اقتحام الثقب الأسود.. بحر الظلمات الذي يعبث بالزمان والضوء وقواعد الفيزياء

في نوفمبر/تشرين ثاني 2022، أعلن فريق بحثي دولي عن اكتشافه أقرب ثقب أسود نعرفه من الأرض، بحث هذا الفريق في بيانات صادرة من مرصد “غايا” الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، ليجد أنه على مسافة تقدر بحوالي 15 مليون مليار كيلومتر من الأرض يوجد ثقب أسود يساوي في كتلته اثنا عشر ضعفا للشمس، إنها مسافة كبيرة كما تلاحظ، لكن بمعايير فلكية يمكن القول إن هذا الثقب الأسود يوجد “في الباحة الخلفية للنظام الشمسي”.

سمي الثقب الأسود “غايا – بي اتش 1” (Gaia BH1)، وهو واحد من حوالي 100 مليون ثقب أسود يرى علماء الفلك أنها موجودة في مجرتنا درب التبانة، ويُعتقد كذلك أننا عاما بعد عام سنكتشف ثقوبا سوداء أقرب للأرض، لكن ماذا لو حدث ووجدنا في المستقبل ثقبا أسود قريبا للأرض بشكل يمكّن مركباتنا الفضائية المتطورة وقتها من السفر إليه؟

حسنا، يبدو أنها ستكون حقا رحلة مثيرة للانتباه، فهي المرة الأولى التي سنرى فيها الثقب الأسود واقفا قبالة أعيننا، رغم أننا -بفضل التطورات المتلاحقة في الفيزياء الفلكية- بتنا نعرف الكثير عن الثقوب السوداء، وكيف يمكن أن تبدو لنا.

نعرف مثلا أن الثقوب السوداء تنشأ عند انهيار النجوم العملاقة على ذاتها، حيث ينكسر الاتزان الذي دام طوال عمر النجم بين قوتين؛ الأولى تدفع للداخل وهي قوة الضغط الكبيرة على مركز النجم بسبب كتلته الهائلة، والثانية تدفع للخارج وهي الطاقة الناتجة من الاندماج النووي في مركز النجم، وحينما تتوقف التفاعلات النووية في باطن النجم، فإنه ينهار على ذاته في لحظة محدثا انفجارا هائلا، ثم يترك في المركز ثقبا أسود.

أفق الحدث.. حيث يتوقف الزمن وتتوقف الصورة

نعرف أن الثقوب السوداء عبارة عن كرات سوداء في الفضاء، ليس لأنها تتكون من مادة سوداء، ولكن لأن قوة جذبها شديدة، بحيث لا يمكن للضوء نفسه أن يفلت منها، ويطلق العلماء على الحدود الخارجية لتلك الكرة اسم “أفق الحدث”، وهو ببساطة المنطقة التي لا يمكن للضوء (بعد عبور هذا الحد للداخل) الإفلات فيها من جاذبية الثقب الأسود.

لنفترض مثلا أنك تركب قاربا بمحرك بسيط في أحد الأنهار، وفي أثناء رحلتك اكتشفت أنك تقترب من حافة شلال ضخم على مسافة عدة عشرات من الأمتار يسحبك للسقوط فيه، هنا ستعكس اتجاه القارب فورا وتحاول التحرك عكس اتجاه النهر بكل ما أوتيت محركاتك من قوة، سيتحرك القارب ببطء شديد لكنه على الأقل سيتمكن من الإفلات.

الفيزيائي الألماني الشهير ألبرت آينشتاين أول من تنبأ بوجود كتل هائلة منضغطة في الفضاء

لكن لو كنت منشغلا بالتحدث في الهاتف وأدركت متأخرا أنك تقترب من حافة الشلال، فكان الشلال مثلا على مسافة عدة أمتار، هنا لن تستطيع الإفلات من السقوط في الشلال مهما امتلك محرك قاربك من قوة، تلك النقطة التي تقف بين إمكانية الهروب وعدم إمكانية الهروب تسمى أفق الحدث، لكننا في حالة الثقب الأسود سنعمم الأمر بحيث يمكن القول إنه حتى لو امتلك ذلك القارب (أو أي شيء آخر) محركات تمكنه من السفر بسرعة الضوء، فإنه لن يستطيع الهروب من السقوط في مركز الثقب الأسود بعد تلك النقطة.

أما خارج الثقب الأسود، فإن هناك كميات كبيرة من المادة المتزاحمة تدور حوله بسرعات خرافية في صورة حلقات تشبه حلقات زحل.. فلم لا تسقط هذه المادة في الثقب الأسود؟ ببساطة لأنها لم تمر من أفق الحدث.

كما تتسبب تلك السرعة الشديدة والاحتكاك بين جزيئات تلك المادة الدوارة في بث كمّ هائل من الإشعاع يمكن رصده بالتلسكوبات الأرضية، فكانت الطريقة التي اكتشفنا بها وجود الثقب الأسود المسمى بـ”الدجاجة أكس-1″ سنة 1971 دون أن نراه بأعيننا، وكذلك هي نفس الفكرة التي تسببت في التقاط أول صورة مباشرة للثقب الأسود في التاريخ، في عام 2019، فقد تمكن فريق بحثي أوروبي من التقاط الإشعاع الصادر من المنطقة المحيطة بالثقب الأسود العملاق الواقع في مركز المجرة M87.

هلاوس السقوط.. قوة جاذبة تعبث بخطوط الضوء

الآن لنفترض أن سفينتك الفضائية تقف على مسافة آمنة من الثقب الأسود؛ تدور حوله لكنها لا تسقط. لكنك قررت الاقتراب منه وأنت ترتدي بذلة فضاء، أول شيء ستلاحظه بلا شك هو هذا القرص الدوار، سيكون ساخنا ولامعا جدا، بحيث لا يمكنك أن تقترب من الثقب الأسود حيا، أضف لذلك أنك لن ترى هذا القرص بشكل طبيعي، بل سيبدو أقرب للثقب الأسود الذي رأيناه في الفيلم الأمريكي الشهير “بين النجوم” (Interstellar).

في الواقع، لقد أشرف عالم الفيزياء الذي حصل على جائزة نوبل قبل عدة سنوات “كيب ثورن” على الفيزياء الخاصة بالفيلم، ونجح إلى حد كبير في ضبط الأمر.

هكذا سيبدو الثقب الأسود للمقتربين منه بلا رجعة

الأغرب من ذلك أنك كلما اقتربت من الثقب الأسود -إذا افترضنا أنك نجحت في ذلك- فإنك لوهلة يمكن أن ترى نفسك، سيبدو الأمر وكأنه مجموعة من هلاوس السقوط في طريق تعرف أنه بلا رجعة، إلا أن هناك فيزياءا تفسر كل الغرائب البصرية التي ستراها، إذ إن لها علاقة بطبيعة الضوء.

فقد تعلمنا في المدرسة قديما أن الضوء يمشي في خطوط مستقيمة، لكن هذا في الحقيقة ليس صحيحا في كل الأحوال، إذ تؤكد النظرية النسبية العامة لـ”ألبرت أينشتاين” أن الضوء يمكن أن يمشي في خطوط منحنية كذلك، لكن هذا يحدث فقط إذا تأثر بقوة جاذبة، أي إذا مر على نجم أو مجرة مثلا وهو يمضي في طريقه بلا كلل، لهذا السبب تحديدا يمكن أن ترى بعضا من الصور الفلكية التي تعرضها وكالة ناسا مثلا مشوهة، بل إن العلماء من تلسكوبي “هابل” و”تشاندرا” في فبراير/شباط 2015 كانوا قد التقطوا صورة لمجموعة من المجرات بدت كأنها قطة ضاحكة.

تأثير الجاذبية الشديد يشوه الصور في الخلفية

بالطبع ما حدث لا علاقة له بالقطط، ولكنها ظاهرة تسمى العدسات الجاذبية (Gravitational Lens)، ويشبه الأمر أن تضع أمام عينيك على الطاولة كوب ماء فيشوه صورة ما يقع في خلفيته، لكن في الفضاء فإن جاذبية المجرات هي ما يفعل ذلك، إذ تشوه صورة المجرات الأخرى التي تقع في خلفيتها بالنسبة لنا ونحن نلتقط الصورة.

نفس الأمر يحدث في حالة الثقب الأسود، ولكن مع فارق هائل في الجاذبية، لذلك فإن ما تراه أعلى الثقب الأسود ليس إلا الحلقة التي تقع في خلفيته، لكن الضوء الصادر منها كان قد انحنى تماما ومضى للأعلى حول الثقب الأسود ليصل إلى عينيك، نفس الأمر بالنسبة لك، صورتك دارت حول الثقب الأسود وعادت إليك مرة أخرى.

أجرام الفضاء.. أثقال تصنع منحنيات شبكة المطاط

حسنا، منذ ساعة كاملة وأنت تسقط إلى الثقب الأسود، وكلما اقتربت من أفق الحدث ارتفعت وتيرة الأعاجيب البصرية، لكن إلى جانب ذلك فإن شيئا عجيبا إضافيا سيحدث، وهو يتعلق برفاقك على السفينة الفضائية.

لنفترض الآن أنك تحمل على ظهر بذلة الفضاء مصباحا يضيء باللون الأبيض كل ثانية، ففي بداية سقوطك إلى الثقب الأسود سيتمكن رفاقك من قياس النبضات بدقة ووضوح، لكنهم مع مرور الوقت سيلاحظون شيئا غريبا، وهو أن الفترة بين النبضات تزداد شيئا فشيئا، فتصبح ثانيتين، ثم أربعة، ثم تصل لدقيقة، وتزداد مع اقترابك من الثقب الأسود!

أعجوبة أخرى، لكن الفيزياء عندها الإجابة، إذ نعرف من النظرية النسبية العامة أن الأجرام السماوية تؤثر على نسيج الفضاء نفسه، وهذا النسيج هو شيء لا يمكن أن تراه، إذا امتلكت الآن ممحاة سحرية وقمت بمحو كل شيء تراه، الناس والسيارات والشوارع، ثم كوكب الأرض نفسه، ثم النجوم والمجرات والسدم وكل شيء تراه، يبقى لك الفضاء الفارغ، وهو يتكون بحسب النظرية النسبية من شبكة هندسية يندمج فيها الزمان مع المكان، إنه ما يسمى “الزمكان” (Space-time).

ينحني الزمكان تحت تأثير كتلة الأجرام السماوية

والزمكان هو النسيج الذي يرتبط فيه الزمان والمكان معا، تشرحه كتب تبسيط العلوم بدرجة تقترب من واقع حياتنا، فيظهر الزمكان كأنه شبكة من الخيوط المطاطية تنبسط مستوية إن كانت فارغة، لكنها تنحني للأسفل ما إن وضعنا أي جسم ذا كتلة فوقها. وبحسب النسبية العامة لـ”آينشتاين”، فإن وجود أي جرم في الفضاء -سواء كان كوكبا أو نجما أو ثقبا أسود- سيتسبب في انحناء تلك الشبكة، بشكل يؤثر على طبيعة المكان والزمان كذلك.

منحنى الزمكان.. مركز الجاذبية يتلاعب بالوقت

لقد اختبر العلماء ظاهرة التأثير على الزمكان هنا على كوكب الأرض، فقاموا بمزامنة ساعتين في غاية الدقة، ثم أرسلت إحداهما إلى المحطة الفضائية الدولية، أما الثانية فبقيت على الأرض، ثم بعد فترة من الزمن لوحظ اختلاف طفيف بين الساعتين، كانت الساعة الأقرب للأرض أبطأ من تلك التي توجد في المحطة الفضائية الدولية على مسافة 400 كيلومتر أعلى الأرض. ببساطة لأنك كلما اقتربت أكثر من مركز الجاذبية، ازداد تأثر الزمكان، ما يعني أن التأثير على الزمان والمكان سيكون أكبر.

وفي عام 2010 قام الفيزيائيون في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) بالولايات المتحدة بقياس هذا التأثير على ارتفاع 33 سم فقط من سطح الأرض، فكان الزمن الذي يمر فوق سطح الأرض مباشرة أبطأ من ذلك الذي يمر من على ارتفاع قدره درجتي سلّم. الفرق صغير جدا لا يمكن للبشر إدراكه أبدا، لكن يمكن بالأدوات الفيزيائية الدقيقة قياسه، وقد نشرت الدراسة الخاصة بهذه التجربة في دورية “ساينس” المرموقة.

الأمر ذاته سيحدث في حالة الثقب الأسود، فكلما اقتربت منه يصبح الزمن أبطأ بالنسبة لك. أنت لن تلاحظ ذلك فساعتك ستعمل بشكل طبيعي، لكن لو قدر لك أن تقترب من الثقب الأسود على مسافة قريبة جدا ثم عدت للأرض، فستجد أن عمرك أصغر بفارق عشرات أو ربما مئات السنين، بل وربما أكثر، مقارنة بمن تركتهم هناك. هذا هو السبب في أن أصدقاءك على السفينة الفضائية سيلاحظون أن مصباحك يومض بمعدل أبطأ، لأن الزمن بالنسبة لك يمر أبطأ منهم.

موقع الثقب الأسود العملاق في مركز مجرتنا درب التبانة حيث برج الرامي

هنا تتوقع النظرية النسبية أنه بالنسبة لمنظور الرفاق على السفينة، فإنك لن تدخل أصلا للثقب الأسود، فقط سترتفع المدة الزمنية بين النبضات لتصل إلى مئات ثم آلاف ثم ملايين ثم مليارات السنين، وأنت ستقف خارج الثقب الأسود مباشرة، ثم شيئا فشيئا تتحول للون الأحمر وتخفُت مع الزمن، لكنك لا تسقط في الثقب أبدا. هذا في الواقع وهم له علاقة بتباطؤ الزمن، لأنك بالفعل ستسقط في الثقب الأسود بسرعة شديدة جدا، عابرا أفق الحدث، لكنك بالطبع لن تلاحظ عبورك لأفق الحدث لأنه ببساطة ليس حدثا ماديا، بل هو كما أسلفنا حدٌّ له علاقة بالمنطقة التي خلالها يمتلك الثقبُ الأسود القوةَ على جذب كل شيء.

ألاعيب الزمن.. حين يصبح كل الكون لحظة من الماضي

حسنا، ها أنت ذا بالداخل. لو دخلت إلى ثقبا أسود صغيرا كالذي تحدثنا عنه في أوّل هذه المادة، فإنك لو أفلتّ من حرارة القرص الدوار الشديدة جدا -وهذا غير محتمل- فستموت فور دخولك، بسبب ما يسميه العلماء “التأثيرات المعكرونية” (Spaghettification)، يعني ذلك أن جسمك في لحظات قليلة سيتمطط، ليصبح مثل قطعة معكرونة “سباغيتي”.

وحينما تدخل إلى الثقوب السوداء من هذا النوع، فإن تأثير الجاذبية يكون شديدا جدا، لدرجة أن قدمك التي هي أقرب لمركز الثقب تتعرض لكمّ أكبر من الجاذبية مقارنة بفخذيك مثلا، وهما يتعرضان لقدر أكبر من الجاذبية مقارنة برأسك، ويحدث ذلك بشكل طبيعي على الأرض، فقدماك على الأرض تتعرضان لجاذبية أقوى مقارنة برأسك، لكن بما أن الفروق في الجاذبية طفيفة جدا، فإنها لا تؤثر عليك.

الآن دعنا نفترض أنك دخلت إلى ثقب أسود فائق الكتلة، وليكن مثلا “الرامي إيه ستار” (SagittariusA*)، وهو الثقب الأسود العملاق الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة، ووزن هذا الثقب الأسود يساوي 4.1 ملايين شمس، هنا ستكون تأثيرات المعكرونة طفيفة عادة، وبالتالي ستمكث بعض الوقت في الثقب الأسود، والآن تحديدا، تبدأ الأعاجيب الزمنية في الحدوث.

مقارنة بين الثقب الأسود في مركز مجرتنا درب التبانة، والثقب الأسود في المجرة “م 87”

تحدثنا قبل قليل عن تأثر الزمكان بالجاذبية، ولأن الثقب الأسود ذا جاذبية هائلة، فإنه يعبث بالزمان والمكان، لدرجة أنهما يتبادلان الأدوار حينما تمر من أفق الحدث، ببساطة يصبح أفقُ الحدث نفسه لحظةً في الماضي، ومركزُ الثقب الأسود لحظةً في المستقبل، وبعد أفق الحدث يصبح كلُّ الكون لحظةً في الماضي، وهو شيء لا يمكن أبدا العودة إليه، وكل ما ذكرنا لا علاقة له بالتعابير الأدبية أو خيالات روائي ناشئ، بل هو الواقع.

والآن فكر في الأمر كاستثمار، فخارج الثقب الأسود يمكن أن نستثمر بسهولة في المكان، أي أنه يمكن لنا أن نسافر من اليسار لليمين، ومن الأمام للخلف، وأن نصعد للأعلى وننزل إلى الأسفل، لكن بالنسبة للزمن فلا يمكن لنا الاستثمار فيه، بمعنى أن هناك دائما اتجاها واحدا فقط للزمن، إنه للأمام؛ أي المستقبل، فلا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تقوم بثني هذا الاتجاه، ولا يمكنك إلا أن تسافر للمستقبل. ففي حياتك العادية تولد طفلا صغيرا، وتكبر لتصبح مراهقا مشاغبا يتمرد على كل ما حوله من قواعد، وتتحمس في الشباب، ثم تهدأ قليلا في الثلاثينيات من عمرك، وتسير إلى الشيخوخة مستقبلا.

أما في الثقب الأسود فيحدث العكس، لأن استثمارك في المكان انعدم تماما، فبمجرد دخولك أفق الحدث لا يعود بمقدورك أن تتجه إلى أي مكان إلا مركز الثقب الأسود، فكل شيء يذهب فقط للمركز ولا يمكن أن يفلت من ذلك الاتجاه، وكلما حاولت أن تعكس اتجاهك وتجري بسرعة في اتجاه آخر، فإن كل ما تفعله ليس إلا تقريب نفسك من مركز الثقب الأسود بسرعة أكبر. ولأن الاستثمار في المكان توقف، فإن الكون في هذه الحالة يضطر لتحويل استثمارك السابق في المكان ناحية الزمن، فتذهب فيه للأمام وللخلف بدرجة من السهولة.

مركز الثقب الأسود.. نقطة بلا أبعاد تحمل كتلة النجم

ما زلنا لا نعرف الكثير عن ذلك النوع من الاضطراب في الزمن، إذ يتصور فريق من الفيزيائيين أن الوجود داخل ثقب أسود يخلق آلة زمن تحتوي على منحنيات زمنية، تجد نفسك فيها تجري في مسار يبدأ في المستقبل وينتهي في الماضي، وهذا ما يسمى “حلقة سببية مغلقة”، إذ يؤدي الحدث “س” في الماضي إلى الحدث “ص” الآن، وهذا يؤدي إلى الحدث “ع” في المستقبل، وذلك سيؤدي إلى حدوث “س” في الماضي من جديد، ومن ثم فإنه لا توجد بداية أو نهاية للأشياء، وإنما هي مجموعة من الحلقات المغلقة الأبدية فقط.

ولا يعني أنك ستخرج من الثقب الأسود فتسافر إلى ماضيك حينما كنت طفلا مثلا، فلا يمكنك مهما حدث أن تعود إلى أفق الحدث، ومصيرك النهائي بلا شك سيكون مركز الثقب الأسود، وفيه تلتقي بالمفردة (Singularity)، وهي رياضيا نقطة لا حجم لها، فالمعادلات الفيزيائية التي تفسر انهيار هذا النجم العملاق تقول إنه لن يتوقف أبدا أثناء انهياره، وسيستمر ما بقي من كتلته بعد الانفجار في التقلص إلى أن يصل لنقطة، فقط نقطة بلا أبعاد، لكنها تحمل كتلة النجم كله.

أفق الحدث.. آخر ما يرى من حدود الثقب الأسود

لا نعرف إن كانت المفردة موجودة بالفعل أم لا، فهي تتعارض مع كثير من قوانين الفيزياء المسلّم بها مثل “مبدأ استبعاد باولي” الذي ينص على أنه لا يمكن لاثنين من الفيرميونات (جسيمات المادة) أن يتخذا نفس الحالة الكمومية. بالتالي، لا يمكن ضغط أي كمّية من المادة في مركز واحد.

كذلك نعرف أن أقل طول ممكن لشيء ما في هذا الكون هو “طول بلانك” (Blank Length)، ويساوي 10 مرفوعة للأس سالب 35 من المتر، وتحت هذا المستوى لا يمكن للكون كما نعرفه أن يوجد، إذ لا يوجد أي معنى لكلمات مثل موضع أو حجم أو مكان أو كتلة، أو أي شيء نعرفه.

ففي مراكز الثقوب السوداء (وكذلك مفردة الانفجار العظيم) تنهار الفيزياء التي نعرفها تماما، ولا نعرف فيزياء جديدة لشرحها. فما الذي سيحدث لك حين تلتحم بالمفردة؟ لا نعرف، غالبا ستُفرم في لحظة قصيرة داخل تلك النقطة الغاية في الكثافة، لكن هذا غير مؤكد، فلا شيء مؤكد داخل الثقوب السوداء سوى جهلنا.

 

المصادر

1- Record breaker! Newfound black hole is closest known to Earth

https://www.space.com/closest-black-hole-to-earth-gaia-mission

2- What Are Black Holes?

https://www.nasa.gov/vision/universe/starsgalaxies/black_hole_description.html

3- Event Horizon

https://astronomy.swin.edu.au/cosmos/e/Event+Horizon

4- Cygnus X-1: A Stellar Mass Black Hole

https://www.nasa.gov/mission_pages/chandra/multimedia/cygnusx1.html

5- Press Release (April 10, 2019): Astronomers Capture First Image of a Black Hole

https://eventhorizontelescope.org/press-release-april-10-2019-astronomers-capture-first-image-black-hole

6- NIST Pair of Aluminum Atomic Clocks Reveal Einstein’s Relativity at a Personal Scale

https://www.nist.gov/news-events/news/2010/09/nist-pair-aluminum-atomic-clocks-reveal-einsteins-relativity-personal-scale

7- What happens if you fall into a black hole?

https://www.rmg.co.uk/stories/topics/what-happens-if-you-fall-black-hole

8- Astronomers Reveal First Image of the Black Hole at the Heart of Our Galaxy

https://eventhorizontelescope.org/blog/astronomers-reveal-first-image-black-hole-heart-our-galaxy

9- What is a singularity?

https://www.livescience.com/what-is-singularity