“حرب الشبكات”.. معارك السيطرة المرعبة على الإنترنت بين الشرق والغرب

لفترة من الزمن بدا أن عالم الشبكات سيحتوي على قدر أكبر من الديمقراطية، فقد طمأننا زعماء وادي السيليكون أن التكنولوجيا التي يصنعونها ستجعل الأنظمة الدكتاتورية بائدة، وتخلق مجتمعا شفافا يتمتع مستخدموه بالتعبير عن آرائهم، لكن هذا لم يتحقق، فما إن وضعت الحروب التقليدية أوزارها حتى ثارت حروب من نوع جديد، ستكون موضوع حلقة بعنوان “حرب الشبكات” من سلسلة “عالمنا المتشابك” التي عرضتها الجزيرة الوثائقية.

 

وفيها سنحاول الإجابة على ثلاثة أسئلة مهمة:

–       لماذا أنشئت الشبكات بشكل يجعلها عرضة للهجوم؟

–       وهل ستكون الحرب العالمية حربا باردة ضد الشبكات الصينية المنافسة؟

–       ولماذا لا يمكن هزيمة شبكة إلا بشبكة مثلها؟

حروب التجسس.. عقيدة الحرب الإلكترونية الأمريكية

كانت الصراعات في السابق تدور بين جيشي دولتين منظمتين هرميا، وتنتقل الأوامر من القادة عبر الصفوف حتى خط المواجهة، لكن الأعداء الآن أصبحوا يملكون شبكات لامركزية يصعب تدميرها، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت ردة الفعل الأولى لإدارة بوش أن لاحقت طالبان في أفغانستان، وبدأت غزوا عسكريا واسع النطاق للعراق عام 2003، فهذا الرد هو ما بُرمِجت عليه سلفا الإدارة الأمريكية.

بدت المهمة بسيطة عندما وصل اللواء “ستانلي ماكرستال” بصفته قائدا للقوات الخاصة عام 2003، ولكن هذا كان قبل أن يعرفوا من هو عدوهم الجديد. يقول “ماكرستال”: شهدنا ظهور شبكة إرهابية أصبحت لاحقا تنظيم القاعدة في العراق، ودرسنا تركيبتها فوجدنا أنها تتبع التنظيم الهرمي المستخدم في التنظيمات المشابهة، وفي يناير/كانون الثاني 2004 اكتشفنا أن هذا التسلسل غير موجود.

اللواء “ستانلي ماكرستال” قائد القوات الخاصة عام 2003 يتحدث عن شبكات داعش

ويتابع: لقد ظننا أن إصابة أميرهم أو رجلهم الثاني قد يخلخل الانسجام بين صفوفهم، ولكن اكتشفنا أن شبكتهم مرنة بحيث يتكيفون مع الأوضاع الجديدة ويتمددون، كما اكتشفنا أن لديهم بنية وسائل لتوصيل المعلومات بسرعة استثنائية، فقررنا أننا بحاجة لنكون شبكة أيضا، وبحثنا في أسرع الطرق لتوصيل المعلومات إلى أفراد الشبكة بفاعلية ومصداقية فاكتشفنا أن ذلك لن يكون إلا بتكنولوجيا المعلومات.

بدا أن تنظيم القاعدة في العراق هُزم ودمِّرت شبكته، لكن الانسحاب السريع من العراق وانتقال “ماكرستال” إلى مهمة أخرى في أفغانستان جعل بقايا شبكة القاعدة تعيد تجميع ما بقي من أفرادها في شبكة أخرى أشد شراسة، وكانت هذه الشبكة هي “داعش”.

على مدى سنوات طور الجيش الأمريكي عقيدة الحرب الإلكترونية التي تركز على دور الفيروسات والبرمجيات الخبيثة في التجسس على شبكة العدو الحاسوبية وربما السيطرة عليها، وساد الخوف من ظهور قوة معادية تخترق البرمجية التي تعمل على البنية الأساسية الأمريكية، لكن كل هذا التركيز على القوة الإلكترونية قاد الغرب إلى إهمال شكل بديل من أشكال حرب الشبكات، وهو حرب المعلومات.

“تبين أن جيشا من الروبوتات يقوم بإعادة نشر الخبر”.. حرب الإشاعات

أدركت سلالة جديدة من قراصنة الحاسوب إمكانيات وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن هدفها تجنيد جيل جديد من المتطرفين، بل اختراق السياسة الغربية نفسها، واستغلوا بشراسة ضعف الشبكات، وكانت مدينة توينفولز في ولاية آيداهو إحدى أهداف الحملة، بجعلها بؤرة لعاصفة من الأخبار الكاذبة المدبرة.

فقد استقبلت المدينة عددا من اللاجئين العراقيين والسودانيين ضمن برنامج إعادة التوطين الفدرالي. يقول “ناذان براون” وهو صحفي يغطي السياسة ولقاءات نادي الروتاري في المدينة: نحن في مجمع “فاونروك” السكني، في يونيو/حزيران 2016 اعتدى ثلاثة صبيان لاجئين على فتاة عمرها خمسة أعوام في إحدى غرف الغسيل، وعندما ظهر الخبر أثار عاصفة سياسية.

الأخبار الكاذبة تنتشر عبر شبكات التواصل وتؤثر في توجهات المجتمع وحتى في نتائج الانتخابات

كانت الفتاة أمريكية بيضاء، أما الصبية فلاجئون، وهذه هي الحقيقة التي ولّدت عاصفة من الأخبار الكاذبة اجتاحت المدينة. وكانت الانتخابات الرئاسية جارية، ومثّلت الهجرة وإعادة توطين اللاجئين قضايا رئيسية في تلك الانتخابات، لذا كانت تشغل بال الناس هنا.

يقول عمدة المدينة: كان مركز الشرطة يحقق ضمن عملية منتظمة، وفي مرحلة ما أعاد أحدهم صياغة الخبر كالتالي: “اغتصاب فتاة ذات خمس سنين من قبل لاجئين بعد تهديدها بالسكين”، وتبين أن الرواية المزعومة على الإنترنت لم تكن دقيقة أبدا، فلم يكن الصبية سوريين، ولم تتعرض الفتاة للاغتصاب، ولم تكن هنالك سكين.

ويضيف العمدة: ثم وصلني اتصال يقول إنني على الصفحات الأولى في عدة مواقع إخبارية، بعضها يدعم حملة “ترامب”، وصرنا عرضة لعدد من المواقع التي يؤلف كل واحد منها القصة على مزاجه، وصارت المدينة حديث الناس، وبات موضوع استقبال اللاجئين -وخصوصا المسلمين- الذي يجد صدى واسعا في أروقة حملة “ترامب”، يتفاعل بكثافة على منصات التواصل، وتبين أن جيشا من الروبوتات يقوم بإعادة نشر الخبر.

وكالة أبحاث الإنترنت.. جيش الساخطين على السياسة الأمريكية

كانت معركة حقيقية، محاربوها من الحسابات الوهمية والروبوتات، وأرضها مواقع التواصل، والمستهدفون كثر، منهم العمدة نفسه الذي تلقت زوجته تهديدا بالقتل عبر الهاتف، وظهر انقسام واضح في المدينة بعد انتشار الخبر. لم يكن السياسيون هم فقط من ساهموا في نشر هذه الأكاذيب، بل هناك أطراف أخرى خفية لها مصلحة في ترويج هذه الإشاعات.

في اغسطس/آب 2016 نظّم موقع “سكيور بوردرز” على فيسبوك وقفة احتجاجية أمام مبنى عمدة المدينة تحت شعار “المواطنون قبل اللاجئين”، وامتدت أصابع الاتهام نحو جماعات الشعبوية الأمريكية، وتبين لاحقا أن هذا الموقع وهميّ جرى تسجيله في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا، وتحديدا في مصنع المنشورات الاستفزازية الروسي في وكالة أبحاث الإنترنت.

جماعات الشعبوية الأمريكية تنشر منشورات استفزازية ضد اللاجئين على موقع وهميّ جرى تسجيله في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا

درست “رينيه دايريستا” من مرصد ستانفورد للإنترنت، كيفية اختراق تكتيكات التضليل الروسية، وهي تقول: كانت لديهم فرق ومدراء حسابات يسمونهم الخبراء، وقد جرى تدريبهم على حياكة أحداث معينة في المجتمع الأمريكي، وتأتيهم تعليمات حول كيفية التواصل كأمريكيين.

أما “بن نيمو” خبير الاستخبارات المضادة في المجلس الأطلسي، فيقول: في أوج قوتها وظفت وكالة أبحاث الإنترنت الروسية 900 شخص، في مبنى من أربعة طوابق، تدار عملياتها على نطاق واسع ويشارك فيها خبراء يتقنون تسع لغات، هذا تهديد خاص ويتطلب عملا مضنيا.

ويعلق “أليكس ستاموس”، وهو مسؤول الأمن السابق في فيسبوك: لم يكن إنشاء مزرعة لنشر الاستفزازات أمرا سهلا، فقد تعين على الوكالة الروسية إنشاء جيش من الشباب الروس الساخطين الذين يمتلكون مهارات اللغة الإنجليزية، لدراسة المجتمع الأمريكي والادعاء بأنهم أمريكيون. كان هنالك قسم للرسوم، وهذه أشياء مهمة للتأثير على مجتمع أجنبي.

ترويج الأخبار الكاذبة أثناء الانتخابات.. أساليب الحرب الباردة

من غير المفاجئ تدخّل روسيا في الدول على هذا النطاق، خاصة مع وجود رئيس روسي كان عميلا سابقا للمخابرات السوفياتية، وكان هذا تكتيكا للدعاية المغرضة ظهر إبان الحرب الباردة، حين حاول كل فريق على طرفي الستار الحديدي تشويه صورة الفريق الآخر. ظهر ذلك جليا في عقد الثمانينيات عندما نشر السوفيات ورقة تتهم الأمريكيين بتصنيع “الإيدز” للتخلص من المثليين.

انتشرت هذه الورقة في 80 دولة، وفي 220 مجلة دورية بـ25 لغة، وعلى الرغم من سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الاقتصاد الروسي، فإن القادة الجدد لم ينسوا فعالية نشر الإشاعات المغرضة في المجتمع الأمريكي، خصوصا بعد اكتشاف هشاشة الشبكات الاجتماعية الأمريكية على الإنترنت.

في 2016 أصبحت تكتيكات الحقبة القديمة تكلف ملايين الدولارات، ويساندها جيش بمئات الآلاف من الحسابات الوهمية لزعزعة المجتمع الأمريكي، وعلى مدى عامين متواصلين أسسوا للشعبوية والقبلية الجديدة. كانت بعض الحسابات تشيد بالشرطة، أولئك الجنود المجهولين الذين يضحون بسعادتهم من أجل المواطنين، بينما تتبنى صفحات أخرى بطش الشرطة الأمريكية بالملونين مثلا.

ورقة تتهم الأمريكيين بتصنيع “الإيدز” للتخلص من المثليين نشرت في 80 دولة، وفي 220 مجلة دورية بـ25 لغة

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، شنّت كتلة هائلة من الحسابات المترابطة حملة أخبار زائفة وممنهجة على منصات التواصل، واعترفت شركة فيسبوك حينها أن الروس شاركوا بآلاف الحسابات والإعلانات الزائفة. أما تويتر فقد اعترفت أن الروس غردوا أكثر من مليوني مرة خلال الانتخابات. في الحقيقة لم يؤثر الروس في الانتخابات بأكثر من 1%، لكن الأمريكيين استخدموا المنصات في معاركهم.

بصفته رئيس موقع “برايت بارت”، كان “ستيف بانون” قد تورط بالفعل في نشر الأخبار الزائفة حول قصة توينفولز، وكان مثله الأعلى في مناهضة الهجرة هو المرشح “ترامب”، فاستقال من منصبه ليقود حملة ترامب الانتخابية، واستغل المنصات بشكل فاعل لإيصال ترامب إلى البت الأبيض، وهي المنصات ذاتها التي قادت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. نعم، فيسبوك هي التي قادت ترامب إلى الفوز.

عالم الذكاء الصناعي.. تنين الشرق يتغلب على أمريكا

لتهزم شبكات العدو عليك إنشاء شبكتك الخاصة، فشركات وادي السيلكون العملاقة معرضة للهجوم، لكن تأثير الشبكات الروسية على الانتخابات الأمريكية سيبدو ضئيلا إذا ما قورنت بتأثير الشبكات الصينية، ففي الصراع الجديد على الشبكات يواجه وادي السيليكون عاصمتي الصين التكنولوجيتين هانغ جو وشينغ جين، فمرحبا بكم في حرب الشبكات الجديدة.

تعتبر شينغ جين جنوب الصين على الحدود مع هونغ كونغ إحدى المراكز الأساسية في العالم المتصل، وما يحدث فيها يؤكد أن الصين فعلت أكثر مما هو تقليد للشركات الأمريكية في مجال التسوق الإلكتروني، فهناك “بايدو” و”علي بابا” و”تينسينت” وهي شركات تفوقت على نظيراتها الأمريكية في بعض الجوانب.

أدخل “إريك شميت” غوغل إلى الصين ثم أخرجها احتجاجا على رقابة الحكومة الصينية عليها: أدركنا أن الصين تنمو بمعدلات عالية، وأن عدد السكان الهائل سيجلب أرباحا طائلة للشركات العاملة هناك فخرجت الشركات الكبرى الثلاث: بايدو وعلي بابا وتينسينت.

في الصن شركات عملاقة تنافس مثيلاتها الأمريكة بل وربما تتفوق عليها

فكيف حدث هذا؟ هل تكون لعبة “غوويتشي” الصينية المشهورة هي السبب؟ ربما، وهي لعبة تعتمد على الذكاء، وعلى عدد غير محدود من احتمالات التحركات، أكثر من احتمالات الشطرنج بكثير، وفي مايو/أيار 2017 تحدى بطل العالم في اللعبة -وهو مراهق صيني يدعى “كي جي”- برنامجا حاسوبيا يدعى “ألفاغو”، صمم في لندن لدى شركة تملكها غوغل، وقد فاز البرنامج على البطل الصيني ثلاث مرات.

منذ ذلك الحين تدفقت أموال المستثمرين الصينيين لصالح أبحاث الذكاء الصناعي، وخلال عام واحد أصبحت الصين تستحوذ على 48% من مجموع تمويل الذكاء الصناعي عالميا، وتفوقت على أمريكا لأول مرة، والسبب الرئيسي هو العدد الهائل لمهندسي الحاسوب في الصين.

قيادة الصين.. طاقة بشرية هائلة وسلطة حزبية قاهرة

يقول “ديفيد لي” -وهو عالم اقتصاد بجامعة تسينغهوا في بكين-: أولا علينا أن نفهم أن الصين تحوي أكبر عدد من المهندسين على الإطلاق، ففي كل عام يتخرج 3.6 ملايين مهندس وباحث تكنولوجي، من أصل 8.2 ملايين خريج جامعي، بينما في أمريكا لا يتجاوزون 200 ألف، وثانيا هناك عدد هائل من المستهلكين، وثالثا فالقيادة الصينية تملك كلها الثقافة التكنولوجية، وبالمقابل فأكثر قادة الغرب من المحامين.

قمنا بالاطلاع على التحليلات السرية لإحدى أكبر شبكات التواصل في الصين، (سيناويبو) وهي خليط بين تويتر وإنستغرام وتويتر، وبلغ مجموع المستخدمين 465 مليونا في أبريل/نيسان 2019، ونشر في نفس الشهر حوالي 3 مليارات منشور، وبلغ عدد التفاعلات معها أكثر من 8 مليارات في الشهر ذاته. ولكنها مثل أي شبكة أخرى كانت تابعة للحزب الشيوعي الصيني.

القيادة الصينية تملك الثقافة التكنولوجية، في مقابل أن أكثر قادة الغرب من المحامين

الأولوية الأولى للجنة المكتب السياسي الدائمة هي التعامل مع أكثر ما يخشاه الحزب الشيوعي؛ وهو الاحتجاج السياسي، في الماضي اعتمد القادة الصينيون نظام الحكم الاستبدادي الذي أسسه ماو تسي تونغ، فقد عمد هذا الزعيم إلى إنشاء نظام رقابي صارم طال كل زاوية من حياة الناس، أما اليوم فقد أتيح للحزب سلاح آخر.

في الوقت الذي يستخدم الغرب شبكات التواصل للتعرف على رغبات الناس واستخدامهم كزبائن للمنتجات، فإن الحكومة الصينية تستخدم شبكات التواصل للرقابة الصارمة على الناس ومعرفة ميولهم السياسية واكتشاف من لهم توجهات في إثارة المشاكل، على حد وصف الحكومة.

كان الشائع أن عصر الشبكات سيضر بالحزب الشيوعي الصيني مثلما أضر بالاتحاد السوفياتي، ولكن هذا كان خاطئا تماما، إذ تتبع شبكات التواصل الصينية قواعد صارمة في مراقبة المحتوى المطروح للنقاش، فهي من جهة تلزم المستخدمين باتباع هذه القواعد بحذافيرها، ومن جهة تعطي نفسها الحق المطلق في حذف وتطويق كل ما تراه الشبكة منافيا لقواعدها.

قال “كلينتون” مرة مازحا “إن الصين بمراقبتها لشبكة الإنترنت ستكون كمن يحاول لصق قطعة الجِلي على الجدار”، ويبدو أنه كان مخطئا في مزاحه.

هواوي.. عملاق التكنولوجيا الذي أرعب الغرب

إذا كنت تملك التطبيق المناسب على هاتفك في مدينة لانغفامغ جنوب بكين، فيمكنك التعرف على المتخلفين عن سداد ديونهم بتفاصيلهم الدقيقة، في دائرة نصف قطرها 500 متر. إن تطبيقا ائتمانيا مثل “ويتشات”، يمكنه التعرف على المتخلفين عن السداد والبضاعة التي اشتروها، ومن أي متجر، بل وماذا يقولون في محادثاتهم. ومن شأن أي مخالفة يقدمون عليها أن تقلل من رصيدهم الائتماني.

وبينما يحظى الملتزمون بالتعليمات وأصحاب النقاط العالية بمميزات ائتمانية تفضيلية من علي بابا، فإن الذين يخترقون التعليمات يمكن أن تصل عقوباتهم إلى إلغاء حجوزاتهم ومنعهم من السفر. إن فكرة “تليسكرين” في رواية “1984” للكاتب “جورج أورويل” تبدو أكثر تفاؤلا من النظام الرقابي الصيني، لكن هذه الرقابة الحديثة التي يراها الغرب انتهاكا، تبدو مقبولة وطبيعية في المجتمع الصيني.

شركة هواوي الصينية هي الأكثر والأسرع صعودا وتمددا في العالم

أما هواوي -ومقرها في تشنغ جين- فتبقى من بين أكثر شركات التكنولوجيا إزعاجا للغرب، وهي أكبر شركة اتصالات في العالم، وتتعامل مع 180 دولة، ويملك موظفوها البالغ عددهم 180 ألفا أسهما في الشركة، ويتقاضون ما معدله 50 ألف دولار سنويا، أي أعلى من متوسط الدخل في أمريكا، ويتمتع الموظفون باستراحة غداء مدتها ساعة ونصف.

تعتبر هواوي رائدة في الذكاء الصناعي، وكذلك في الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصال، حيث تصل سرعة نقل البيانات إلى 10 جيغابايت/ثانية.

يقوم “جو كيلي” نائب رئيس هواوي، بطمأنة الصحافة الغربية أن هواوي ليست أداة في يد الحكومة الصينية كما تروج أمريكا: إن قبلنا أن المستقبل يقوم على الذكاء الاصطناعي، وسلاحه البيانات، فيجب أن نقبل بوجود شبكة قادرة على نقل هذه البيانات بكفاءة، وهذا ما تقوم به شركة هواوي، شبكة 5G يمكنها التحكم بحركة المطارات والسكك الحديدية، وتراقب المرور في المدن وتقترح حلولا للأزمات.

“لقد ارتكبنا حصتنا من الأخطاء”.. حقوق الإنسان في خطر

لم تعد الحرب الاقتصادية التي شنها “ترامب” على الصين هي المهمة، فحرب المعلومات باتت أكثر أهمية، وبات الأمريكيون يدركون أن مقولة آبل: (ولدت التكنولوجيا في كاليفورنيا، والصين بالكاد تجمع القطع) ليست دقيقة، فهل بدأت الحرب الباردة بين الصين وأمريكا؟ يقول “شميت”: أمريكا متصدرة، والصين تريد أن تسيطر في 2030 كما يقولون، والأموال تتدفق بغزارة، والمهم أن تبقى الصدارة لنا.

إنها معركة الهيمنة على الكوكب بين الشبكات الأمريكية والصينية، وهنا نسمع صوت بعض المشرعين يقول: ينبغي قص أجنحة شبكات التواصل وإخضاعها لتنظيمات مركزية. ويجيب زوكربرغ: لقد ارتكبنا حصتنا من الأخطاء، ولكن إخضاع الشبكات لتنظيم الحكومة سوف يغري بنا الشركات الصينية.

المعركة الحقيقية هي معركة الهيمنة على الكوكب بين الشبكات الأمريكية والصينية

تظهر حدة هذه المنافسة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فبعضهم يشجع النموذج الأمريكي وآخرون يميلون للتجربة الصينية، بعضهم يقارن حسب الميزان السياسي، وآخرون من منطلقات تجارية. لكن الأكيد أن أفريقيا التي بدأت مع التكنولوجيا الغربية، بات أكثر من 90% من مواطنيها يمتلكون الأدوات الصينية، ولولاها لما وصلت تكنولوجيا الاتصال عندهم إلى ما نراه اليوم.

الحرب القادمة ليست تقليدية، وليست صراعا على الأرض والموارد، بل هي حرب شبكات، مجالها الفضاء الافتراضي، وأسلحتها طائرات ذكية موجهة، تختار ضحاياها من المتنفذين بالتعرف على بصمات وجوههم، وتضرب بعمق في أوساط النخب الحاكمة من أهل السياسة والمال، ولكن ليس بالضرورة أن تكون الديمقراطية هي المنتصرة أخيرا، ولا أن حقوق الإنسان هي المصانة في النهاية.