل، وتشهد الفترة الإسرائيلية استمرارا لنشاط رجال الدين الأنجليكان وأعضائهم، ردا على إنشاء دولة إسرائيل، ويواصلون مشاركتهم في القضايا الفلسطينية على المستويين العلماني والعقائدي.

في نهاية المطاف، أدى نشاط رجال الدين العرب إلى صراع جزئي مع زملائهم البريطانيين ومع البيروقراطية الإسرائيلية، لكن بعد العام 1948، نما القلق بسبب مسار الحرب، لا سيما مع تضرر بعض المؤسسات الإنجليكانية خلال حرب 1948، بما في ذلك كنيسة القديس بولس الإنجليكانية في القدس، والكنيسة الإنجليكانية في عكا، وكنيسة “سانت جورج” التي تعرضت لأضرار، بسبب قذائف أطلقت من منطقة الشيخ جراح.

أجراس في مواجهة نيران الاحتلال.. محاولات طمس الهوية

يحصي تقريرٌ نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية الاعتداءاتِ الإسرائيليةَ على المقدسات المسيحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وحتى 2012، ويتهم التقرير الاحتلال بأنه يرتكب تلك الاعتداءات من أجل “تقليل الوجود المسيحي في فلسطين، لا سيما في القدس، وتشجيع هجرة الفلسطينيين المسيحيين إلى الخارج”.

وحسب التقرير فقد حطّم الإسرائيليون أبواب كنيسة القديس يوحنا المعمداني ونوافذها، وسرقوا محتوياتها في عين كارم في العام 1967، وكان من ضمن المسروقات أيقونة السيدة العذراء التي عرضت فيما بعد في معرض بتل أبيب، وفي العام ذاته استهدفت القذائف الإسرائيلية ممتلكات كنيسة القديس جورج، واستُعملت الكنيسةُ الأرمنية للقديس المخلص ثكنةً للجيش الإسرائيلي، كما حول الإسرائيليون في ذلك العام كنيسة مار جرجيس للروم الأرثوذكس في حي الشماعة إلى بناية سكنية.

صورة لسحل أحد رجال الدين المسيحيين في القدس على يد قوات الاحتلال

وكانت كنيسة القيامة هدفا للسرقة أيضا من قبل الإسرائيليين، فقد سطوا في العام 1968 ليلا على مجوهرات موضوعة على تمثال العذراء، واستطاعوا سرقة التاج المرصع بالأحجار الكريمة الذي كان على رأس تمثال مريم العذراء في العام 1969، وعُرض التاج للبيع في تل أبيب، وتعرضت الكنيسة ذاتها في العام 1971 إلى محاولة حرق من قبل إسرائيلي حطّم قناديل أثرية موضوعة على القبر المقدس.

وفي عام 2000 حاولت بلدية القدس المحتلة هدم كنيسة المصعد المشيدة على جبل الزيتون، بحجة أنها قد شيدت دون ترخيص، كما تعرضت كنيسة “مار نقولا” في بيت جالا لقصف بالقنابل من مستوطنة قريبة سنة 2001، وفي العام ذاته احتل الجيش الإسرائيلي الكنيسة اللوثرية في بيت جالا، واقتحمت دباباتٌ ساحتَها.

وفي عام 2002 استهدف الإسرائيليون كنيسة جمعية الشبان المسيحية في بيت ساحور بالقذائف والرصاص، وهو ما تسبب في دمار عدة بنايات منها. وفي العام ذاته، تعرضت كنيسة الخضر في منطقة بيت لحم للقصف الإسرائيلي والرصاص، كما أقدم الجيش الإسرائيلي على إطلاق النار على كنيسة المهد في بيت لحم، مما أدى إلى نشوب النار في مدخلها، كما هُدمت كنيسة قرية عبود وصودرت الحقول الزراعية التابعة لها.

تواصلت اعتداءات الإسرائيليين على الكنائس في فلسطين، فأصبحت أهدافا للنار والقصف، جنبا لجنب مع الجامع والمستشفى والمدرسة، في محاولة لطمس أي أثر يقول إن هذه الأرض فلسطينية، وستبقى فلسطينية.

كنيسة الروم الأرثوذكس.. آخر ضحايا يد الاحتلال الهمجية في غزة

لم تكفّ يد المحتل عن استهداف مقدسات المسيحيين عند هذا الحد، بل تواصلت بأكثر بطش وحدّة، لتطال كنيسة الروم الأرثوذكس في غزة، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام 2023، لتضرب بذلك أقدم كنائس غزة وأكثرها توقيرا.

تقع كنيسة الروم الأرثوذكس أو كنيسة القديس “برفيريوس” في حي الزيتون، أكبر أحياء غزة. وأُطلق هذا الاسم على الكنيسة تيّمنا بالقديس “برفيريوس” اليوناني الذي سُمي مطرانا لمدينة غزة سنة 395 للميلاد، حيث مات ودفن هناك، وما زال قبره في كنيسة الروم الأرثوذكس مزارا لمسيحيي غزة.

وتذكر مصادر تاريخية أن الكنيسة الأصلية والأعمدة الأولى بها، ترجع لبداية القرن الخامس، وتلاها بناء ثانٍ أيامَ الحملة الصليبية الأولى، واتخذت شكلها الحالي في منتصف القرن التاسع عشر.

ومع تفرد الكنيسة ومكانتها الدينية عند مسيحيي غزة ومجمل مسيحيي الروم الأرثوذكس في الشرق، فإنها لم تسلم من همجية الآلة الصهيونية في الحرب على غزة سنة 2014، فكانت عُرضة للقصف بعد إيوائها عائلات النازحين الذين حسبوا أن كنيسة مسيحية لن تطالها يد النيران الصهيونية.

يعود نفس السيناريو سنة 2023، ولكن بحدة أشد، حيث قُصفت الكنيسة مباشرة بقذائف الجيش الإسرائيلي، وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سقوط 20 شهيدا جلّهم من مسيحيي غزة. وقد حاولت سلطةُ الاحتلال التنصلَ كعادتها من هذه المجزرة بالقول إن القصف لم يكن متعمدا، لكن تحقيقا للجزيرة أكّد أن القصف كان مخططا ومباشرا، ضاربا بذلك كل أعراف القانون الدولي.