غابات الأمازون.. شهداء قضوا نحبهم في سبيل حماية البيئة

مهدي أمين المبروك

على مساحة واسعة من البرازيل الدولة الواقعة في قارة أمريكا الجنوبية يمتد الجزء الأكبر من غابات الأمازون التي تمثل رئة العالم بفضل وجود الأشجار الممتدة التي تمنح البيئة جمالاً والأجواء نقاءً. وقد تعرّض جزء كبير من تلك الغابات للاجتثاث والتدمير، ففي السنة الماضية وحدها قضى على 6000 كم مربع من مساحة الغابة.

لم يتوقف التدمير على الشجر وإنما أعقبه قتل لكل من يرغب في حماية الغابات، ويقف في وجه الساعين إلى تدميرها لتحقيق مكاسب مادية.

بين أيدينا أحد أفلام سلسلة عالم الجزيرة المعنون بـ”الغابة الباكية”، ويروي قصة مناضلَين قُتلا في سبيل حماية البيئة في غابات الأمازون.

تنبأ زي كلاوديو بمقتله قائلاً سأعيش مما توفره الغابة لي وسأحميها مهما كلفني الأمر لهذا فأنا معرض لتلقي رصاصة في رأسي في أي وقت

 

الشهادة في سبيل الغابة

تنبأ “زي كلاوديو” بمقتله قائلا: أعيش مما توفره الغابة لي، وسأحميها مهما كلفني الأمر، لهذا فأنا معرض لتلقي رصاصة في رأسي في أي وقت. وبعد ستة أشهر من تلك النبوءة تعرض هو وزوجته “ماريا ديسبيرتو سانتو سيلفا” للإعدام بطريقة وحشية تصدرت أبرز عناوين الأخبار حول العالم، وعُقد مجلس عزائهما في “مارابا” المدينة الأمازونية الرملية وهي أقرب مدينة كبرى إلى المستوطنة التي أنشأها “زي كلاوديو” وزوجته “ماريا”.

تظهر في الفلم لافتة معلقة خارج منزل عائلة “كلاوديو” كُتب عليها “الغابة تبكي اليوم”. طلبت “كلوديليس سيلفا دوس سانتوس” شقيقة “زي كلاوديو” من مراسل الجزيرة الدخول إلى بيتها، ثم عرّفته على ابنتيها الصغيرتين “ماتيشسيا ودورثي”، وحاولت أن تُريَه الصحف التي يظهر فيها تفاصيل التهديد بالقتل.

تقول “كلوديليس”: ولدت ابنتي “دورثي” بعد سنة على موت المواطنة الأمريكية “دورثي ستانغ” التي اغتيلت عام 2005 بعد أن كرَّست حياتها للدفاع عن الأمازون فقرَّرتُ إحياء ذكراها بتسمية ابنتي باسمها حيث كان كفاحها مشابها لكفاح العائلة.

تشير كلوديليس إلى صورة تعود للاحتفال بعيد ميلاد جدها الرابع والسبعين، ويظهر فيه “كلاوديو” الذي وصفته بالمشاغب والمنفتح الذي يحب الكلام بصوت مرتفع، ثم قالت: وعدته إذا حصل له أي مكروه أن لا أرتاح حتى تطبق العدالة.

وسط أجواء من البكاء على فقدان الابن تقول “رايموندا سيلفا دوس سانتوس” والدة “كلاديو”: نحن الآن لا نستطيع العودة إلى المستوطنة التي سكنها “كلاوديو” لأن الأشخاص الذين قتلوا ابني ما زالوا هناك في الغابات ويمكنهم أن يقتلونا. وتتابع قائلة: بعد تهديده بالقتل طلبت المساعدة باستمرار، لكن دون أن يهتم أحد، ففقدت ابني.

 

“برايا ألتا”

هذا اسم المستوطنة التابعة لبلدية “نوفا أبيكسوفانا” أسفل النهر في “مارابا” حيث كان يعيش “كلاوديو وماريا”، وهي جزء من برنامج الحكومة لاستصلاح الأراضي، حيث سلمت حكومة البرازيل أراضي للفقراء لتحقيق تنمية نوعية لحياة العائلات من خلال العمل في حصاد شجر الجوز بدلاً من قطعه.

مثلت الغابة والنهر بالنسبة لـ”كلاوديو وماريا” جزءا من حياتهما فحاولا إبطاء عمليات اجتثاث أشجار الغابات المطيرة التي يقوم بها تجار الأخشاب ومربو الماشية ومنتجو الفحم عن طريق إقناع سكان المستوطنة أنه من الممكن العيش مما تنتجه الغابة دون تدميرها لكن مع شُح الدعم الحكومي أُجبرت الكثير من العائلات على بيع أراضيها إلى مربي الماشية، وسمحوا لتجار الأخشاب بالمجيء.

يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان “خوزي باتيستا ألفونسو”: “في هذا المكان حضر “كلاوديو” أول اجتماع حول إنشاء المستوطنة كقائد انتظر مثل هذا المشروع بعد شكوى تزايد أعداد الحطابين ومربي الماشية.

حاول الحطابون ومربو الماشية التأثير على السكان المحليين باتهام المحافظين على البيئة بأنهم شيوعيون يمثلون جماعات أجنبية، ويحاولون الاستيلاء على الأرض.

منزل “كلاوديو” في الغابة

خوف وتوجس

تشعر “لايسا سانتوس سامبايو” شقيقة ماريا بالحزن وهي عائدة إلى منزلها، فبقاء القتلة أحرارا ألقى خوفا وقلقاً عليها وعلى أبنائها، لأنهم لا يتورعون عن جرائم القتل، لكنها بعد دخولها المنزل لا ترغب في مغادرته ثانية.

تحاول “لايسا” أن تخفي هويتها فهي لم تعد تثق بأحد. يقول مراسل الجزيرة: مررنا ونحن في الطريق إلى منزل “كلاوديو” بأشخاص على دراجة نارية فأخفت وجهها عنهم.

المراسل مخاطباً لايسا: هل وصلنا.

لايسا: بقي 300 متر.

المراسل: هل هذا منزلهما.

لايسا: أجل، هذه هي الطاولة التي تضع فوقها كتبها.

شجرة الجوز العملاقة “كاستان هاير” التي سمياها صاحبة الجلالة

منزل كلاوديو وماريا

بدأ مراسل الجزيرة و”لايسا” يتفقدان منزل “كلاوديو وماريا” ففي الخلف توجد الغرفة الرئيسة للزوجين، حيث كانا يجففان الجوز لاستعماله في صناعة الزيوت والصابون، ومصدر كل هذا الجوز هو غابات الأمازون، ولهذا كانت المحافظة على الغابة سليمة أمرا هاما لإنجاز عملهما.

يقول مراسل الجزيرة: بعد ستة أسابيع من عملية الاغتيال يبدو منزل “كلاوديو وماريا” محادثات مبتورة وأحلاما لم تكتمل. وكأن الزمن قد توقف عندها.

يظهر في الفيلم بعض الفلاحين الذين تعلموا من “كلاوديو” وماريا كيف يغيرون أوضاعهم، ويصف أحدهم الطبيعة قائلا: الطبيعة سخية معك لدرجة أنها تمنحك مشطا لتسريح شعرك.

ما تزال الأرض التي تعود لـ”كلاوديو وماريا” مغطاة بالأشجار الكثيفة، وفي وسط تلك الأدغال شجرة من أهم أشجار الجوز البرازيلي تعرف باسم “كاستان هاير” وقد سمياها بصاحبة الجلالة، وهي شجرة ترمز لغابات الأمازون التي يحرم قطعها قانونا.

كانت هذه الشجرة مصدر إلهام لـ”كلاويو وماريا” تقول “لايسا”: لم أر قط شجرة تشبهها، كأنّ هذا المكان قصرها وهي صاحبة الجلالة مُعتلية على العرش وعلى رأسها تاج الملكة، وكلما كان “كلاوديو” يرى شجرة مقطوعة كان كمن يرى جسدا بشريا هامدا.

إحدى المناطق التي طالتها عمليات تعرية الغابة

 

قوات إيباما

بعد أيام من مقتل الزوجين قامت قوات حماية البيئة المعروفة باسم “إيباما” بحملة أدت إلى إغلاق اثنتي عشرة منشرة غير قانونية.

يُطلع “ماركو فيدال” قائد قوات “إيباما” مراسل الجزيرة على المنطقة التي طالتها عمليات تعرية الغابة في “ميدل لاند” ضمن غابات الأمازون، ثم يبين طرقا فتحها الحطابون داخل الغابة لتسهيل أعمالهم. أصبحت هذا المنطقة تمثل الحدود الجديدة لتعرية الغابة.

يقول مراسل الجزيرة: أراد السيد فيدال أن يرينا الحجم الحقيقي للتدمير حاملا معه بندقية رشاشة، لمواجهة أي تهديد قد يأتي من الرجال المسلحين في المنطقة.

الفرق بين هذا المكان والمكان الذي عاش فيه ” كلاوديو” و”ماريا” وقُتلا فيه هو أنه أكثر عزلة، ولا يوجد فيه حماة الغابة المطيرة، فإما أنهم قتلوا، أو أنهم لم يتخذوا منها مكانا لنشاطهم بحكم التهديد الحقيقي بتصفيتهم. يقول فيدال: إذا حاولت منظمات دولية غير ربحية المجيء إلى هنا مثل “جرين بيس” فسوف يتم تصفية أفرادها بكل تأكيد.

يشير مراسل الجزيرة إلى مكان أغلق قبل بضعة أشهر ولأنه ناءٍ فإن قاطعي الأشجار سيعودون إليه، ويتابع قائلاً: هناك أماكن كثيرة توجد على طول نهر الأمازون مثل هذا المكان.

اغتيال زي وزوجته ماريا أثناء ركوبهما على دراجتهما في الغابة

رسائل تحذير

في الوقت الذي تزايدت فيه مطامع تجار الأخشاب في غابات المستوطنة لتحقيق أرباح خيالية كتب ” كلاوديو” و”ماريا” إلى ضباط كثر مثل فيدال رسائل تفيد أن هناك استهدافا مباشرا لهم.

تقول “كلوديليس” شقيقة “كلاوديو”: ذات مرة اجتمع تجار الأخشاب في “نوفا أبيكسونا” وعقدوا حلفا يقضي بقتل كل من “كلاوديو” و”ماريا”، ولكن أحد التجار تخلى عن الفكرة وأخبر “كلاوديو” بالمؤامرة.

في أكتوبر عام 2004 كتبت “ماريا” رسالة إلى وزيرة البيئة البرازيلية “مارينا سيلفا” الحاصلة على جائزة الدفاع عن الغابات المطيرة، مخبرة إياها عن تعرضهما لتهديدات بالقتل.

اشتريا كاميرا لتوثيق المشاكل، وذات مرة ألقى “كلاوديو” نفسه أمام الشاحنات المحملة بأشجار الجوز البرازيلي، وأوقفها قائلا: “أنتم غير مسموح لكم ببيع الخشب”، وقد كادت الشاحانات أن تسحقه.

عملت تلك الكاميرا بيد “كلاوديو” وزوجته أعمالا إبداعية بفضل وجودهما على الأرض وتسجيل الانتهاكات الممارسة ضد البيئة.

في ظل تصاعد التهديدات لقتله في نهايات عام 2010 استُدعي لإلقاء محاضرة في منتدى دولي حول البيئة قال فيه: بعد شهر من الآن قد تتلقون نبأ اختفائي، فلست إلا كائنا بشريا إلا أن خوفي من الموت لن يسكتني.

بعد ستة أشهر غادر “كلاوديو” و”ماريا” منزلهما فجر الرابع والعشرين من مايو عام 2010 وسلكا الطريق نحو “مارابا” على دراجة نارية وحدث ما كانا قد تنبآ به.

ففي الساعة الثامنة وأربعين دقيقة صباحا جاء خبر اغتيال الزوجين، تقول “كلوديليس”: سمعت أمي الخبر وبدأت في الصراخ متأوهةً: لقد قتلوا ابني.

يقول “غيدينالدو سوزا” صحفي في جريدة “أوبينياو”: اتصل بي رئيس التحرير ليخبرني بقتل الزوجين، الشيء الوحيد الذي كان يتبادر إلى ذهنك أنه صراع حول الأرض.

يقول “خوزي أوغوستون أندرادي” وهو محقق في مسرح الجريمة: عادة ما يكون عدد مسارح الجرائم قليلا في وسط الأسبوع، في هذا اليوم حدثت جريمة قتل مزدوجة في “نوفا أبيكسونا”.

يرى “ماركوس أوغوستو كروز” قائد الشرطة المحلية أنَّ هناك دوماً صراعا حول البيئة، وكان يوجد كم كبير من المصالح المنخرطة في هذا الصراع بين مربي الماشية وملاك الأراضي، علينا الآن غربلة كل هذه المعطيات حتى نصل إلى نتيجة ما.

تكريما لذكرى خوسيه، نصب هذا النُصب في موقع حادثة اغتياله

 

مسرح الجريمة

مسرح محزنٌ ورهيبٌ حيث يرقد “كلاوديو” على الجانب الأيمن من الطريق بالقرب من الجسر مقطوع الأذن، ويجتمع حوله جمع غفير من الناس. يقول “خوزي باتيستا”: خلال الساعتين التي قضيتهما بالقرب من مكان الجريمة عادت لي ذكريات 14 عاما عرفتهما فيها بتفاصيلها.

تتحدث “لايسا” قائلة: هذا الجسر هو الذي كان عليهما أن يتمهلا وهما يقطعانه، وعندما خفَّضا من سرعتهما كان المسلحون ينتظرونهما جالسين على قطعة الخشب تلك، صوبوا نحوهما نيران أسلحتهم فسقط “كلاوديو”.

تتابع قائلة: هنا نظارته، وخوذته المهشمة، لقد سحبوه وقلبوه على هذه الوضعية نعتقد أنهم نالوا منهما هنا، بسبب وجود كميات كبيرة من الدماء، في هذه الحفرة تجمع النحل على فم ماريا، حاولت إخافته وإبعاده بهذا الغصَين حتى لا يؤذي بشرتها، شعرت بالغيظ فالذين حلموا بموته انتصروا اليوم.

وقد رفض أفراد الشرطة التحدث عن نتائج التحقيقات ولكن “أوغوستون” كسر حاجز الصمت مخبراً أن عملية الاغتيال في “نوفا أبيكسونا” لم تكن عادية لأن المجرمين استخدموا بندقية صيد.

أطلق المجرمون على “كلاوديو” و”ماريا” الرصاصة الأولى التي أصابت كليهما، ثم وجهت الرصاصة الثانية تجاهه للتأكد من وفاته، وهناك من نزع الخوذة عن رأسه للتأكد من شخصيته، ثم قطعت أذنه ليثبت المجرمون قتله. لسوء حظ ماريا أنها كانت برفقة زوجها على متن الدراجة النارية، مما أدى إلى استهدافها أيضا.

يقول مراسل الجزيرة: بعد مضي أربعين يوما على حادثة القتل لا يمكن التحدث عن تقدم للشرطة في إلقاء القبض على القتلة، لكن السلطات الفيدرالية أخبرتني أنهم قد يكونون قريبين من بعض المشتبه فيهم.

مهرجان استعراض البقر والمزاد العلني في أجواء صاخبة تمتزج فيها حياة رعاة البقر باحتفالات شرب الجعة ومربي المواشي

 

مربو الأبقار

تروِّج الشرطة لتورط “ليبورتريه” الرجال المسلحون الذين قد دُفع لهم 3000 دولار مقابل قتل “كلاوديو”. يقول مراسل الجزيرة: “بينما كانت الشرطة تواصل مطاردتها ذهبتُ للالتحاق بسلطات البيئة وهي تنفذ مهمة أخرى في الأدغال المحيطة في “السو فيلكس دوسينجو” وهي مدينة لتربية المواشي ومكان يقترن بالعنف وتعرية الغابة.

يقول مراسل الجزيرة: المنطقة التي نقصدها يوجد فيها واحد من أكبر قطعان الأبقار في كل الأمازون، لقد ساعد النمو السريع للأبقار أن تصبح البرازيل ثاني أكبر منتج للحوم البقر وأكبر مصدريها.

إنتاج لحوم البقر هو أكبر الأسباب المؤدية إلى تدمير الغابة المطيرة في الأمازون فبعد أن قطع الحطابون معظم الأشجار القيمة قام مربو المواشي بتحويل الغابة إلى مراع لأبقارهم.

وقد تصادفت زيارة مراسل الجزيرة إلى المدينة مع مهرجان استعراض البقر والمزاد العلني، لقد كانت الأجواء صاخبة بحيث امتزجت حياة رعاة البقر باحتفالات شرب الجعة ومربي المواشي، وحرص منظمو الاحتفال على رسم صورة أكثر إشراقا لفلاحي الأمازون.

يعزو ويلتون باتيستا أحد مربي الماشية قتل زي وزوجته إلى أنهما استوليا على أرض وأن صاحبها هو الذي قتلهما

 

لوم وعتاب

بعد الاتهامات التي وجهت لمربي الماشية شعر “ويلتون باتيستا” أحد مربي الماشية بالسوء من وصفه بالمحتال وبتاجر الرقيق والمخرب. يقول: على الناس أن يأتوا ويروا ما نقوم به قبل إصدار أحكام علينا، من السهل القول “علينا إيقاف إنتاج لحوم البقر في الأمازون”، لكن اللحوم التي يأكلونها تأتي من هذه المزارع.

ويتابع قائلاً: “يوجهون اللوم في مقتل الزوجين لمربي المواشي، لكننا سمعنا أن الزوجين استوليا على أرض، وأنَّ صاحب هذه الأرض المنتزعة هو الذي قتلهما.

في واقع الأمر إنه أمر مشابه لقصة الأخت “دورفي” لقد كانت امرأة تهرب الأسلحة وتبيعها للناس.

يقول مراسل الجزيرة: صدمت عند سماع أنَّ هذه العجوز التي ماتت من أجل حماية الغابة هي متهمة بتجارة السلاح.

جرافة ضخمة يستعملها الحطابون لفتح ممرات في الغابة وطرق سرية

 

أرض المغامرات

يسمى الكثير من البرازيليين المنطقة الواقعة في الغرب أرض المغامرات، حيث ينشط فيها تجار الأسلحة الذين لا يهتمون لا بالقانون ولا بحياة الإنسان. وقد تلقى فريق “إيباما” إخبارية مفادها أن هناك حطابين غير قانونيين يقطعون الأخشاب في الغابة المطيرة.

هرع فريق “إيباما” ترافقهم مجموعة من رجال الشرطة المدججين بالأسلحة الثقيلة إلى المكان، وألقت القبض على اثنين منهم وهم يرتكبون جريمتهم، ثم جرى البحث عن ثالث، وطلبت الشرطة من المقبوض عليهم تسليم المناشير المستخدمة في تدمير الغابة.

ينقل الفلم مشهدا من عملية إلقاء القبض على المجرمين.

قوات “إيباما”: اخرج، سلم نفسك، ارفع يديك عاليا، أين هو الشخص الآخر؟ الرجل الثالث؟

مهرب وقاطع أشجار: نحن فقط اثنان.

قوات إيباما: اثنان فقط؟

مهرب وقاطع أشجار: أجل.

في هذه المنطقة مخيم أوضاعه مزرية يعمل فيه قاطعو الأشجار سبعة أيام في الأسبوع ويمتد العمل أحياناً لشهور، ويُجبَر المهاجرون الفقراء على تنظيف الغابات المطيرة مقابل تسديد ديونهم المستحقة لمشغليهم من الحطابين.

يقول مراسل الجزيرة: “في الأمام جرافة ضخمة يستعملها الحطابون لفتح ممرات في الغابة وطرق سرية ثم بعد ذلك يرسلون العمال مع المناشير لقطع أي شيء آخر من جذوره”.

بعد أربعة وخمسين يوما من التحقيق حددت الشرطة أسماء ثلاثة متهمين محتملين في جريمة قتل الزوجين

 

الكشف عن الجناة

بعد تحقيقات استمرت أربعة وخمسين يوما حددت الشرطة أسماء ثلاثة متهمين محتملين بقتل الزوجين في “نوفا أبيكسونا”، ونشرت لهم صور بورتريه. وهم رجل عمره 42 عاما ويدعى “خوزي رودريكس” المتهم باصدار أمر القتل، و”لندن جونسون” وهو أخ للمتهم الأول، و”ألبرتو لوبيز”، والأخيران هما المنفذان المحتملان، وكان الانتقام هو دافع الجريمة.

لم تقتنع شقيقة “كلاوديو” أن هؤلاء المتهمين الثلاثة هم فقط المشاركون في الجريمة مطالبة أن يُسجنوا حتى لا يقتلوا المزيد.

هنا تظهر “رايموندا” والدة ” كلاوديو” وهي تبكي وتقول: أحب ابني فهو طفلي البكر.

وتقول الشرطة إن المتهم الأول “رودريكس” كان مربي أبقار طموحا من الجنوب الغربي للبرازيل، وقد ابتاع ثلاث قطع من الأرض، لكن عمليات بيع وشراء الأراضي الواقعة داخل المستوطنة غير قانونية، وقد أغضبه ما فعل “كلايدو” و”ماريا”.

كانت تلك النقطة بداية صراع مستعر بين نموذجين مختلفين بتصوراتهما للتطور الاقتصادي، ويتمثل الصراع بين الحماية أو التدمير، الكسب السريع أو التنمية المستمرة طويلة المدى، لقد كان صراع قيم وثقافات قاد في النهاية إلى عملية القتل المزدوجة.

والدة شهيد الأمازون تنعى ابنها بعد عودتها إلى بيتها في الغابة

 

العودة إلى المنزل

أرادت “لايسا” أن تثبت للجميع أن الذين يقفون خلف الجريمة لن يرهبوا العائلة، فوجهت رسالة لمراسل الجزيرة لزيارة بيتها في المستوطنة، وبعد دخولها البيت تقول: رغم الخوف من عدم معرفة من يراقبنا فإنني ما زلت أفضل هذا المكان عن المدينة، وكلما نظرت حولي أشعر وكأن بإمكاني رؤية أخي وزوجته من خلال ذكرياتنا الجميلة.

يُختتم الفيلم بمشهد لـ “كلاوديو” متسائلا: هل من الممكن أن يكون هذا مستقبل الأمازون؟ هل من الممكن أن يكون هذا مصير كوكبنا؟

ثم يجيب: لا أعتقد أن هذا ما نريد.

وبموتهما تحول “كلاوديو” وزوجته “ماريا” إلى شهيدين للبيئة. فمئات من نشطاء حماية البيئة في البرازيل يواجهون تهديدات بالقتل.

يتساءل مراسل الجزيرة كم من الأرواح الأخرى ستزهق؟ هل ستكون هذه آخر مرة أُكلف فيها بإعداد تقرير حول مقتل “كلاوديو” آخر أو “ماريا” أخرى في الأمازون؟ أعتقد أنني أمتلك جوابا على هذا السؤال، لكنني لن أكون قادرا على حمل عبء قوله علنا.