أفريقيا الثائرة.. من ظلام الحروب الأهلية إلى فضاء الثورة الرقمية

أفريقيا تنفض عنها غبار الحروب العرقية وتنهض من جديد، هذه المرة من خلال التقنيات الرقمية، بينما تعيد ساحة نشطة من شركات التكنولوجيا الناشئة تشكيل القارة، وينشغل جيل من المؤسسين برسم صورة جديدة لأفريقيا عبر ابتكارات صنعت في أفريقيا، وخصيصا لها، حيث كان هذا الحدث هو موضوع فيلم بثته قناة الجزيرة الوثائقية تحت عنوان “أفريقيا الرقمية”.

“إسمي “جير الدين ديباستيان”، وأعمل على إنشاء شبكات تصل بين المبتكرين والشركات الناشئة حول العالم، كما أستضيف المؤتمرات التي تربط بين الأفراد من جميع القارات، فنحن نحتاج إلى تبادل شتى الأفكار حول الكيفية التي يمكن بها للتكنولوجيا المساعدة على حل مشكلات التنمية وتحسين المعيشة”.

كينيا.. روّاد التسوق الرقمي والدفع الإلكتروني

أعتزم زيارة ثلاث دول في هذه الرحلة، المحطة الأولى هي كينيا؛ وهي تعد واحدة من أكثر الدول نشاطا على الساحة التكنولوجية في أفريقيا، وأود أن ألتقي بالأشخاص الذين يشكلون هذه الساحة وأتعرف على ما يحفزهم.

في عام 2009 ارتبطت منطقة شرق أفريقيا بالعمود الفقري للإنترنت الدولي، وأصبح بإمكان غالبية الكينيين الوصول إلى خدمات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة بشكل عام، وتعتبر كينيا رائدة في مجال الدفع عبر الهاتف.

نحن الآن في “آي-هاب”، ملتقى مجتمعات التكنولوجيا في نيروبي، ولدينا قاعات اجتماع مخصصة للجلوس، حيث يتاح للمبتكرين إمكانية الاتصال بالإنترنت، ويوفر الملتقى فرصا للتدريب وتكوين شبكة من العلاقات.

أطفال أفارقة يجلسون حول حاسوب متصل بالإنترنت

رافقت “موغيتي” و”شيلا” الـ”آي-هاب” منذ تأسيسه، وفي عام 2017 بيع المكان إلى صندوق استثمار أجنبي، في صفقة اعتبرها البعض خاسرة. تقول “موغيتي”: في هذا المكان يمكنك التحدث بلغة يفهمونها، يمكنك الحديث عن الأكواد (الشيفرات)، أو عن الأخطاء البرمجية، دون الخشية من أن لا يفهمك أحد.

وتضيف “شيلا”: بصفتي متخصصة في مجال الهواتف المحمولة وشركات التزويد بالخدمة، أستطيع القول إن عدد المستثمرين في هذا المجال قد تضاعف بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وتبقى المشاكل الاجتماعية هي من يحدد نمو هذا القطاع من عدمه. أستطيع أن أقول إن التجارة الإلكترونية ضخمة هنا، ولا يقتصر الدفع الإلكتروني على الكماليات فقط بل يتعداها إلى صلب الأساسيات.

“أوشاهيدي”.. خرائط رقمية في خدمة الأمن المجتمعي

تضرب شركة “أوشاهيدي” مثالا على قصص النجاح في كينيا، فقد أنشأت منصة الخرائط التفاعلية في نيروبي، للمساعدة في حفظ الأمن إبان اندلاع العنف عامي 2007 و2008 في أعقاب الانتخابات الرئاسية.

تقول “أنجيلا” مديرة التخطيط الاستراتيجي الرقمي في “أوشاهيدي”: نحن نعمل مع المواطنين العاديين الذين يشاركوننا تقارير مباشرة عن أي شيء يحدث من حولهم، نريد أن نشعرهم بأنهم قادرون على حماية مصالحهم من خلال التعبير عن آرائهم وإطلاعنا على ما يفكرون فيه.

ملتقى الصنّاع “غيربوكس” غدا مجمّعا صناعيا كبيرا لمبتكرين محليين وشركات دولية

وتضيف: الرسائل النصية أسهل وسيلة للتواصل، فمعظم الناس هنا لا تتوفر لديهم أجهزة الحاسوب أو الهواتف الذكية، وتبقى الرسائل النصية هي المتاحة في الغالب، وقد كانت الفكرة وراء مشروع مراقبة الانتخابات هي اتباع التدابير الوقائية للاستفادة من الذكاء الجمعي للجماهير.

ومثلما نجح هذا التطبيق في الحد من التحديات الأمنية وقت الانتخابات، فإن “أوشاهيدي” يمكنها تطوير هذا الفضاء المفتوح لتلبية احتياجات مجتمعية أخرى.

ملتقى “غيربوكس”.. تبادل معرفي مع الشركات العالمية الكبرى

أتطلع إلى زيارة ملتقى الصنّاع “غيربوكس”، فأنا أتابع تطوره منذ عدة سنوات، منذ أن كان ركنا صغيرا في “آي هاب” حتى غدا مجمّعا صناعيا كبيرا لمبتكرين محليين وشركات دولية.

يرافقنا في زيارة الورشة الرئيسية في “غيربوكس” المهندس “كاماو”، مدير ملتقى الصنّاع قائلا: هنا يجري تطوير الأجهزة المبتكرة في ورشات عمل مختلفة، إذ يتيح الملتقى للمهندسين والمخترعين استخدام الآلات، ويوفر الدعم الفني والتجاري.

أما “بريندا” رئيسة المهندسين الميكانيكيين، فتقول: هناك نقص في المؤسسات البحثية التي تمكن تجربة الأفكار فيها، ويمكن لملتقى الصنّاع أن يردم هذه الفجوة.

ويتحدث “كاماو” عن أن كثيرا من الأفكار الجيدة لا تجد طريقها إلى الإنتاج، وأن إحدى أهم المشاكل التي تواجههم هي صنع النموذج الأولي بنوعية جيدة لمنتَج صناعي يمكن إنتاجه في كينيا. ويضيف: من منتجات الملتقى المجاهر ثلاثية الأبعاد، وسمّاعة رقمية لملاحظة نبضات الجنين في بطن الأم، وهذه الأخيرة تساهم في إنقاذ حياة الكثير من الأجنّة.

وعن مساهمة الشركات العالمية في دعم المجتمعات الأفريقية يقول “كاماو”: هناك شركات كبيرة مثل سيمينز وفيليبس وجنرال إلكتريك تأتي وتستفسر عما يحتاج إليه المستهلك الأفريقي بالضبط، في خطوة تبادل معرفيّ مشترك، فهم يعرفون ما يحتاجه السوق، ونحن نتعرف على كيفية التصنيع.

“بي-غو إنيرجي”.. بيع الوقود النظيف والغاز بالتقسيط

هناك مشروع آخر مهم انطلق من رحم ملتقى “غيربوكس”، وهو مشروع “بي-غو انيرجي” (Pay-Go Energy)، وهو حل لقياس استهلاك الغاز، لأنه يتيح دفع ثمن الغاز حسب الاستخدام، فبدل دفع ثمن الأسطوانة كاملا عند الشراء، يمكنه أخذها بالدَّيْن وتسديد ثمن الغاز حسب استهلاكه، عن طريق شحن رصيد الاستهلاك عبر الهاتف المحمول.

توفر “بي غو” أسطوانة غاز وعدّاد استهلاك وموقدا يعمل على الغاز، تستهدف سكان العشوائيات

توفر “بي غو” أسطوانة غاز وعدّاد استهلاك وموقدا يعمل على الغاز، والفئة المستهدفة هي سكان العشوائيات، وذلك بتأمين الوقود النظيف للفئات في قاع الهرم الاجتماعي بتكاليف زهيدة، وذلك عبر الدفع الإلكتروني، مما يوحي بأن ذلك نوع الأعمال الخيرية المغلفة.

توجهنا إلى منطقة “كيبيرا” أكبر تجمع سكني عشوائي في كينيا، في دولة يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر بكثير، ويتعين على الشركات الناشئة -ومنها “بي غو”- تطوير آليات للتعامل مع هذه الشريحة من الناس الذين لا يملكون حسابا مصرفيا أو حتى عنوانا بريديا.

وتجري نصف تعاملات الناتج الإجمالي المحلي في كينيا بواسطة “إنبيسا”، ومن خلال أكثر من مئة ألف وكيل في البلاد يمكن دفع الأموال وتحويلها أو سحبها، وكذلك دفع الفواتير وشراء البضائع عن طريق وسيلة الدفع الإلكتروني “إنبيسا”.

نفايات العالم الإلكترونية.. منجم ذهب حقيقي

بعد الظهيرة قمنا بزيارة سوق السلع المستعملة في نادي “كي وان”، حيث يلتقي المنتمون إلى الساحة التكنولوجية في نيروبي لقضاء بعض الوقت معا، حيث يعتبر هذا السوق بمثابة منجم ذهب للمبتكرين والرواد الشباب.

نادي “كي وان”، حيث يلتقي المنتمون إلى الساحة التكنولوجية في نيروبي وهو مثابة منجم ذهب للمبتكرين والرواد الشباب

لكن للابتكار جانبا مظلما يتمثل في ستة كيلوغرامات من النفايات الإلكترونية للفرد سنويا على المستوى العالمي، وبينما يتخلص الشخص الأوروبي من 16,6 كيلوغراما من النفايات الإلكترونية سنويا، لا تتجاوز حصة الفرد الأفريقي كيلوغرامين، وغالبا ما تتخلص أوروبا من نفاياتها الإلكترونية بتصديرها إلى أفريقيا، حيث تجري معالجتها في مركز النفايات الإلكترونية والكهربائية.

ما يزال الوعي في التخلص من هذه النفايات متدنيا جدا في كينيا، وقليل من المواطنين من يأتي إلى المركز للتخلص من النفايات، بينما يضطر العاملون في المركز إلى الذهاب إلى المواطنين واستلام نفاياتهم الإلكترونية. ومن الممكن الاستفادة من كثير من القطع الإلكترونية الصالحة للاستخدام في مشاريع المبتكرين وشركات التكنولوجيا.

مجمع “كي وان”.. إعادة التدوير تغني عن الاستيراد

في مجمع “كي وان” نلتقي مع “روي” الذي يقوم بتطوير طابعة ثلاثية الأبعاد لقطع غيار وأجهزة وآلات ومعدات للمدارس والمستشفيات والشركات، وهو بهذا يتغلب على مشكلة توريد هذه القطع باهظة الثمن إلى كينيا، ويستخدم مواد محلية معاد تدويرها.

مجمع “كي وان” يطور طابعات ثلاثية الأبعاد لقطع غيار وأجهزة وآلات ومعدات للمدارس والمستشفيات والشركات

في مركز نفايات المواد الإلكترونية والكهربائية يوجد منجم ذهب بمعنى الكلمة، يتزاحم عليه الناس بحثا عن قطع صغيرة، لإصلاح جهاز معطل، أو لبناء دارة إلكترونية معينة، فالسوق المحلية بحاجة ماسة إلى هذه الأجهزة، واستيرادها يكلف وقتا ومالا كبيرين، وقد وجد كثيرون ضالتهم في استخدام القطع الصالحة الموجودة في النفايات الإلكترونية.

يقوم “روي” بطباعة نماذج تعليمية خاصة بالمدارس، لتعليم الطلبة على الجزيئات الكيميائية والفيزيائية مثلا، كما يطبع بعض القطع الضرورية للمستشفيات ذات التكلفة المنخفضة جدا إذا ما قورنت باستيرادها من الخارج.

يتنامى الوعي شيئا فشيئا عند الكينيين في الشؤون البيئية، فهناك شركات أعدادها في تزايد تعمل على إعادة تدوير الكثير من أنواع النفايات، ويرافق ذلك وعي وتطور في استخدام التكنولوجيا الرقمية.

مشروع “موجا”.. خدمة الإنترنت المجانية في الحافلات

بالحديث عن المزيد من الأفكار الإبداعية في كينيا هناك “موجا”، وهي مشروع توفير الإنترنت مجانا على متن حافلات النقل العام في نيروبي، فقد جهزت 300 حافلة بالخوادم الصغيرة من قبل شركة (BRCK)، وهي شركة متخصصة في صنع الأجهزة على المستوى الأفريقي، فالحلول المستوردة لا تراعي ظروف الحرارة والرطوبة والغبار، إضافة إلى ارتفاع أسعارها.

مشروع “موجا” يوفر الإنترنت مجانا على متن حافلات النقل العام في نيروبي

وقد طورت الشركة كذلك جهاز “كيوكيت”، وهو حاسوب لوحي للاستخدام المدرسي والأطفال، حيث نقلت الشركة طاقاتها الإنتاجية إلى القرى والأرياف، فبالإضافة إلى نظام الشحن الجماعي لثلاثين حاسوبا في آن واحد، فقد زودت المدارس والتجمعات بأنظمة “الراوتر” لبث حزمة الإنترنت في تلك المناطق.

رواندا.. بلد الإبادة الجماعية يصنع المعجزات

المحطة التالية هي رواندا، فبعد عشرين عاما من الإبادة الجماعية باتت العاصمة “كيغالي” نموذجا لنشأة المدينة الأفريقية الحديثة، وتمكن الناس من الحصول على التأمين الصحي والتعليم، وتروج الحكومة أن رواندا أصبحت مركزا للشركات الناشئة والابتكار الرقمي في أفريقيا.

نلتقي مدير مركز “كي لاب” الممول من الدولة “أفروديس” الذي حدثنا بتفاؤل وانطلاق عن إعداد الجيل القادم من روّاد الأعمال، وذلك بالتركيز على تكنولوجيا المعلومات، ونجري دورات تدريبية لتمكين الشباب، كما يوفر “كي لاب” مساحات للعمل المشترك، بما في ذلك الإنترنت المجاني وحاضنة أعمال ناشئة، ويتيح استخدام مختبر تصنيع.

بعد عشرين عاما من الإبادة الجماعية باتت عاصمة رواندا “كيغالي” نموذجا لنشأة المدينة الأفريقية الحديثة

وبالمقارنة مع حكومات أفريقية أخرى نجد أن الحكومة الرواندية تدعم الأنظمة التكنولوجية والبيئية، فقد أرست مؤسسات قوية يمكنها دعم رواد الأعمال، مثل شركة الاتصالات في رواندا، والأمر لا يتطلب الكثير من الوقت حتى يكون الإنترنت متاحا بشكل مجاني.

هذه “ألين” إحدى الرائدات التي تلقت الدعم من “كي لاب” لتأسيس شركتها الخاصة، وهي تنقل تجربتها الناجحة للنساء من حولها، وكان حافزها الملهِم هو قدرتها على إيجاد الحلول، وهي تتمنى أن تدخل العقول الشابة هذا المعترك التكنولوجي، وتساهم في دفع عجلة التطور في البلاد.

تطبيق “سيف أوتو”.. ثورة في النقل على متن الدراجات النارية

تستطيع من خلال تطبيق “سيف أوتو” طلب دراجة مرخصة لنقلك إلى الوجهة التي تريد، وعلى غرار الشركات الكبيرة مثل “أوبر”، فإن هذا التطبيق يمكِّن العميل من تقييم السائق ومدى تقيده بالقواعد المرورية والبيئة والسلامة العامة. كما يتمكن السائق من خلال التطبيق من ادخار جزء من دخله اليومي في محفظته الإلكترونية.

يقول أحد سائقي هذه الدراجات: يدفع معظم عملائنا عبر هواتفهم المحمولة إلى محافظنا الإلكترونية، أو حساباتنا المصرفية، بينما يدفع القليل منهم نقدا، وهذا يساعدني على ادخار جزء مهم من الدخل الذي أحصل عليه.

تطبيق “سيف أوتو” يوفر لك طلب دراجة مرخصة لنقلك إلى الوجهة التي تريد

لقي أكثر من مليون شخص مصرعهم خلال الإبادة الجماعية التي حصلت 1994، ولكن بعد ما يقرب من ربع قرن تغيرت صورة رواندا، فالبلاد تشهد الآن طفرة عمرانية، وتؤتي خطط التسويق الحكومية ثمارها، وتجذب الكثير من المواهب إلى الساحة التكنولوجية.

فقد مرت البلاد بعملية مصالحة حقيقية، ولم يعد اليوم للعرقية دور في الحياة السياسية أو العامة، كما يحظر التمييز بين الهوتو والتوتسي. وتهدف رواندا أن تصل إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط في 2020، ولكن ما زال أمامها شوط طويل، وما زالت تكلفة الإنترنت تفوق طاقة الأغلبية من السكان، والكهرباء غير مستقرة وما زالت مكلفة إلى حد ما.

مشروع “آريد”.. كشك التزويد بالكهرباء والإنترنت

في مشروع ريادي يوفر كشك “آريد” حلا لتزويد الناس بكهرباء رخيصة لشحن هواتفهم، وإنترنت لاسلكي، وإمكانية شحن رصيد الهاتف المحمول بحزم البيانات، وذلك عن طريق الطاقة الشمسية، يوجد حاليا 30 كشكا قيد التشغيل، سنزور أحد الأكشاك في مقاطعة بوغيسيري جنوب العاصمة كيغالي.

كشك “آريد” يوفر حلا لتزويد الناس بكهرباء رخيصة لشحن هواتفهم، وإنترنت لاسلكي

الخدمة الأكثر مبيعا في هذا الكشك هي شحن بطاقات الهواتف، ولكن البلاد تمضي قدما في تزويد كل المقاطعات بالإنترنت عن طريق أسلاك الألياف الضوئية، وتأمل الحكومة أن تكون معلومات السوق والتعليم والأخبار في متناول السكان، وخصوصا في القرى النائية، ويمكن القول إن تقنية الجيل الثالث باتت متوفرة، ولكن الكهرباء المستقرة هي المطلب الأساسي الآن.

في مقاطعة بوغيسيري التقينا “فلورين” التي تدير كشك “آريد” من الجيل الأول، في هذه المنطقة تكثر انقطاعات الكهرباء، ولذا يهرع الناس إلى الكشك لشحن هواتفهم، قد يستمر الانقطاع ليومين هنا. ولكن الكشك أصبح قديما، وتأمل “فلورين” بتطويره إلى جيل أحدث لاستقطاب المزيد من الزبائن.

طائرات بدون طيار.. مشروع إنقاذ المزارع من الآفات

في رواندا تدعم الحكومة الطيران المدني بدون طيار، وأصبح “تيدي” أول قائد طائرة مسيَّرة في البلاد، وتساعد الصور التي يلتقطها بطائرته المزارعين على الاعتناء بأراضيهم، كما تستفيد رواندا من هذا المشروع في إعادة تخطيط المدن.

مشروع “كاريس لنظم الطيران بدون طيار” من أفضل الحلول الريادية لمراقبة المحاصيل

يقول قائد الطائرة “تيدي”: يعتبر مشروع “كاريس لنظم الطيران بدون طيار” من أفضل الحلول الريادية لمراقبة المحاصيل، حيث نلتقط صورا في الأراضي الزراعية، مما يمكننا من اكتشاف الآفات الموجودة في الحقل قبل فوات الأوان، وتحديد المساحة المصابة لمنع تفشي المرض، مع مراقبة مستمرة لنمو المحصول.

غانا الرقمية.. رئة الغرب الأفريقي

المحطة الأخيرة في رحلتنا هي غانا، ذلك البلد الذي يضرب مثلا في الاستقرار الديموقراطي، وتتميز ساحتها التكنولوجية باللامركزية، لكن البطالة مرتفعة في غانا، ومعظم الشباب لا يجدون وظائف بعد إنهاء الدراسة، وما يزال الإنترنت متاحا لـ60% من الشعب فقط، وتغطيته متدنية مقارنة بكينيا ورواندا، وهناك فجوات رقمية واسعة بين الريف والحضر وبين الفئات العمرية من الناس.

“جورج أبياه” مؤسس شركة “كوماسي هايف”

يصحبنا “جورج أبياه” مؤسس “كوماسي هايف” إلى أطراف مدينة كوماسي ثاني أكبر مدن غانا بعد العاصمة أكرا، حيث هناك أكبر سوق للحرفيين في أفريقيا، وتنعم كوماسي بالبيئة التي تجعلها مركزا تكنولوجيا مهما، نظرا لوجود الجامعة والقطاعات غير الرسمية والحرفيين المحليين الذين يرفعون شعار “بادر إلى فعلها بنفسك”.

تعد “سواماغازيم” منطقة صناعية غير رسمية في غرب أفريقيا، ويعمل الناس على إنشاء صناعة جديدة من نفايات المواد، إضافة إلى خلق فرص عمل لهم، وبينما لا تنتج غانا معظم الأجهزة بل تستوردها، فهناك 200 ألف حرفي وكهربائي وحدّاد في “سوا”، وهي تعد منجم ذهب للمبتكرين ومصنّعي الأجهزة الباحثين عن قطع لابتكاراتهم.

“كوماسي هايف”.. زرع المعلومات صباحا وحصادها في مساء

يقول “أبياه”: في “كوماسي هايف” نتعاون مع الحرفيين للحصول على القطع التي تلزمنا للطابعات ثلاثية الأبعاد، وهم مستعدون لتصنيع أي قطع أخرى نحتاجها. هؤلاء الحرفيون لم يحصلوا على التعليم المهني الجيد، ولكنهم بارعون في حرفهم، وقد تعلموها عن طريق التلمذة الحرفية في الورش وعلى أرض الواقع.

“كوماسي هايف”، شركة تعمل على تصنيع نماذج تعليمية للمدارس

تعتبر “دايكست” إحدى الشركات الناشئة في نادي “كوماسي هايف”، وتعمل على تصنيع نماذج تعليمية للمدارس، والفئة المستهدفة هي الجيل القادم، وتحتوي العدّة على مكونات تعليمية مهمة لمهندسي المستقبل ومبرمجيه، وهي مجموعة من القطع الإلكترونية لصنع دارات بسيطة، “نعلمهم بعض قوانين الفيزياء البسيطة، وفي آخر اليوم يبهروننا بتجميع دارات يستخدمونها لغرفهم ومنازلهم”.

ويتابع “أبياه”: خطرت لنا فكرة، لماذا لا نجعل ذلك متاحا للجميع؟ ستكون فكرة جيدة، وسيكون مشروعا تعليميا رائدا لكل أطفال غانا.

ثم زرنا مدرسة تستخدم هذه المعدات منذ سنتين، العدّة الواحدة بمثابة ورشة مصغرة، وهي تكلف 11 يورو، وهو مبلغ في متناول معظم الأطفال هنا، فالدروس التفاعلية أكثر إفادة من التعلم النظري من الكتاب المدرسي والتلقين من المعلم فقط.

“فارمرلاين”.. زيادة المحاصيل بعقول غانية محضة

“فارمرلاين” هي إحدى أهم الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وفئتها المستهدفة هي فئة المزارعين، ولأن المعلومات المتوفرة في المناطق الريفية شحيحة؛ فهي ترسل لهم رسائل صوتية بتسع لغات إلى 11 بلدا تتضمن معلومات عن الطقس وأسعار السوق وتقنيات الزراعة، وبذلك تضمن أن يستفيد كل المزارعين من الخدمة، بما فيهم الأميّون.

“فارمرلاين” شركة تكنولوجيا معلومات، ترسل للمزارعين معلومات عن الطقس وأسعار السوق وتقنيات الزراعة

معظم العاملين في شركة “فارمرلاين” من غانا، وتدار بعقول غانيِّة، وتحظى بثقة المزارعين جميعهم. يقول أحد المزارعين: من خلالها نعرف أفضل وقت لزرع البذور، ومتى نعمل دون التعرض للأحوال الجوية القاسية، حيث باتت محاصيلنا أفضل وأكثر من ذي قبل، بفضل المواد والأسمدة التي عرّفونا عليها.

“البلوك تشين”.. منصة انطلاق إلى فضاء الرقمنة الرحيب

حلَّقت أفريقيا الرقمية إلى حدود “البلوك تشين”، حيث يهدف فريق “موبي ركس” إلى ربط ملفات المرضى عبر هذه المنصة الرقمية المهمة، وحتى اللحظة تحفظ ملفات المرضى بالطريقة اليدوية، مما يؤدي إلى تلف الملف لكثرة استخدامه، ولذلك فوجود ملف رقمي سوف يتيح لك الاطلاع عليه من أي مكان دون تعرضه للتلف أو الضياع.

في هذه المنصة (البلوك تشين) تكون البيانات مشفرة ولا يمكن التلاعب بها، ويجري الدخول عبر كلمات المرور، وتسجَّل كل عملية دخول.

“البلوك تشين” هي منصة لربط ملفات المرضى رقميا

وقد أتيحت لنا الفرصة لنزور أول مستشفى خال تماما من الأوراق الطبية، حيث أفادت مديرة المشروع أنهم في مرحلة التطوير، وقاموا بدراسة شملت احتياجات المرضى لتحديد المدخلات في المرحلة التجريبية، ليصار بعدها إلى الانتقال لمرحلة التشغيل.

وتعمل شركات أخرى على استخدام تقنية “البلوك تشين” في تطبيقات يمكن الاستفادة منها في قطاعات أخرى غير الصحة، مثل القطاع العقاري والحوكمة الشفافة.

مؤتمرات التكنولوجيا الرقمية الأفريقية.. قفزة إلى الأمام

بالعودة إلى رواندا حيث نُحضِّر لاجتماع دولي لشركات التكنولوجيا الناشئة مع الشركات الكبرى العالمية للحديث عن المواضيع الرقمية المستقبلية، حيث تأمل أفريقيا في المستقبل القريب أن تكون في مصاف المنتجين للتكنولوجيا لا المستهلكين لها فقط.

لم يعد الكثير من المبتكرين ورواد الأعمال ينتظرون المبادرة من حكوماتهم

لم يعد الكثير من المبتكرين ورواد الأعمال ينتظرون المبادرة من حكوماتهم، ولكنهم أخذوا على عاتقهم المضي قدما دون انتظار القطاع العام، ويبدو أن الحكومات قد بدأت تتفهم طموحهم الذي لا حدود له وتحاول التماهي معه في سَنّ التشريعات، وإنشاء المؤسسات التي تنظم عمل هؤلاء الرواد حتى لا يحدث تصادم غير مرغوب فيه.