أحاديث البدايات في السينما الفلسطينية

بشار إبراهيم

غالبية الروايات التي أرَّخت للبداية الأولى في الإنتاج في السينما الفلسطينية، والتي اعتمدها المؤرخون، أو الباحثون، ترى أنه يُنسب التاريخ الأول  لنشوء السينما الفلسطينية إلى العام 1935، وذلك عندما قام إبراهيم حسن سرحان بتصوير فيلم تسجيلي قصير؛ (مدته 20 دقيقة)، عن زيارة الملك سعود لفلسطين، وتنقّله بين القدس ويافا، ويُذكر أن من رافق الملك سعود في تلك الرحلة، كان الحاج محمد أمين الحسيني، أحد أبرز الزعامات الدينية والوطنية، في فلسطين، حينذاك، ولفترة طويلة لاحقة، قبل النكبة وبعدها.
ويُعدُّ تصوير هذا الفيلم، إن صحَّ الأمر، مجرد مغامرة فردية من قبل إبراهيم حسن سرحان، إذ كان (وفق الرواية التي يقدمها الباحث عدنان مدانات في الموسوعة الفلسطينية، والتي يتفق فيها مع ما اعتبره المخرج العراقي قاسم حَوَل اكتشاف أول سينمائي فلسطيني)، قد اشترى كاميرا تدار باليد، وقرأ كتباً عن فن التصوير والعدسات والطبع والتحميض، وكان وحده يقوم بتطبيق ما يقرأ، ويصنع الأجهزة بنفسه، بما فيها طاولة المونتاج..
ويُقال إن إبراهيم حسن سرحان بقي يصور أفلاماً دعائية إعلانية قصيرة، حيث يُروى أنه أسس شركة إعلانات مع الصحفي زهير السقا، في مدينة يافا، وأنجز مقدمة سينمائية قصيرة يظهر فيها الحاج أمين الحسيني مع العلم الفلسطيني، وكانت هذه المقدمة تُعرض قبل عرض الأفلام في الصالات السينمائية بفلسطين، في تلك الفترة.. وبعد النكبة التي وقعت عام 1948، نزح إبراهيم حسن سرحان إلى الأردن، حيث يُروى أنه قام بإخراج أول فيلم روائي أردني طويل عام 1957.. ولقد عاش بقية حياته، حتى وفاته عام 1976، في مخيم شاتيلا، جوار بيروت، يعمل سمكرياً، في بيت متواضع.
وبالعودة إلى بدايات السينما الفلسطينية، ذاتها، نجد أنه ستتوفر روايات أخرى تتحدث عن دور أحمد حلمي الكيلاني، الذي يُروى أنه درس السينما في القاهرة إخراجاً وتصويراً، وتخرج منها عام 1945، وعاد إلى فلسطين ليؤسس شركة إنتاج سينمائي مع كل من جمال الأصفر وعبد اللطيف الحاج هاشم، هي (الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية)، والمعلومات والروايات هنا أيضاً متضاربة.
ومن جهة أخرى، يذكر أن الفلسطيني محمد صالح الكيالي، كان قد سافر إلى إيطاليا، ودرس الإخراج السينمائي هناك، ثم عاد إلى فلسطين ليتعاون مع المكتب العربي، التابع لجامعة الدول العربية، حينذاك، والذي كلّفه العمل على إخراج فيلم عن القضية الفلسطينية، غير أن هذا الفيلم لم يُنجز. وقد هاجر محمد صالح الكيالي إلى القاهرة، واستقر فيها، وأخرج بعد عام 1948 مجموعة أفلام تسجيلية قصيرة وطويلة، بعضها كان موضوعه عن فلسطين، وبعضها الآخر عن موضوعات مصرية الشأن. كما أخرج وأنتج أفلاماً روائية طويلة تنتمي إلى السينما التجارية، في كل من سوريا ولبنان، التي ازدهرت في الستينات من القرن العشرين.
عموماً سنجد أن السينما الفلسطينية، في الفترة ما قبل النكبة عام 1948، كانت عبارة عن محاولات ومغامرات فرديّة بحتة، لم تستطع خلق سينما فلسطينية حقيقية، لأنها أصلاً لم تكن محاولات منظّمة، ولم يوضع أيّ أساس لصناعة سينمائية فلسطينية، رغم محاولات تأسيس بعض شركات الإنتاج السينمائي، والتي أخفقت جميعها، لأسباب ذاتية وموضوعية، كما لم تكن المحاولات السينمائية الفلسطينية قائمة على أساس من وعي ثقافي ومعرفة بأهمية السينما، ودورها كسلاح إعلامي فعال، بل فُهمت كمجرد قصص يمكن تمثيلها وعرضها للتسلية. وهذا الموقف (للمزيد من الأسف) كان على النقيض مما فعلته الحركة الصهيونية، التي أدركت مبكراً أهمية السينما، واستخدمتها في خدمة أهدافها ومقولاتها..

كامل المقال